التدخلات التركية فى ليبيا تحت المجهر الدولى وغضب أوروبى عارم
نظّم مركز بروكسل الدولى للبحوث الذى يرأسه السفير مارك أوتي، رئيس المركز ونائب رئيس المعهد الأوروبى للسلام، مؤتمرا رقميا يوم الخميس الماضى وهو جزء من سلسلة مشروع المركز الذى يحمل اسم “إعادة التفكير فى الأمن من منظور أوروبي- 2020”. ناقش المؤتمر الذى كان تحث عنوان “آخر التطورات فى الصراع الليبي: إيجاد طرق التقدم إلى الأمام” أحدث التطورات التى تشهدها الساحة الليبية من المنظور السياسى والاقتصادى والإنسانى والعسكرى والاستراتيجي، كما هدف الحدث للتعريف بجهود المجتمع الدولى فى إيجاد حلول مستدامة للأزمة المتفاقمة على كافة الأصعدة فى ليبيا، علاوة على السعى لتفعيل الدور الأوروبى فى الحيلولة دون تدهور الأوضاع، والعمل على إعادة الأمن والاستقرار.
افتتح المؤتمر بن لوينغز، المحلل الأول لشؤون شمال إفريقيا والأمم المتحدة لدى مركز بروكسل الدولى للبحوث، والذى أشار إلى التباين الكبير بين الخطاب السياسى والواقع فى ليبيا، وأضاف بأن الصراع المحتدم منذ قرابة العشر سنوات يشير جليا إلى أن جهود المجتمع الدولى فى حل النزاع كانت بلا جدوى تقريبا، و تحتاج الى إعادة النظر جديا بكل ما هو قائم .
بدأ كاسبر إنغبورغ، القائم بأعمال رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة فى ليبيا بالقول إن الوضع الصحى والإنسانى فى ليبيا بالغ التعقيد، وخاصة بالنظر إلى حالات الإصابة بفيروس كورونا، والتى وصلت إلى 99 حالة مؤكدة صباح يوم المؤتمر تشمل 4 وفيات، وأضاف بأن الوباء قد وصل إلى الأصقاع النائية فى جنوب البلاد أيضا.
ووصف إنغبورغ الوضع بأنه سييء للغاية بسبب ضعف الإمكانيات والجهود، إضافة إلى أن حدود البلاد مفتوحة بشكل كبير، ومما يُفاقم الوضع وجود قرابة 650 ألف لاجئ فى البلاد، علاوة على حالات النزوح الداخلي، ومن ضمنها اضطرار 200 ألف شخص إلى مغادرة منازلهم فى طرابلس بسبب تدهور الأوضاع الصحية والأمنية.
أما تيم إيتن، الباحث الأول فى برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المعهد الملكى البريطانى للشؤون الدولية (تشاثام هاوس)؛ فتطرق إلى المسائل السياسية، قائلا إن ضعف الأداء الحكومى والمنظومة التشريعية لدى حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس قد أدى إلى تراجع كبير على مختلف المستويات، وأضاف بأن السياسة المالية العبثية بتوزيع الشيكات قد أضعفت من الاحتياطات المالية، مما يهدد بكارثة مالية محدقة فى حال الاستمرار فى هذه السياسة (فساد مالى كبير ).
على الصعيد العسكري، قال تيم بأن القوات التابعة لحكومة الوفاق ذات قوام غير متجانس، وأن الجامع بينها هو العداء الأعمى لحكومة مجلس النواب فى طبرق فحسب، مما يُشكك بخصوص إمكانية نجاحها فى توجيه ضربة عسكرية قاضية لقوات الجيش العربى الليبى التابعة للمشير خليفة حفتر.
وقال خافيير نارت، عضو البرلمان الأوروبى وعضو لجنة الشؤون الخارجية الأوروبية واللجنة الفرعية للأمن الأوروبى “إننا صنعنا وحشا فى طرابلس ولم نتمكن من السيطرة عليه”، وأضاف بأن سكان المناطق الشرقية ينظرون إلى المشير حفتر بأنه قادر على صنع السلام والاستقرار، وأوضح أن الحديث عن شرعية حكومة الوفاق هو ضرب من العبث من المنظورين السياسى والقانوني، خاصة وأن أى حكومة فى طرابلس لم ولن تحظى بالشرعية إن لم يوافق عليها مجلس النواب المنعقد فى طبرق، وأضاف أن فايز السراج لا يمثل واقعا قانونيا مقبولا لأنه يتحكم فى حفنة من الميليشيات المنفلتة، والتى كانت حتى زمن قريب تتقاتل فيما بينها دون أن تعير اهتمامها للدُمية المسماة السرّاج على حد تعبيره.
وأضاف نارت بأن عدم لجوء الدول الغربية إلى التفاهم مع حكومة مجلس النواب يُعد ضربا من الغباء، لأنه يُغفل النظر إلى الحقائق على الأرض، وأوضح بأن سيطرة تلك الحكومة على مناطق الإنتاج النفطي، الذى يُعد المورد المالى للرئيس يعزز هذه الفكرة، وقال إن على الغرب التواصل البناء مع هذا الشريك الرئيس وإلا ستكون العواقب وخيمة على الجميع، وذكر أنه أوضح للبرلمان الأوروبى ذلك المفهوم، وشرح لهم أن القوة الحقيقية للجيش والأجهزة الأمنية تتركز بيد حكومة مجلس النواب، وهذا ما تفتقده حكومة الوفاق تماما، وأن هذا المنظور العسكرى والأمنى أحد أهم الأسباب التى ينبغى أن تدفع الأوروبيين للتعاون المثمر مع حكومة مجلس النواب فى طبرق، والتى يجب أن يعترف بها الأوروبيون باعتبارها الحكومة الشرعية والمسيطرة على مقاليد الأمور فى الواقع.
فيما صرح لورنزو مارينوني، المحلل الأول فى مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المركز الإيطالى للدراسات الدولية بأن العوامل الخارجية كان لها دور فاعل فى تعطيل عملية الاستقرار المنشودة فى البلاد، وأن عملية إيرينى لدعم حظر الأسلحة المفروض على ليبيا فى البحر الأبيض المتوسط والتى أطلقها الاتحاد الأوروبى لم تكن متوازنة، بل ركزت على البحر فحسب، وأضاف بأن هذا القصور قد أدى لتفاقم الأوضاع مؤخرا، حيث التفّت تركيا حول عملية إيرينى وزوّدت حكومة الوفاق بالأسلحة عبر جسر جوي، وعلّق قائلا إن هذا الوضع كارثى على الاتحاد الأوروبي، خاصة فى ظل ما يتوقعه من وجود عسكرى تركى فى المناطق الغربية من البلاد خلال الفترة القادمة، وأحد نتائجه المرتقبة إحكام تركيا لسيطرتها على طرق وصول اللاجئين إلى أوروبا عبر اليونان وليبيا أيضا، مما قد يؤدى لتطورات خطيرة.
عن الموقف الإيطالي، قال مارينونى إن حكومة بلاده تتعامل مع طرفى النزاع فى ليبيا، ولكنها تركز جهودها على حكومة الوفاق بسبب الإنتاج النفطى ووجود الشركات الإيطالية العاملة فى المنطقة الغربية، وأعرب عن عدم رضاه بالدور المحدود الذى تضطلع به الحكومة الإيطالية فى إصلاح الأوضاع فى ليبيا، وذكر أن السبب الرئيس هو وجود عدة مراكز لصنع القرار فيما يتعلق بليبيا منذ سنة 2014، مثالا وزارتا الداخلية والخارجية. أما جيسن پك، مؤسس المجموعة الاستشارية لتحليل ليبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية فقال إن القاهرة وأبو ظبى وموسكو لها سيطرة واضحة على مُجريات الأمور فى ليبيا.
ووصف المقاربات التقليدية التى حدثت حتى الآن لحل الأزمة الليبية بالفشل الذريع وعدم الإحاطة بالتطورات السياسية والاقتصادية وموازين القوى فى ليبيا، وأوضح بأن النظرية القائلة بأنه لا يمكن إجراء الوساطة فى ظل استمرار العمليات العسكرية خاطئة للغاية، وأن الانطلاق من منظور تحسين وتطوير الوضع الاقتصادى والاجتماعي، ومعالجة الأسباب الجوهرية للأزمة يُعد تمهيدا منطقيا للتأسيس لحلول عقلانية وتتسم فى ذات الوقت بالاستدامة، وقال إن على الجميع التعلم من الدروس القاسية فى العراق. أعقبت المؤتمر نقاشات تناولت بعض أهم الأفكار والأبعاد التى تطرق إليها المتحدثون فى المؤتمر، والذى شارك فيه العديد من المنظمات الدولية والإقليمية، تشمل ممثلين عن الاتحاد والبرلمان والمفوضية الأوروبية، والأمم المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الإفريقى والجامعة العربية، ومجموعة كبيرة من وزارات الدفاع والخارجية والبعثات الدبلوماسية فى الدول العربية والأوروبية، والعشرات من مراكز البحوث والمتخصصين فى الشؤون السياسية والأمنية والاستراتيجية، علاوة على حضور مكثف للعديد من وسائل الإعلام العربية والدولية.