الأدب
هل ذهب سيدنا إبراهيم إلى مصر وقال عن سارة”أختى”.. ما قاله التراث الإسلامى
نعرف جميعا أن سيدنا إبراهيم عليه السلام، واحد من الأنبياء أولى العزم، وهو مشهور بكونه أبا الأنبياء، وقد ورد طرف من قصته فى القرآن الكريم، لكن هناك جزء آخر عرفه المسلمون من الإسرائيليات ومن غيرها.. لكن ماذا عن ذهاب الخليل إلى مصر.. وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب “البداية والنهاية” تحت عنوان “هجرة الخليل إلى بلاد الشام”:
لما هجر “إبراهيم” قومه فى الله، وهاجر من بين أظهرهم، وكانت امرأته عاقرًا لا يولد لها، ولم يكن له من الولد أحد، بل معه ابن أخيه لوط بن هاران بن آزر، وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين، وجعل فى ذريته النبوة والكتاب.
فكل نبى بُعث بعده فهو من ذريته، وكل كتاب نزل من السماء على نبى من الأنبياء من بعده فعلى أحد نسله وعقبه، خلعة من الله وكرامة له، حين ترك بلاده، وأهله، وأقرباءه، وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عز وجل، ودعوة الخلق إليه.
والأرض التى قصدها بالهجرة أرض الشام، وهى التى قال الله عز وجل: “إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين”.
قاله أبى بن كعب، وأبو العالية، وقتادة، وغيرهم.
وروى العوفى عن ابن عباس قوله: “إِلَى الْأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” مكة، ألم تسمع إلى قوله: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ”.
وزعم كعب الأحبار أنها حران. وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط، وأخوه ناحور، وامرأة إبراهيم سارة، وامرأة أخيه ملكا، فنزلوا حران، فمات تارح أبو إبراهيم بها.
وقال السدى: انطلق إبراهيم ولوط قِبَلَ الشام، فلقى إبراهيم سارة، وهى ابنة ملك حران، وقد طعنت على قومها فى دينهم، فتزوجها على أن لا يغيرها، رواه ابن جرير وهو غريب.
والمشهور أنها ابنت عمه هاران، الذى تنسب إليه حران، ومن زعم أنها ابنة أخيه هاران أخت لوط، كما حكاه السهيلى عن القتيبى، والنقاش، فقد أبعد النجعة، وقال بلا علم، وادعى أن تزويج بنت الأخ كان إذ ذاك مشروعًا، فليس له على ذلك دليل، ولو فرض أن هذا كان مشروعًا فى وقت كما هو منقول عن الربانيين من اليهود، فإن الأنبياء لا تتعاطاه، والله أعلم.
ثم المشهور أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل، خرج بسارة مهاجرًا من بلاده كما تقدم، والله أعلم.
وذكر أهل الكتاب أنه لما قدِم الشام، أوحى الله إليه إنى جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك، فابتنى إبراهيم مذبحًا لله شكرًا على هذه النعمة، وضرب قبته شرقى بيت المقدس.
ثم انطلق مرتحلًا إلى التيمن، وأنه كان جوع، أى قحط، وشدة، وغلاء، فارتحلوا إلى مصر، وذكروا قصة سارة مع ملكها، وأن إبراهيم قال لها: قولى أنا أخته، وذكروا خدام الملك إياها هاجر، ثم أخرجهم منها، فرجعوا إلى بلاد التيمن يعنى أرض بيت المقدس وما والاها، ومعه دواب، وعبيد، وأموال.
وقد قال البخاري: حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبى هريرة، قال: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: اثنتان منهن فى ذات الله، قوله: “إِنِّى سَقِيمٌ” وقوله: “بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا”.
وقال: بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبّار من الجبابرة، فقيل له: ههنا رجل معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، وسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختى.
فأتى سارة فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيرى وغيرك، وإنَّ هذا سألنى فأخبرته أنك أختى، فلا تكذبينى، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده، فأخذ فقال: ادعى الله لى ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، ثم تناولها الثانية، فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعى الله لى ولا أضرك.
فدعا بعض حجبته فقال: إنك لم تأتنى بإنسان، وإنما أتيتنى بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلى، فأومأ بيده مهيم فقالت: رد الله كيد الكافر أو الفاجر فى نحره، وأخدم هاجر.
قال أبو هريرة: فتلك أمكم يا بنى ماء السماء. تفرد به من هذا الوجه موقوفًا.
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار، عن عمرو بن على الفلاس، عن عبد الوهاب الثقفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة، عن النبى ﷺ قال: “إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات، كل ذلك فى ذات الله:
قوله: “إِنِّى سَقِيمٌ”.
وقوله: “بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا”.
وبينما هو يسير فى أرض جبار من الجبابرة، إذ نزل منزلًا، فأتى الجبار فقيل له: إنه قد نزل ههنا رجل، معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها، فقال: إنها أختي.
فلما رجع إليها قال: إن هذا سألنى عنك، فقلت إنك أختي، وإنه ليس اليوم مسلم غيرى وغيرك، وإنك أختى فلا تكذبينى عنده، فانطلق بها، فلما ذهب يتناولها أخذ فقال: ادعى الله لى ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها، فقال: ادعى الله لى ولا أضرك، فدعت فأرسل ثلاث مرات، فدعا أدنى حشمه فقال:
إنك لم تأتنى بإنسان ولكن أتيتنى بشيطان، أخرجها وأعطها هاجر، فجاءت وإبراهيم قائم يصلي، فلما أحس بها انصرف، فقال: مهيم. فقالت: كفى الله كيد الظالم، وأخدمنى هاجر. وأخرجاه من حديث هشام. ثم قال البزار: لا نعلم أسنده عن محمد، عن أبى هريرة، إلا هشام. ورواه غيره موقوفًا. وقال الإمام أحمد: حدثنا على بن حفص، عن ورقاء هو ابن عمر اليشكري، عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
“لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، قوله حين دعى إلى آلهتهم.
فقال: “إِنِّى سَقِيمٌ”.
وقوله: “بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا”.
وقوله لسارة أنها أختى، قال ودخل إبراهيم قرية، فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس، قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك؟
قال: أختي. قال فأرسل بها.
قال فأرسل بها إليه وقال: لا تكذبى قولي، فإنى قد أخبرته أنك أختي، إنه ليس على الأرض مؤمن غيرى وغيرك، فلما دخلت عليه قام إليها، فأقبلت توضأ وتصلى وتقول: اللهم إن كنت تعلم أنى آمنت بك، وبرسولك، وأحصنت فرجى إلا على زوجي، فلا تسلط على الكافر. قال فغط حتى ركض برجله.
قال أبو الزناد، قال أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة، أنها قالت: اللهم أن يمت يقال هى قتلته، قال فأرسل، قال ثم قام إليها، قال فقامت توضأ وتصلى وتقول: اللهم إن كنت تعلم أنى آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجى إلاّ على زوجى، فلا تسلط على الكافر، قال فغط حتى ركض برجله.
قال أبو الزناد، وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة، أنها قالت: اللهم إن يمت يقال هى قتلته، قال فأرسل، قال ثم قام إليها، قال: فقامت توضأ وتصلى وتقول: اللهم إن كنت تعلم أنى آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجى إلا على زوجي، فلا تسلط على الكافر، قال فغط حتى ركظ برجله.
قال أبو الزناد، وقال أبو سلمة، عن أبى هريرة أنها قالت: اللهم إن يمت يقال هى قتلته، قال فأرسل، قال فقال فى الثالثة، أو الرابعة، ما أرسلتم إلى إلا شيطانًا، أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر، قال فرجعت فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله ردَّ كيد الكافرين، وأخدم وليدة. تفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط الصحيح. وقد رواه البخاري، عن أبى اليمان، عن شعيب بن أبى حمزة، عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة عن النبى ﷺ به مختصرًا.
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سفيان، عن على بن زيد بن جدعان عن أبى نضرة، عن أبى سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: “فى كلمات إبراهيم الثلاث التى قال، ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله، فقال إنى سقيم، وقال بل فعله كبيرهم هذا، وقال للملك حين أراد امرأته هى أختى.
فقوله فى الحديث هى أختي، أى فى دين الله.
وقوله لها إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيرى وغيرك، يعنى زوجين مؤمنين غيرى وغيرك، ويتعين حمله على هذا، لأن لوطًا كان معهم، وهو نبى عليه السلام.
وقوله لها لما رجعت إليه مهيم، معناه ما الخبر، فقالت: إن الله رد كيد الكافرين”.
وفى رواية الفاجر وهو الملك، وأخدم جارية.
وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك، قام يصلى لله عز وجل، ويسأله أن يدفع عن أهله، وأن يرد بأس هذا الذى أراد أهله بسوء، وهكذا فعلت هى أيضًا، فلما أراد عدو الله أن ينال منها أمرًا قامت إلى وضوئها، وصلاتها، ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم، ولهذا قال تعالى: “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ” [البقرة: 45] فعصمها الله، وصانها لعصمة عبده، ورسوله، وحبيبه، وخليله، إبراهيم عليه السلام.