رفض سياسى وشعبى جزائرى لفيلم وثائقى فرنسى تضمن إساءة للحراك الشعبى
تسبب فيلم وثائقى بثته قناة تلفزيونية فرنسية حكومية فى أزمة دبلوماسية بين الجزائر وباريس، بسبب تناوله الحراك الشعبى الجزائرى الذى بدأ فى 22 فبراير 2019 ضد النظام فى الجزائر .
وكانت قناة “فرانس 5” الحكومية قد بثت فيلما وثائقيا تحت عنوان “الجزائر حبيبتي” لمخرجه ومنتجه الصحفي الفرنسي جزائري الأصل مصطفى كسوس، ويقدم الفيلم ومدته 72 دقيقة شهادات لشباب جزائري حول الحراك والديمقراطية والحرية وأحلامهم، وهي الشهادات التي استنكرها سياسيون جزائريون ورأوا فيها إساءة للحراك، بسبب سلوكيات الشباب أصحاب الشهادات.
وعلى إثر إذاعة الفيلم استدعت الجزائر سفيرها من باريس للتشاور لأجل غير مسمى، وقالت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية في بيان”إن الطابع المطرد والمتكرر للبرامج التي تبثها القنوات العمومية الفرنسية والتي كان آخرها ما بثته قناة “فرانس 5″ و”القناة البرلمانية” بتاريخ 26 مايو 2020، التي تبدو في الظاهر تلقائية، تحت مسمى وبحجة حرية التعبير، ليست في الحقيقة إلا تهجما على الشعب الجزائري ومؤسساته، بما في ذلك الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني”.
وأضاف البيان “يكشف هذا التحامل وهذه العدائية عن النية المبيتة والمستدامة لبعض الأوساط التي لا يروق لها أن تسود السكينة العلاقات بين الجزائر وفرنسا بعد 58 سنة من الاستقلال في كنف الاحترام المتبادل وتوازن المصالح التي لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال موضوعا لأي تنازلات أو ابتزاز من أي طبيعة كان”.مؤكدا أنه لهذه الأسباب قررت الجزائر استدعاء سفيرها في باريس للتشاور.
وكانت الخارجية الجزائرية قد استدعت في مارس الماضي السفير الفرنسي كزافيي دريونكور للاحتجاج على برامج تلفزيونية اعتبرت مسيئة للجزائر ومواقف رسمية لباريس من الحراك الشعبي في الجزائر.
وجاء رد الرئيس عبد المجيد تبون سريعا على الفيلم الفرنسي إذ استقبل المجاهد عثمان بلوزداد عضو مجموعة 22 التاريخية التي خططت لتفجير ثورة التحرر من الاحتلال الفرنسي، وبحث معه الأوضاع العامة في البلاد، بحسب بيان للرئاسة الجزائرية.
ويطلق لقب المجاهد في الجزائر على من شارك في الثورة التحريرية التي استمرت من 1954 وحتى الاستقلال عام 1962.
يذكر أن مجموعة الـ22 التاريخية عقدت أول اجتماع لها يوم 23 يونيو 1954 برئاسة الشهيد مصطفى بن بولعيد وانبثق عن الاجتماع قرار الانطلاق في الثورة التحريرية في نوفمبر 1954 التي انتهت بالاستقلال عام 1962.
ويعد بلوزداد (91 عاما) هو آخر أعضاء مجموعة الـ22 الباقين على قيد الحياة.
من جانبها، أدانت الأحزاب والقوى السياسية الجزائرية الفيلم الفرنسي واعتبروه إساءة واستفزاز فرنسي لبلادهم والحراك الشعبي .
وندد عز الدين ميهوبي المرشح الرئاسي السابق بمحاولة قنوات فرنسية تشويه الحراك ، قائلا “لا نستغرب بث الفيلم مع ذكرى وفاة الأمير عبد القادر”.مضيفا إن “الحراك يبقى لحظة فارقة ودرس للعالم في سلميته، ونحن ننتصر لأجندة المواطن”.
وأكد ميهوبي أن ما أنجز في سنة واحدة بدعم هادئ من المؤسسة العسكرية، يشكل طفرة تضاف لانجازات الشعب، معربا عن ايمانه الراسخ، بأن الحوار هو أساس العمل الديمقراطي، ويجب وضع مساحة مشتركة نقدم فيها تنازلات من الجميع.
كما ثمن حزب حركة البناء الوطني الموقف المسؤول للدولة الجزائرية في الرد الجاد على “استفزازات بعض الأطراف الفرنسية” عقب بث قنوات حكومية فرنسية لبرامج تتهجم من خلالها على الشعب الجزائري ومؤسساته.
وقال الحزب الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة إن الكل مطالب باليقظة ورفع منسوب الوعي، وإعادة رص صفوف الجبهة الداخلية لمواجهة مفاجآت الأيام القادمة”.
من جهته، قال الطيب زيتوني الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر الأحزاب تمثيلا في البرلمان، إن “حراك الشعب المليوني سيظل “حراكا مباركا لأنه صحح المسار، وأنقذ الجزائر من اخطبوط الفساد والعبث بالريع، وهو ما يزعج المقتاتين من الأزمات”.
وأضاف “قد نختلف كجزائريين فيما بيننا، ولكننا نرفض دائما من أي كان المساومة على السيادة الوطنية, أو المساس بمؤسسات دولتنا”، مؤكدا دعم السياسة الخارجية للدولة الجزائرية، مشيدا بموقفها تجاه ما سماه “تحامل الإعلام الفرنسي الرسمي ومحاولات التدخل السافر والمساس بمؤسسات الدولة وسيادة الشعب الجزائري”.
كما أعرب حزب الحرية والعدالة الجزائري عن تأييده ودعمه القوي لقرار وزارة الخارجية الجزائرية استدعاء سفيرها بباريس للتشاور حول خلفية بث برامج مسيئة للشعب ومؤسساته الرسمية في بعض القنوات العمومية التابعة للدولة الفرنسية وآخرها ما بثته قناة “فرانس 5”.
واعتبر الحزب في بيان أن الإساءات المتكررة للشعب الجزائري ولمؤسسة الجيش خاصة “تبرز الوجه الحقيقي القبيح لفرنسا الرسمية وحنينها الى الماضي الاستعماري وحلمها في عودة جنتها المفقودة في صورة السيطرة على مقدرات الشعب الجزائري عن طريق الضغوط السياسية والإعلامية المظللة”.
وامتدت ردود الفعل الغاضبة والرافضة للفيلم الوثائقي الفرنسي إلى الإعلام الرسمي والخاص في الجزائر، إذ حرصت كل الصحف والقنوات الحكومية والخاصة، لمناقشة القرار الجزائري باستدعاء السفير من باريس للتشاور، مؤكدة أن أي تدخل في الشؤون الجزائرية الداخلية من أي جهة مرفوض تماما.