الأدب
عيسى بن مريم يمشى على الماء.. ما يقوله التراث الإسلامى
نواصل قراءة قصة سيدنا عيسى بن مريم، عليه السلام، حسبما وردت فى كتب التراث الإسلامى، والتى أفاضت فى ذكر فضائل سيدنا عيسى ومعجزاته النابعة من إيمانه بالله، ومن ذلك أنه كان يمشى على الماء، فما الذى قاله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان “فصل توجه عيسى عليه السلام نحو البحر”:
قال أبو بكر بن أبى الدنيا: حدثنا رجل سقط اسمه، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو هلال محمد بن سليمان، عن بكر بن عبد الله المزنى قال: فقد الحواريون نبيهم عيسى، فقيل لهم توجه نحو البحر، فانطلقوا يطلبونه، فلما انتهوا إلى البحر، إذا هو يمشى على الماء، يرفعه الموج مرة ويضعه أخرى، وعليه كساء مرتد بنصفه، ومؤتزر بنصفه، حتى انتهى إليهم.
فقال له بعضهم، قال أبو هلال ظنت أنه من أفاضلهم، ألا أجىء إليك يا نبى الله؟ قال: بلى، قال: فوضع إحدى رجليه على الماء، ثم ذهب ليضع الأخرى، فقال: أوه غرقت يا نبى الله، فقال: أرنى يدك يا قصير الإيمان، لو أن لابن آدم من اليقين قدر شعيرة، مشى على الماء.
ورواه أبو سعيد ابن الأعرابي، عن إبراهيم بن أبى الجحيم، عن سليمان بن حرب، عن أبى هلال، عن بكر بنحوه.
ثم قال ابن أبى الدنيا: حدثنا محمد بن على بن الحسن بن سفيان، حدثنا إبراهيم بن الأشعث، عن الفضيل بن عياض قال: قيل لعيسى بن مريم يا عيسى بأى شيء تمشى على الماء؟ قال: بالإيمان واليقين.
قالوا: فإنا آمنا كما آمنت، وأيقنا كما أيقنت.
قال: فامشوا إذا.
قال فمشوا معه فى الموج فغرقوا.
فقال لهم عيسى: ما لكم؟
فقالوا: خفنا الموج.
قال: ألا خفتم رب الموج؟
قال: فأخرجهم، ثم ضرب بيده إلى الأرض، فقبض بها ثم بسطها، فإذا فى إحدى يديه ذهب، وفى الأخرى مدر أو حصى.
فقال: أيهما أحلى فى قلوبكم؟
قالوا: هذا الذهب.
قال: فإنهما عندى سواء.
وقدمنا فى قصة يحيى بن زكريا عن بعض السلف أن عيسى عليه السلام كان يلبس الشعر، ويأكل من ورق الشجر، ولا يأوى إلى منزل ولا أهل ولا مال، ولا يدخر شيئا لغد، قال بعضهم كان يأكل من غزل أمه، صلوات الله وسلامه عليه.
وروى ابن عساكر عن الشعبى أنه قال: كان عيسى عليه السلام إذا ذكر عنده الساعة صاح، ويقول لا ينبغى لابن مريم أن تذكر عنده الساعة ويسكت. وعن عبد الملك بن سعيد بن بحر أن عيسى كان إذا سمع الموعظة صرخ صراخ الثكلى.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، حدثنا جعفر بن بلقان أن عيسى كان يقول: اللهم إنى أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبح الأمر بيد غيري، وأصبحت مرتهنا بعملي، فلا فقير أفقر مني، اللهم لا تشمت بى عدوي، ولا تسؤ بى صديقي، ولا تجعل مصيبتى فى ديني، ولا تسلط على من لا يرحمني.
وقال الفضيل بن عياض عن يونس بن عبيد كان عيسى يقول: لا نصيب حقيقة الإيمان، حتى لا يبالى من أكل الدنيا. قال الفضيل: وكان عيسى يقول: فكرت فى الخلق، فوجدت من لم يخلق أغبط عندى ممن خلق.
وقال إسحاق بن بشر عن هشام بن حسان، عن الحسن قال: إن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة، قال: وإن الفرارين بذنوبهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى، قال: وبينما عيسى يوما نائم على حجر قد توسده وقد وجد لذة النوم، إذ مر به إبليس فقال يا عيسى: ألست تزعم أنك لا تريد شيئا من عرض الدنيا، فهذا الحجر من عرض الدنيا، فقال فقام عيسى فأخذ الحجر ورمى به إليه وقال: هذا لك مع الدنيا.
وقال معتمر بن سليمان: خرج عيسى على أصحابه، وعليه جبة صوف، وكساء، وتبان، حافيا باكيا شعثا، مصفر اللون من الجوع، يابس الشفتين من العطش، فقال السلام عليكم يا بنى إسرائيل، أنا الذى أنزلت الدنيا منزلتها بإذن الله، ولا عجب ولا فخر، أتدرون أين بيتي؟
قالوا: أين بيتك يا روح الله؟
قال: بيتى المساجد، وطبى الماء، وإدامى الجوع، وسراجى القمر بالليل، وصلاتى فى الشتاء مشارق الشمس، وريحانى بقول الأرض، ولباسى الصون، وشعارى خوف رب العزة، وجلسائى الزمنى والمساكين، أصبح وليس لى شيء، وأمسى وليس لى شيء، وأنا طيب النفس غير مكترث، فمن أغنى منى وأربح. رواه ابن عساكر.