تعيش الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام حالة من التظاهرات التى وقعت بعد مقتل جورج فلويد، الأمريكى من أصل أفريقى على يد ضابط شرطة فى مدينة مينيابولس بسبب العنصرية، واتخذت المظاهرات نوعا من المحاسبة فراحت تهاجم ما يعرف فى السياسة الأمريكية باسم الكونفدرالية، وترى أنها المسئولة عن العنصرية التى تشهدها البلاد الآن، حيث تمت إزالة عدد من التماثيل التى تمثل هذه الفترة من تاريخ البلاد فما المقصود بالكونفدرالية؟
ما صفات التجربة الكونفدرالية
تتميز الكونفدرالية بالعديد من الصفات، منها: للولايات المترابطة الحق القانونى فى الانفصال، ولممثلى الولايات الحق القانونى باختيار السلطات التى يُسمح للحكومة المركزية بممارستها، والحكومة المركزية تكون معرضة للاعتراض، والذى قد يجمد أعمالها من قبل الأعضاء، والقرارات الحكومية ملزمة للولايات وبشكل عام، وغير ملزمة لموطنيها مباشرة، والحكومة المركزية غير مستقلة مالياً، وكذلك ليس لها قاعدة انتخابية، والولايات التى تشكل النظام الكونفدرالية لا تتخلى عن سلطتها المحلية للحكومة المركزية.
ومن الأمثلة على النظام الكونفدرالى الولايات المتحدة الأمريكية فيما بين 1776-1787م، وكذلك سويسرا فيما بين 1291-1847م، والاتحاد الأوروبى حالياً، وتُطلق الصفة غير المتناسقة على أى نوع من أنواع الفيدرالية والتى تتفاوت فيها السلطات المعطاة لبعض الولايات، ويبرر البعض ذلك بأن بعض الولايات هى بحاجة إلى هذه الصلاحيات بسبب خصوصيتها اللغوية أو الثقافية.
متى ظهرت الكونفدرالية؟
ظهرت الكونفدرالية كصيغة للنظام السياسى أول مرة سنة 1228 ميلادية مع قيام كونفدرالية ليفونيا التى جمعت خمس وحدات سياسية صغيرة فى منطقة البلطيقْ، وقامت على أراض واسعة منها ليتوانيا وإستونيا.
وقامت تلك الكونفدرالية بموجب اتفاق بين البابا غيوم دى مودن ومجموعة دينية نافذة حينها تُدعى “الفرسان حمَلة الحسام” مؤلفة فى أغلبها من الألمان.
وكان الدافع الرئيسى لإقامة الكونفدرالية حشد قوةٍ اقتصادية وعسكرية تُمكن هؤلاء الفرسان من مواجهة الكيانات السياسية المجاورة المنتمية فى أغلبها إلى شعوب البلطيق، والتى كانت ترى فى حملة الحسام قوة غازية أجنبية تجب محاربتها بكل الوسائل.
وبعد ذلك استطاعت دويلات البلطيق فى القضاء على كونفدرالية ليفونيا خلال حرب البلطيق الكبرى (1558-1582).
فى سويسرا
تعود التجربة السويسرية إلى عام 1291، حين اتحدت ثلاثة كانتونات ضمن نظام كونفدرالى كان حافزه الأهم اقتصاديا. ومع نجاح التجربة وتحقيقها قدرا من الرفاهية الاقتصادية والازدهار المالى والاستقرار السياسى لأعضائها، أغرى ذاك كانتونات أخرى بالانضمام. ومع نهاية القرن 18 بلغ عدد كانتونات الاتحاد 13 ثم قفز إلى 22 خلال 1813-1848.
عرف الاتحاد السويسرى تحولا تاريخيا فى مساره السياسى والمؤسسى عام 1848 حين تحول من اتحاد كونفدرالى إلى فيدرالي، وهى خطوة ستُعجل بمسار الاندماج بين الكانتونات وبالتالى تبلور الهوية السويسرية كما هى معروفة اليوم باستقلاليتها وتميزها، رغمَ التأثير الاجتماعى واللغوى والعرقى والثقافى الذى تخضع له سويسرا من الفضاءات اللغوية الثلاثة المحيطة وهى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
مهّد قرار التحول إلى النظام الفيدرالى لقيام سلطة مركزية منبثقة عن التنظيم المؤسسى الجديد عملت فى العقود اللاحقة على تحقيق قدرٍ أكبر من الوحدة والتنمية والاستقرار مع الحفاظ على الخصوصيات المحلية لأقاليم البلاد المختلفة.
عرفت أوروبا نماذج أخرى للنظام الكونفدرالى لم تصمد كثيرا منها الكونفدرالية الجرمانية (1815-1866) التى قامت بديلا عن كونفدرالية الراين التى أخضعها نابليون. وضمت الكونفدرالية الجرمانية أراضى واسعة من ألمانيا والنمسا باستثناء الأقاليم الخاضعة للإمبراطورية الهنغارية.
فى أمريكا
أخذت الولايات المتحدة عند استقلالها بالنظام الكونفدرالى واستمرت على ذلك ثمانى سنوات فقط، لتتحول إلى النظام الفيدرالى مع كتابة الدستور فى 1789.