الأدب
ما قاله العصفور لـ العصفورة وسمعه سيدنا سليمان.. ماذا يقوله التراث الإسلامى؟
كانت قصص سيدنا سليمان، ولا تزال تشغل الجميع، النعم التى أنعم الله به سبحانه وتعالى عليه كانت عظيمة، لكن هل سمعت عن قصة العصفور والعصفورة؟ .. ماذا يقول التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان “قصة سليمان بن داود عليهما السلام”:
قال الحافظ ابن عساكر: هو سليمان بن داود بن إيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عمينا داب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبى الربيع نبى الله بن نبى الله. جاء فى بعض الآثار أنه دخل دمشق، قال ابن ماكولا: فارص بالصاد المهملة، وذكر نسبه قريبا مما ذكره ابن عساكر.
قال الله تعالى: “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” [النمل: 16] أى: ورثه فى النبوة والملك، وليس المراد ورثه فى المال، لأنه قد كان له بنون غيره، فما كان ليخص بالمال دونهم.
ولأنه قد ثبت فى الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ﷺ قال:
” لا نورث ما تركنا فهو صدقة “.
وفى لفظ: “نحن معاشر الأنبياء لا نورث”، فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تورث أموالهم عنهم كما يورث غيرهم، بل يكون أموالهم صدقة من بعدهم على الفقراء والمحاويج، لا يخصون بها أقرباؤهم لأن الدنيا كانت أهون عليهم، وأحقر عندهم من ذلك، كما هى عند الذى أرسلهم واصطفاهم وفضلهم.
وقال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ” الآية يعنى أنه عليه السلام كان يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها، ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ: أنبأنا على بن حمشاد، حدثنا إسماعيل بن قتيبة، حدثنا على بن قدامة، حدثنا أبو جعفر الاستوائى، يعنى محمد بن عبد الرحمن، عن أبى يعقوب العمي، حدثنى أبو مالك قال:
مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟
قالوا: وما يقول يا نبى الله؟
قال: يخطبها إلى نفسه ويقول: زوجيني، أسكنك أى غرف دمشق شئت.
قال سليمان عليه السلام: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب.
رواه ابن عساكر، عن أبى القاسم زاهر بن طاهر، عن البيهقى به.
وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات “وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ” أي: من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات، والجنود، والجيوش، والجماعات من الجن، والإنس، والطيور والوحوش، والشياطين السارحات، والعلوم والفهوم، والتعبير عن ضمائر المخلوقات، من الناطقات والصامتات.
ثم قال: “إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” أي: من بارئ البريات، وخالق الأرض والسموات.
كما قال تعالى: “وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَى وَعَلَى وَالِدَى وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ” [النمل: 17-19] .
يخبر تعالى عن عبده، ونبيه، وابن نبيه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، أنه ركب يوما فى جيشه جميعه من الجن والإنس والطير، فالجن والإنس يسيرون معه، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة، أي: نقباء يردون أوله على آخره، فلا يتقدم أحد عن موضعه الذى يسير فيه، ولا يتأخر عنه.
قال الله تعالى: “حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ” فأمرت، وحذرت، وأعذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور.
وقد ذكر وهب أنه مر وهو على البساط بواد بالطائف، وأن هذه النملة كان اسمها جرسا، وكانت من قبيلة يقال لهم بنو الشيصبيان، وكانت عرجاء، وكانت بقدر الذئب.
وفى هذا كله نظر، بل فى هذا السياق دليل على أنه كان فى موكبه راكبا فى خيوله وفرسانه، لا كما زعم بعضهم من أنه كان إذ ذاك على البساط، لأنه لو كان كذلك لم ينل النمل منه شيء، ولا وطء، لأن البساط كان عليه جميع ما يحتاجون إليه من الجيوش، والخيول، والجمال، والأثقال، والخيام، والأنعام، والطير من فوق ذلك كله، كما سنبينه بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
والمقصود أن سليمان عليه السلام فهم ما خاطبت به تلك النملة لامتها من الرأى السديد، والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار، والفرح والسرور، بما أطلعه الله عليه دون غيره، وليس كما يقوله بعض الجهلة من أن الدواب كانت تنطق قبل سليمان وتخاطب الناس، حتى أخذ عليهم سليمان بن داود العهد، وألجمها فلم تتكلم مع الناس بعد ذلك.