كورونا والنظافة.. كيف غيرت الأوبئة مفاهيم النظافة فى المجتمعات قديما؟
عرف الإنسان، منذ بداية التاريخ، الأمراض المعدية والأوبئة الفتاكة، التى حصدت على مدار التاريخ الإنسانى، العديد من أرواح البشر، وتسببت فى انتشار الهلع والخوف، فكان ضرورى من الإنسان أن يواجهها سواء بالأساليب العلاجية الطبية أو النظافة والتعقيم.
ويبدو أن مفاهيم النظافة الشخصية والتعقيم التى طرأت على المجتمع بعد انتشار فيروس كورونا المستجد، وانتشار استخدام أدوات مثل الكمامة والكحول، والصابون، والاهتمام بالنظافة الشخصية والاستحمام وغسيل اليدين بالماء والصابون، لم تكن بظاهرة جديدة على العالم، فقد شهدت المجتمعات قديما مفاهيم مختلفة للنظافة، بعدما كانت مهملة.
وأقامت صحيفة لوموند الفرنسية حوارمع الأكاديمى المختص في تاريخ العلوم لوران هنرى فريو، قال إنه، فى القرن التاسع عشر، ظهرت سياسات جديدة ترمى إلى فرض شروط النظافة، كما وضعت خططا للارتقاء بالصحة العامة وتحسين ظروف السكن، خاصة سكن العمال، إضافة إلى تسهيل الحصول على الماء الصالح للشرب وتحسين شروط النظافة فى المستشفيات، حيث بدأ على سبيل المثل استخدام بعض السوائل فى تنظيف وتعقيم المعدات التى تستخدم فى الجراحة، وتقرر منع نوم المرضى فى نفس الآسرة إلا بعد تطهيرها.
أوضح، كيف تغيرت مفاهيم “النظافة والقذارة” في أوروبا، حيث كان الناس نهاية العصور الوسطى يخافون من الماء والحرارة لأنها “تفتح الجسم للهواء” وبالتالى للوباء، ثم انقلب الأمر نهاية القرن 18 وأصبح الماء مرتبطا بالتطهير والنظافة، فى واحد من أعظم التغييرات فى عقلية الإنسان.
ومنذ ذلك الحين، يقول “فريو” تم قلب العديد من العادات مع إصرار الأطباء الجدد على تأثير البيئة والوسط وعلم الجراثيم، فتطورت الصحة العامة فى هذا السياق مع رؤية اجتماعية وسياسية تسمى “النظافة” سعى من خلالها أخصائيو الصحة لطرد أبخرة المدن وإبعاد تربية الحيوانات وحظر التبول في الطرق العامة والتغوط أو البصق.
وبالفعل، يقول الكاتب، تغيرت السلوكيات مع العمل وتطوير الصرف الصحى، حتى غدا القرن العشرون العصر الذهبى للوقاية، ولكن استخدام العقاقير والمضادات الحيوية جعل هذه التدابير تدريجيا أقل أهمية، خاصة فى الدول الغربية.
وقد لعب التطعيم دورا أساسيا حتى لو لم يكن مرتبطًا تلقائيا بالتغير الثقافى، إلا أن فرض التطعيم ضد الجدرى، الذي شكل تدخلا فى خصوصية الناس فى عصر ليبرالى بامتياز، أظهر تقيد السلطات بإكراه الناس باسم مصلحة الأمة.