عازف البيانولا.. مهنة من لا مهنة له من أبناء الجاليات الأجنبية
بصندوق خشبى أسود اللون، يشبه الدولاب الصغير، مرسومة عليه شخصيات كرتونية وزخرفات خشبية ويشبه الدولاب الصغير وفى وسطه صورة فى إطار بيضاوى يوجد علي جانبه الأيمن “منافيلا”، وعلى الجانب الأيسر توجد عصا لتشغيل الموسيقى، يحمله أحدهم على ظهره، ليكون سلوانا للأطفال والكبار أيضا، وكأنه “صندوق الدنيا”، هكذا كان عازف البيانولا، أحد المهن المندثرة فى مصر.
وانتشرت مهنة عازف البيانولا فى مصر فى عشرينيات القرن الماضى، حيث لجأ إليها أبناء الجاليات اليونانية والإيطالية، ممن يسعون للعمل، واشتهرت فى مدن القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والإسماعيلية والسويس بداية من فترة العشرينيات بتواجد العديد منهم وكان اليونانيون المهاجرون المقيمون فى مصر يشتهرون بالعمل كعازفى بيانولا حيث كانوا يجوبون الشوارع والطرقات فى شتى ربوع مصر المحروسة حاملين البيانولا على ظهورهم بهيأتهم وملابسهم المميزة لهم وهم يرتدون البدلة الكاملة ذات الجاكيت الطويل من الخلف الذى يسمى البنجورة وفوق رؤوسهم برنيطة عالية أو كاب.
واستمرت مهنة عازف البيانولا مستمرة لعدة عقود، لكنها ظلت مقتصرة على اليونانيين والإيطاليين المتواجدين فى مصر، مما ساعد على سهولة اندثارها فى مصر، بعد خروج عدد كبير من الجاليات الأجنبية من مصر بعد العدوان الثلاثى عام 1956.
وكان من أسباب اندثار هذه المهنة فى مصر عدم تمكن أبناء الجاليات لغيرهم من عمل شريط ألحان الموسيقى الورقى الذى كان أساس العمل بالبيانولا، حيث كانت تعمل هذه الآلة عن طريق شرائط تصنع من الورق يكون بها ثقوب عديدة وتخرج منها الأنغام عن طريق الذراع الخارجي المسمي بـ”المانفيلا” والذى يضخ الهواء فى هذه الثقوب فتخرج منها النغمات وكانت صناعة هذه الأسطوانات الورقية من تخصص هؤلاء اليونانيين والإيطاليين فلما رحلوا توقف تصنيع هذه الشرائط وبذلك اختفت البيانولا من الوجود.
ولعل من أشهر الأدوار السينمائية التى جسدت فيها شخصية عازف البيانولا، فى فيلم “سمع هس” من إنتاج عام 1991م بطولة النجمة ليلي علوى والفنان الراحل ممدوح عبد العليم، والفنان الراحل حسن كامى والفنان الراحل نجاح الموجى، ومن إخراج “شريف عرفة” ويلعب فيه الفنان ممدوح عبد العليم وزوجته التى تقوم بدورها الفنانة ليلى علوى دور عازف بيانولا متجول في الشوارع وتساعده زوجته بالغناء معه فى أثناء أداء عمله.