الأدب
اقرأ مع محمد حسين هيكل.. “عثمان بن عفان” ماذا حدث بعد عمر بن الخطاب؟
نتابع مع الكاتب المصرى محمد حسين هيكل مشروعه الفكرى ونتوقف اليوم عند كتابه “عثمان بن عفان” خاصة بعدما تعرض لعدد من الشخصيات الإسلامية كان أولها “حياة محمد”.يؤرخ هذا الكتاب لشخصية عثمان بن عفان وهو من أكثر الشخصيات التى أثارت جدلًا فى التاريخ الإسلامى، فقد احتدم النزاع بشأن أحقية عثمان فى الخلافة، ويسير الكاتب فى هذا الكتاب على درب المنهج التحليلى، ولعلَّ هذا الكتاب أحد الأدلة الدامغة على احتذائه لهذا المنهج، فهو يستقصى فيه كل ما يتعلق بشخصية عثمان، فيروى لنا ما أُثِرَ عن أخلاقه، وزوجاته، وغزواته، كما يصور لنا سياسته التى انتهجها إبان حكمه للدولة الإسلامية فى هذه الفترة، والفتوحات التى قادها — آنذاك — ويُنْهى مؤلَفه بالحديث عن الحيثيات التى أفضَت إلى مقتله.
كشف مقتل عمر بن الخطاب فى بلاد العرب نفسها عن ظاهرة لم تكن لتوجد، لولا قيام الدولة العربية الإسلامية، فمنذ طعن أبو لؤلؤة عمر تولى المسلمين الفزع إشفاقًا على مصيرهم، وجعلوا يفكرون فيمن يخلفه إذا قضى الله فيه بقضائه، وتحدث قوم إلى عمر فى هذا الأمر وطلبوا منه أن يستخلف، وتردد عمر بادئ الأمر وقال: “إن استخلف فقد استخلف من هو خير منى، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني” لكنه خشى بعد إعمال الفكر أن يضطرب الأمر إذا تركه رسلًا، فقد اشترك العرب جميعًا فى محاربة الفرس والروم وأصبح لكل قبيلة أن تزعم لنفسها ما للمهاجرين والأنصار من حق الاشتراك فى اختيار الخليفة، وقد يذهب بعضها إلى ادعاء الحق فى ترشيح زعيمها لمقام الخلافة، وفى هذا الادعاء من الخطر على الإمبراطورية الناشئة ما لم يفت عمر، لذلك لم يلبث أن جعل الخلافة من بعده شورى فى ستة يختارون أحدهم لها، وهؤلاء الستة هم: “عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص”.
فلما عيَّنهم بأسمائهم قال: “لا أجد أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفى رسول الله ﷺ وهو عنهم راض، فأيهم استخلف فهو الخليفة من بعدى”.
واختيار عمر هؤلاء الستة يقف النظر، فليس بينهم واحد من أنصار المدينة ولا من غيرهم من قبائل العرب، بل هم جميعًا من المهاجرين ومن قريش، مع ذلك لم يثر اختيار عمر إياهم ثائرة الأنصار ولا ثائرة غيرهم من العرب الذين أقبلوا أفواجًا إلى المدينة بعد فريضة الحج، وظلوا بها بعد مقتل عمر حتى بايعوا خليفته، واطمئنان الأنصار وغيرهم من العرب إلى اختيار عمر هؤلاء الستة يعيد إلى الذاكرة ما حدث فى سقيفة بنى ساعدة إثر وفاة النبى، وحين كان جثمانه لا يزال فى بيته لمَّا يثو فى قبره، فقد أراد الأنصار أن يكون الأمر لهم بعد رسول الله، وكان أكثرهم اعتدالًا من يقول: “منا أمير ومن قريش أمير” فلما قدم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلى السقيفة يجادلون الأنصار فيما يطلبونه لأنفسهم كان مما قاله أبو بكر: “نحن المهاجرون، وأنتم الأنصار، إخواننا فى الدين، وشركاؤنا فى الفىء وأنصارنا على العدو. أمَّا ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، وأنتم أجدر بالثناء من أهل الأرض جميعًا. فأما العرب فلن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحى من قريش، فمنا الأمراء ومنكم الوزراء”.
أصبحت هذه الكلمة دستور الخلافة والحكم بين المسلمين قرونًا حسومًا منذ قالها أبو بكر، لذلك لم يعترض أحد استخلاف أبى بكر عمر، ولم يعترض أحد اختيار عمر الشورى بين هذا الحى من قريش، بل اطمأن له الأنصار واطمأن له العرب جميعًا، وتركوا للستة أن يختاروا من بينهم من يرضونه خليفة لجماعة المسلمين.