البشمهندسين.. تعرف على عباقرة بناة الأهرام بعد مزاعم بناء العبيد للأهرامات
الحضارة المصرية القديمة التى تسحر العالم أجمع لما تحمله من تاريخ عظيم، ينجذب إليها العالم من مختلف الدول لزيارتها، وتأتى من ضمن الزيارات التى يحرص عليها السياح منطقة آثار الهرم، فمؤخرًا ظهر اسم الأهرامات بين أكثر الموضوعات تداولا فى بريطانيا فى الساعات الماضية وسط حالة من الجدل حول من قام ببنائها، وسط مزاعم عن أن العبيد هم البناة وليسوا مصريين أحرارا، وجاء هذا بعد اعتراض البعض على إطاحة متظاهرين بتمثال لتاجر رقيق فى مدينة بريستول البريطانية، الأحد الماضى، قبل أن يلقوا به فى نهر ايفون، وهذا ما رد عليه الأثريين لكشف تلك الأكاذيب وأن الأهرامات لم تبن بالسخرة، والدليل الكشف عن مقابر العمال بناه الأهرام، ولكن كان يقود تلك العمل مجموعة من المهندسين وهو ما نستعرضه فى السطور المقبلة.
حفلت مصر الفرعونية فى عصر الأهرامات بعدد كبير من المهندسين العباقرة الذين نفذوا تلك الأعمال المعمارية الخالدة التى أذهلت العالم منذ بنائها، ولا تزال تذهل العالم كله إلى الآن، وهذا يوضح حقيقة أن هذه هى مصر، أرض الحضارة والإبداع وفجر الضمير، وهذه هى مصر التى علمت العالم كله.
ويقول الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إن الفضل الأول فى بناء الأهرامات الساحرة المعجزة يرجع إلى عبقرية الهندسة المصرية الفريدة وعظمة المهندسين المصريين العظام، ولا يمكن لنا أن ننسى جهد وإبداع وعبقرية المهندسين المصريين القدماء العباقرة “إيمحتب وحم إيونو وعنخ حاف”.
إيمحتب
إيمحتب هو المهندس العبقرى، أول نسل تلك السلالة المباركة من المهندسين المصريين العباقرة، لقد عاش فى عهد الملك زوسر، من أوائل ملوك الأسرة الثالثة الفرعونية فى عصر الدولة القديمة، أو “العصر المنفى”؛ الذى أطلق عليه هذا الاسم بسبب اتخاذ ملوك هذا العصر من العاصمة “منف” لاحقًا (“إنب حدج” فى زمن الملك زوسر) مقرًا لحكمهم، أو ما يعرف بـ”عصر بناة الأهرام”، نظرًا لما بناه ملوك هذا العصر الذهبى العظام من أهرام ليس لها مثيل لا تشهد على التقدم الهندسى والفلكى والمعمارى فحسب، بل تشهد أيضا على عظمة وعبقرية المصرى القديم الذى عزف سيمفونية رائعة كى يدير منظومة العمل التى ساهمت فى بناء هذه العجائب المصرية الفريدة باقتدار ما بعده اقتدار.
أمر زوسر من إيمحتب بناء مقبرة له تكون معجزة ليس لها مثيل من العصور السابقة وكى يسر ويسعد بها فؤاد الملك، ويضرب بها المثل من قبل الأجيال التالية، وتكون مثار إعجاب اللاحقين من أبناء الأمة المصرية العريقة.
وأعطى الملك لمهندسه العبقرى فترة قصيرة حتى يفكر ويعرض على جلالته ما توصل إليه من أفكار معمارية مدهشة تليق بعظمة الملك زوسر وبعبقرية إيمحتب الفذة، وبعد فترة قصيرة، عاد إيمحتب بفكرة بناء هرم مدرج لمولاه الملك المعظم. وكانت تلك فكرة لم يسبقه أحد إليها، وبالفعل تم البناء.
حم أيونو
يعتبر المهندس العبقرى حم إيونو واحدًا من أشهر المعماريين فى مصر الفرعونية والعالم القديم والتاريخ، ويعنى اسمه “خادم إيونو” أى “خادم مدينة إيونو” أى مدينة هليوبوليس مدينة الشمس، وهى منطقة المطرية وعين شمس فى محافظة القاهرة، وذلك نظرًا لأهمية مدينة الشمس فى تلك الفترة من عصر الدولة القديمة وعصر بناة الأهرام.
وكانت مشاركة حم إيونو فى بناء المشروع المعمارى الجبار، هرم الجيزة الأكبر، من أهم إنجازاته المعمارية فى حياته العملية الطويلة التى ساهم فيها فى نهضة مصر الفرعونية من الناحية المعمارية.
وفقًا لبرديات وادى الجرف، الاكتشاف الأثرى الذى اعتبره أعظم اكتشاف أثرى فى القرن الحادى والعشرين، فإن حم إيونو، كمشرف على الأعمال الملكية فى عهد الملك خوفو العظيم، صاحب الهرم الأكبر، قد ساهم فى بدايات بناء الهرم الأكبر، غير أن بناء الهرم قد تم على أيدى المهندس المعمارى المعروف عنخ حاف الذى كان أيضًا المهندس المعمارى للهرم الثانى بالجيزة الخاص بالملك خفرع.
عنخ حاف
المهندس عنخ حاف هو المهندس الذى أكمل بناء هرم الجيزة الأكبر بعد المهندس حم إيونو وفقًا لبرديات وادى الجرف، ومن أبرز البرديات المكتشفة فى وادى الجرف مجموعة قطع يزيد بعضها فى عرضه على 50 سنتيمترًا، تكتسب نصوصها أهمية كبيرة حيث إنها عبارة عن تقرير يومى بأنشطة أحد كبار الموظفين المسئولين من العاصمة منف، وهو مسئول عن أحد فرق العمل الفنية فى الموقع، وهو المفتش “مرر”، والذى كان يقود فريق عمل مكونًا من عدد كبير من الرجال، وأمدت البرديات بمعلومات عن ثلاثة أشهر من حياة “مرر” الوظيفية، مما جعلنا نعرف الكثير من الأمور عن حياة الموظفين فى عصر الأسرة الرابعة، ومنها قيام فريق العمل بنقل كتل الحجر الجيرى من محاجر طرة على الضفة الشرقية للنيل إلى هرم خوفو عبر نهر النيل وقنواته.
لقد أكمل المهندس عنخ حاف بناء الهرم الأكبر ثم انتقل إلى بناء هرم الجيزة الثانى الخاص بابن أخيه الملك خفرع، فأبدع فى تصميمه وتنفيذه مثلما أبدع فى بناء الهرم الأكبر. ويحتفظ متحف الفنون الجميلة بتمثال نصفى للمهندس عنخ حاف يمثله فى هيئة طبيعية من أروع ما يكون ويكاد ينطق من روعة الإبداع الفني.