لبنان وانهيار الليرة.. كيف سيطر الفينيقيون على التجارة فى البحر المتوسط قديما
يبدو أن لبنان الجميلة لن يصل لها الهدوء بعد، وأصبحت رياح الغضب تسيطر على جميلة جميلات “الشام”، فبعد توقف المظاهرات اعتراضا على الأوضاع السياسية فى البلاد خلال الشهور الماضية، شهدت الجمهورية اللبنانية احتجاجات عارمة، حيث أغلق محتجون فى لبنان الطرق فى شتى أنحاء البلد باستخدام إطارات مشتعلة، وذلك للتعبير عن سخطهم إزاء التراجع غير المسبوق فى قيمة عملة بلدهم.
ويواجه الكثير من اللبنانيين، الذين يعتمدون على مدخراتهم من العملة الصعبة، الدخول فى حالة من الفقر، وقد فاقم وباء فيروس كورونا من الأزمة التى يواجهها اللبنانيون، وهوت العملة اللبنانية إلى 5000 ليرة مقابل الدولار الخميس.
ويبدو أن القائمين على السياسات النقدية والاقتصادية، عليهم النظر قليلا إلى تاريخ بلادهم المجيد اقتصاديا، وكيف استطاع التجار اللبنانيون (الفينيقيون) قديما السيطرة على البحر المتوسط كله بخبراتهم التجارية، فقد اشتهر البحارة الفينيقيون باستخدام خبراتهم فى التجارة فى جميع أنحاء البحر المتوسط، وأبرز دليل على نشاطهم التجارى هو تأسيس قرطاج عاصمة تونس اليوم، إضافة إلى هذا اشتهر الفينيقيون باختراعهم للأبجدية.
الشعب الاوغاريتى الفينيقى كان تاجر العهود القديمة بامتياز، وأن خرج بمراكبه شمالاً صوب المناطق الأوروبية المجاورة أو جنوباً على طول الساحل الأفريقى الشمالى المطل على البحر المتوسط، فلم يخرج فاتحاً أومحارباً أو مستعمراً بل متاجراً.
وبحسب عدد من التقارير اللبنانية، فإن الفينيقيين الذين عاشوا على السواحل اللبنانية وساحل شمال سوريا فى الألف الأول ق.م وتميزوا عن باقى شعوب المنطقة بشغفهم بالسفر والتجارة وقدرتهم على التأقلم، كانوا يشترون المواد الأولية من مدينة ويصنعونها فى ثانية ويبيعونها فى ثالثة، أبحروا وبنوا مستوطناتهم فى مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسط، شعب حمل ثقافته على متن سفنه وأبحر بها مخلفاً وراءه آثاراً تكفى للتعرف إليه، ولكن تبقى حضارته إلى حد كبير ما يعرف فى علم الآثار بـ”الحضارة الغامضة”.
ويشير كتاب “سنن قيام الحضارات وسقوطها: قديمًا وحديثًا بآراء ابن خلدون” تأليف عبداللطيف بن محمد بن عبدالعزيز الحميدان، أن الحضارة الفينيقية بدأت ضعيفة وبدأت تزدهر وتصبح واحدة من أقوى الحضارات بفضل التجارة، حيث اعتمد الفينيقيون بصفة عامة فى تطورهم على التجارة والتبادل التجارى مع الأمم المجاورة من خلال أساطيلهم التى تميزوا بها، وامتد نفوذهم حتى الساحل المغربى، وتم إنشاء عدد كبير من المراكز التجارية على سواحل ليبيا والمغرب وتونس، وكذلك كان الفينيقيون أول من داروا حول إفريقية لإنشاء مراكز تجارية للتبادل التجارى مع الشعوب الأفريقية، وأكد الكتاب على أن الفينيقيون يعدوا أول أمة تاجرت فى البر والبحر.
ويوضح المؤلف أن قدرة قدرة الفينيقيين على التجارى والمشاركة مع الآخرين، يستنتج أنهم كانوا السباقين إلى الترويج لما يسمى اليوم “حوار الحضارات” وهذا ما يبينه تماما التفاعل الحضارى بين الفينيقيين والآراميين والأمونيين والمؤابيين واليهود.