الأدب
المصريون واليونانيون رفضوه والآشوريون برروه.. كيف نظرت الحضارات للتحرش الجنسى؟
ربما يكون مصطلح التحرش مصطلحا حديثا نسبيا، أما فعل التحرش نفسه فهو قديم قدم التجمعات البشرية، عرفته الحضارات والأديان، وكان للجميع موقف منه، وعلى الرغم من قدم القوانين الصارمة للحد من الظاهرة، إلا أن التحرش مع الزمن كان عادة أخلاقية سيئة، استمرت مع المجتمعات الحديثة إلى الآن.
وتصدرت واقعة تحرش أحدهم بفتاة بالجامعة الأمريكية، ترند مواقع التواصل الاجتماعى، حيث كانت أغلب الآراء رافضة للواقعة، مطالبين بعقوبة صاحب الفعل، وتشديد العقوبات على ما يرتكب فعل التحرش بالفتيات والنساء، سواء فى الشارع، أو عبر شبكات التواصل الاجتماعى، وغيرهما.
ويبدو أن رفض “التحرش” وأن اختلف اسمه، منذ القدم، والحضارات القديمة كلها رفضته، ومن هذه الحضارات:
الفراعنة
كانت عقوبة الزنا عند الفراعنة تصل إلى الإعدام حرقًا، وقطع “العضو التناسلى”، وذلك استنادا إلى نقوش آنى، وبردية بولاق، وبردية لييد، كما كان الشروع فى الزنا “المراودة” أو “التحرش” يواجه أحيانًا بنفس العقوبة أو أقل أحيانًا، حسب الضرر الواقع على الأنثى، كما ذكر العالم الفرنسي “كابار”، وهو أحد المتخصصين البارزين في دراسة القانون الجنائي المصري القديم.
ووفقا للباحث الأثري مجدي شاكر، فإن بردية مصرية تعود لسنة 1200 قبل الميلاد كشفت عن واقعة تحرش في مدينة طيبة عاصمة مصر القديمة، التي تقع حاليًا في مدينة الأقصر بصعيد مصر، ويسرد جريمة “بانيب” الأكبر، وهي كانت التحرش بامرأة تدعى “يمينواو” لدرجة نزع ملابسها وانتهاكها عند أحد الجدران، وقد شهد ابن “بانيب” بفسق والده ضد النساء، بل اعترف الابن بمشاركة أباه في إحدى المرات.
الإغريق
الحضارة اليونانية اعتبرت الاغتصاب جريمة فى أساطيرهم، وفرض القانون اليونانى القديم على المغتصب غرامة مالية، واعتبر اليونانى القديم الإغواء جريمة أكبر من الاغتصاب لأنها مقدمة للتحرش والاغتصاب، حيث ضاعف العقاب فى الإغواء ليصل لحد تحويل فاعل هذه الجريمة إلى مرتبة العبودية.
وبحسب الأثرى الدكتور عبد الرحيم ريحان، فإن الأسطورة الإغريقية تزخر بالعديد من القصص التى تروى عملية الاغتصاب الجسدى سواء بين الأرباب أو بين الأرباب والبشر، ويتبين من خلال تلك القصص أن من يحاول ارتكاب تلك الفعلة ينتهى أمره بالعقاب الرادع الذى يصل إلى حد الموت، وأن المغتصب تعتريه شهوة وقتية بصرف النظر عن نتائجها يصبح فى حالة نفسية وعقلية مغيبة تماما عن الوعى تدفعه لاختلاق أفعال شيطانية للحصول على غرضه ومنها التخطيط للخطف أو التحايل والإغواء.
الحضارة الأشورية
على الرغم من أن الحضارة العراقية واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية، وكانت من أولى الحضارات التى سنت القوانين، لكن يبدو أن تلك القوانين لم تعطى للمرأة حقها، فكانت الأحكام الخاصة على المرأة أقسى بكثير مما كانت على الرجل.
فالرجل الزاني يصفح عنه لأن ما فعله نزوة أما المرأة الزانية فكان عقابها الإعدام، وصراحة لم تذكر المراجع التاريخية العديد عن فعل التحرش فى العراق القديم، إلا أن الحضارة الأشورية قد فرضت أزياء معينة على المرأة، وكانت إذن دلالة تبعية بالنسبة للمرأة وكانت أيضا ضمانة لها لأنه كان يجنبها التعرض للتحرش الذي كانت تتعرض له العاهرات أو الجواري اللواتي كن غير محجبات، والتى لم يكن القانون يحاسب الراجل عليها، أما المرأة التى تتعرض للتحرش لأنها لم ترتدى الملابس المفروضة فكانت تعاقب لأنها هى من جعلت الرجل يتحرش بها.
الحضارة الرومانية
في روما القديمة، طبقا لبروس دابل يو فرير، و توماس إيه جيه ماكجين، فما يُطلق عليه الآن تحرش جنسي كان وقتها هو أي نوع من المبادرة بالكلام أو المطاردة أو الخطف، المبادرة بالكلام كانت المضايقة بمحاولة الإغراء أو الاعتداء على عفة أحدهم بالحديث الجذاب خلافًا للأخلاق الحميدة، وكان ذلك يعتبر جريمة أكثر من الكلام الفاحش والنكات القذرة وأمثالهما، أما الكلام الكريه والصخب مصاحبًا للمبادرة بالكلام مع الفتيات الصغيرًات المحترمات، وإن كانوا يرتدون أزياء العبيد- فكان جريمة أقل، والمبادرة بالكلام مع نساء يرتدون ملابس كالعاهرات كان يعتبر جريمة أقل و أقل.
العرب قبل الإسلام
رفض العرب قبل الإسلام التحرش الجنسى بالنساء، وكانت عقوبة المتحرش الطرد أو النفى، فبحسب ما جاء في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، نقل واقعة للشاعر عُمر بن أبي ربيعة، عن ابن قتيبة حيث قال: “عُمر فاسقاً، يتعرّض للنساء في الطواف وغيره من مشاعر الحج، فكانت له مشاكل كثيرة مع النساء وأسَرهن والولاة، وقد أُهدر دمه وتعرض للنفي في بعض الحالات”.