الأدب

أمريكا العنصرية القاتلة.. هل يحتاج “السود لـ”مارتن لوثر كينج جديد؟

ينشغل العالم كله هذه الأيام بمتابعة قضية مقتل رجل أمريكى أسود يدعى “جورج فلويد” على يد الشرطة الأمريكية فى مدينة “مينيابولسس”، بما يؤكد أن العنصرية ضد السود لا تزال على أوجها فى بلاد العام سام، وبما يهدد باندلاع أعمال عنف فى الفترة المقبلة، فهل تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى “مارتن لوثر كينج” جديد كى يعيد الأمور إلى نصابها.

واستطاع “مارتن لوثر كينج” أن يخطو بالسود إلى الأمام فى منتصف القرن الماضى، وحسب كتاب “السجل الأسود لأمريكا.. الشيطان يسكن تمثال الحرية” لـ عصام عبد الفتاح، لا نستطيع الحديث عن السود وما لاقوه من اضطهاد وفظائع فى بلاد العم سام دون أن نتوقف عند “مارتن لوثر كينج” الثائر والمصلح الاجتماعى الأسود وأشهر من حمل راية الكفاح ضد العنصرية الأمريكية فى تاريخها كله.

 
جورج فلويد
 
وتحت شعار “عندى حلم” دشن لوثر حملته ضد العنصرية، وهو نفسه الذى سميت به خطبته الشهيرة التى ألقاها عند نصب لينكولن التذكارى فى 28 أغسطس 1963 أثناء مسيرة واشنطن للحرية عبر خلالها عن رغبته فى رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس.
 
وفى مدينة أتلانتا الأمريكية، وتحديدا فى اليوم الخامس عشر من يناير عام 1929 ولد مارتن لوثر كينج وبعد تفوق دراسى ملحوظ حصل على درجة البكالوريوس فى الآداب سنة 1948 ولم يكن عمره قد تجاوز آنذاك التاسعة عشر.ثم تزوج فى عام 1953 من فتاة زنجية .
 
بعدها حصل على الدكتوراه فى الفلسفة من جامعة بوسطن ثم انتقل هو وزوجته إلى مدينة مونتجمرى التى شهدت بداية نضاله ضد العنصرية والاضطهاد التى كان يعانى منها السود  خاصة فى وسائل المواصلات العامة التى اشتهرت بإهانة مستخدميها من الأفارقة، حيث كانت تخصص لهم المقاعد الخلفية فقط، وعليه كان من حق السائق أن يأمر الركاب الزنوج بترك مقاعدهم الأمامية لنظرائهم البيض، واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن جاء يوم الخميس الأول من ديسمبر عام 1955 وعندما رفضت إحدى السيدات الزنجيات أن تخلى مقعدها لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال البوليس الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القوانين لتكون بداية ثورة السود.
 
كادت الثورة أن تتسبب فى إراقة شلالات من الدماء، لولا تدخل مارتن لوثر كينج الذى اعتمد مبدأ الاحتجاج السلمى عوضا عن العنف، متأثرا بأسلوب المناضل الهندى “مهاتما غاندى” وبدأ السود ثورتهم السلمية بمقاطعة المواصلات العامة التى كان السود يشكلون 70% من إيراداتها، وتم اعتقال مارتن عدة مرات لأسباب واهية منها دعوته أبناء جلدته إلى المقاطعة، واستمر الاعتقال إلى أن تقدمت أربع سيدات من أصول أفريقية إلى المحكمة الاتحادية فى مونتجمرى لإلغاء التفرقة العنصرية فى وسائل النقل، وأصدرت المحكمة بعدها حكمها التاريخى الذى منع التفرقة العنصرية، وعندها فقط طلب مارتن من أتباعه إنهاء المقاطعة والعودة لاستخدام وسائل المواصلات العامة.
مارتن لوثر  كينج
 
وفى يونيو 1957 بدأ مارتن لوثر كينج بالمطالبة بحقوق السود فى الانتخابات وكان عمره آنذاك 27 عاما، ومن أمام نصب إبراهام لينكولن نجح فى تسجيل خمسة ملايين أمريكى من أصول أفريقية فى سجلات الناخبين.
 
وفى عام 1963 بعد تولى “جون كنيدى” منصب الرئاسة قام مارتن وأنصاره بسلسلة من المظاهرات السلمية فى برمنجهام للمطالبة بحقوق السود لتقع مواجهة دامية بين الشرطة والمتظاهرين السود ويصدر بعد ذلك حكما قضائيا بمنع الاحتجاجات والمسيرات والمقاطعات والاعتصام، ليعلن مارتن عن تحدى المحكمة ويخرج فى مسيرة يتقدمها الأطفالـ لتحدث المواجهة مرة أخرى بين الشرطة وكلابها البوليسية المتوحشة وبين المسيرة التى يتقدمها الأطفال، والتقطت الكاميرات الصور للكلاب البوليسية وهى تنهش أجساد الأطفال، وانتشرت تلك الصور فى العالم كله، وألهبت مشاعر السود فى كل أنحاء الولايات المتحدة، واستمرت أعمال العنف بضراوة مما دفع الرئيس الأمريكى جون كنيدى إلى إعلان حالة الطوارئ.
واستمرت الثورة وسار أكثر من 250 ألف متظاهر باتجاه نصب لينكولن التذكارى وهناك ألقى “لوثر ” خطبة رائعة عنوانه “لدى حلم”.
 
ويعتبر اليوم الذى ألقيت فيه الخطبة من اللحظات الفاصلة فى تاريخ حركة الحريات المدنية حيث خطب كينج فى 250 ألف من مناصرى الحقوق المدنية، كما تعتبر هذه الخطبة واحدة من أكثر الخطب بلاغة فى تاريخ العالم الغربى.
وبعد أن أنهى “كينج” قراءة خطبته المعدة مسبقا ارتجل خاتمتها التى تكررت فيها عبارة “لدى حلم” التى اقتبسها من أغنية للمغنية السمراء “ماهاليا جاكسون” التى تقول فى بعض كلماتها “قل لهم عن الحلم يا مارتن”.
ومن الخطبة:
عندى حلم بأنه فى يوم ما على تلال جورجيا الحمراء سيستطيع أبناء العبيد السابقين الجلوس مع أبناء أسياد العبيد السابقين معا على منضدة الإخاء.
هذا هو أملنا.. هذا هو الإيمان بأنه عندما أعود إلى الجنوب، بهذا الإيمان سنكون قادرين على شق جبل من اليأس بصخرة الأمل.
عندى حلم أنه فى يوم ما بأن كل وطاء يرتفع وكل جبل  ينخفض ويصير المعوج مستقيما فيعلن مجد الرب ويراه كل البشر جميعا.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *