الأدب
اقرأ مع محمد حسين هيكل.. “الصديق أبو بكر” أين تكمن قوة الصحابى الأول؟
بعدما انتهى الكاتب محمد حسين هيكل (1888 – 1956) من كتابه “حياة محمد” راح يفكر فى الصحابة وفى حياتهم، لذا كانت له عدة كتب فى هذا الشأن، منها ما نتوقف معه اليوم “الصديق أبو بكر” الذى صدر فى عام 1942.
يقول محمد حسين هيكل فى مقدمة الكتاب:
يؤرخ العالم الإسلامى كله بهجرة النبى العربى ﷺ من مكة إلى المدينة، والسر فى اختيار هذا الحادث العظيم مبدأ للتاريخ الإسلامى أنه مبدأ نصر الله رسوله على الذين حاربوا دعوته فى البلد الحرام ثم مكروا به ليقتلوه، وكان الصديق أبو بكر هو وحده صاحب رسول الله ﷺ فى هذه الهجرة، ولما مرض رسول الله ﷺ مرضه الأخير، فلم يَقْوَ على الصلاة بالمسلمين، أمر أبا بكر أن يقوم فى الصلاة بهم مقامه، ولم يرضَ أن يقوم عمر بن الخطاب هذا المقام.
وإنما اختار النبى أبا بكر ليصحبه فى الهجرة، وليصلى بالمسلمين مكانه؛ لأن أبا بكر كان أول المسلمين إيمانًا بالله ورسوله، وأكثرهم فى سبيل إيمانه تضحيةً، ولأنه حرص منذ أسلم على معاونة النبى ﷺ فى الدعوة لدين الله وفى الدفاع عن المسلمين، ولأنه كان يؤثر النبى على نفسه، ويقف إلى جانبه فى كل موقف؛ ثم إنه كان، إلى قوة إيمانه، من أدنى الناس إلى كمال الخلق، ومن أحب الناس إلى الناس وأكثرهم إلفًا لهم ومودة.
لا عجب، وذلك بعض شأنه، أن يبايعه المسلمون خليفة لرسول الله، ولا عجب، وتلك مواقفه، أن ينصر الإسلام وينشر ظل الله فى الأرض، فيكون التأريخ له مبدأ التأريخ للإمبراطورية الإسلامية التى امتدت من بعدُ فى الشرق وفى الغرب، إلى الهند والصين فى آسيا، وإلى مراكش والأندلس فى إفريقية وأوربا، والتى وجهت الحضارة الإنسانية وجهة لا يزال العالم متأثرًا بها إلى اليوم.
ولو أنى قر بى الجهد عند سيرة أبى بكر لكفانى ذلك ولاغتبطت به، وحسبك أن تتلو ما حدث فى عهد الخليفة الأول لتسكن إليه وتستقر عنده، إن فيما رواه المؤرخون من وقائع هذا العهد لما ينطوى على عظمة نفسية تثير الدهشة، بل الإعجاب، بل الإكبار والإجلال، وأخشى أن أقول إنها تدعو إلى التقديس، أنت لا ترى هذه المعانى مصورة فى أى من الكتب الأولى، لكن روايتها للحوادث تبرزها وإن لم تنطق بها، وتجلوها بينة واضحة وإن لم تذكرها ولم تحدِّث عنها.
فهذا الرجل الوديع السمح الأسيف، السريع إلى التأثر وإلى المشاركة، البائس فى بؤسه، والضعيف فى ضعفه، تنطوى نفسه على قوة هائلة لا تعرف التردد ولا الإحجام، وعلى قدرة ممتازة فى بناء الرجال، وفى إبراز ملكاتهم ومواهبهم، وفى دفعهم إلى ميادين الخير العام ينفقون فيها كل ما آتاهم الله من قوة ومقدرة.