الأدب
قبل كورونا.. 5 عوامل ساعدت على الحد من انتشار الأوبئة قديما
تعمل الحكومات المختلفة حول العالم، على تطبيق عدد من السياسات الإجرائية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، مثل تطبيق إلزام ارتداء الكمامة فى الأماكن العامة والمواصلات، وتنفيذ سياسة التباعد الاجتماعى داخل أماكن العمل، وإلغاء مظاهر التجمع التى قد تساعد على نقل عدوى المرض.
ومنذ ذروة الأزمة فى مارس الماضى، تتسارع المنظمات الطبية حول العالم، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، للتوصل لعلاج للمرض، أو مصل للوقاية منه، مع وضع عدة عوامل طلبت تلك المنظمات بضرورة الاهتمام بها، مثل زيادة اهتمام الدول بالمنظومات الصحية وتطويرها، والنداء بضرورة التغذية الصحية، وتناول الأطعمة التى تساعد على تقوية جهاز المناعة.
لكن قبل أزمة تفشى كورونا، وخلال حقب تفشى الأوبئة المختلفة، وعلى رأسها الطواعين، التى حصدت أرواح الملايين من البشر على مر التاريخ الإنسانى، كيف كانت العوامل التى اتخذتها السلطات قديما للحد من انتشار الأوبئة؟
وبحسب كتاب “عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور” لسوزان سكوت وكريستوفر دنكان، فإن هناك مجموعة من العوامل – بعضها أهم من بعض – اتّحدت معًا للقضاء على المرض من مستودعه، من بعدها لم يكن هناك أمل للطواعين أن تعيش طويلًا، وكانت المسألة مسألة وقت ليس أكثر، ومنها:
تدابير الصحة العامة
صارت السلطات الصحية فى أنحاء أوروبا أكثر كفاءة بالتدريج فى رصد المرض ومنع الأوبئة من الظهور والانتشار، وبحلول القرن السابع عشر، سرعان ما كان يجرى التعرف على حالات الطاعون، حتى فى الأقاليم، وتقديم التدابير المناسبة لها، التى شملت العزل فى مستشفى مخصص لمرضى الوباء، والتطويق، والحجر الصحى.
كذلك أنشئت خدمة استعلامات منتظمة غير رسمية بين البلدات، وكانت المراكب الداخلة إلى الموانئ، وكذلك الغرباء الذين يصلون يشكلون مثارا لشك عارم إذا كانوا وافدين من مكان كان معروفا بانتشار العدوى فيه، وفى فرنسا كان يشترط أن يقدم المسافرون شهادات صحية تثبت خلوهم من الأمراض قبل دخولهم المدن.
تحسن التغذية
ربما أدى التحسن العمومى فى التغذية، بالأخص فى جنوب فرنسا، إلى زيادة قوة الجماعات السكانية وتحسين صحتهم وتعزيز أجهزتهم المناعية لتصبح قادرةً على مقاومة المرض، يضاهى هذا تقليل خطورة السعال الديكى فى إنجلترا فى القرن التاسع عشر، الذى ارتبط بوضوح بتحسن النظام الغذائي.
فى فترة عامى ١٦٢٨-١٦٢٩، عمت مجاعة شمال إيطاليا؛ إذ ارتفعت أسعار الحبوب بشدة، وأعقب ذلك أكبر موجة تفش للطاعون على الإطلاق فى أوروبا القارية، بعد عام ١٦٦٢، انخفضت أسعار الحبوب فى فرنسا؛ مما أدى إلى تحسن تغذية الغالبية العظمى من السكان.
تطور مقاومة المرض
كان هذا أهم عامل أدى إلى اختفاء الطاعون، فبحلول القرن السابع عشر، صار بعض سكان أوروبا المحظوظين إما مقاومين تماما وإما جزئيا للفيروس لأنه كان لديهم، طفرة سى سى آر٥-دلتا ٣٢، كانت هذه النسبة من الأشخاص المحميين تزيد بمعدل ثابت على مر السنين، وبالأخص فى البلدات المهمة التى تقع على الطرق التجارية فى فرنسا؛ فترتب على ذلك انخفاض عدد وكثافة الأشخاص الذين كان لديهم قابلية للإصابة بالمرض فى هذه الأماكن الحيوية.
كى يتمكن وباء كبير من البقاء، فلا بد من توافر كثافة سكانية كافية من الأشخاص الذين لديهم قابلية للإصابة بالمرض. ومع ارتفاع أعداد الأفراد المقاوِمين، راحت الأوبئة فى البلدات الكبرى فى فرنسا تواجه صُعوبة متزايدة فى الانطلاق وإنتاج موارد من المسافرين لنقل العدوى إلى أماكن أخرى، وهكذا فقد الطاعون نقطة انطلاقه فى فرنسا. كانت هذه بداية النهاية المُفاجِئَة للطاعون النزفي.
اختفاء الطاعون من بلاد الشام
إذا كانت هناك نقطة تمركز للطاعون فى منطقة شرق المتوسط، فلعلها اندثرت بسبب انعدام وُفود المسافرين المصابين عبر وادى النيل الذين كانوا يجددون الطاعون ويعززونه. فى ذلك الوقت، انعدمت الفرص لاستحضار المرض من جديد إلى جنوب فرنسا لتعزيز الأوبئة هناك.
العصر الجليدى الصغير
صار المُناخ العالمى باردًا بدرجة كبيرة فى القرنين السادس عشر والسابع عشر، واتسمت بداية العصر الجليدى الصغير بانخفاض نشاط البقع الشمسية، وزحف الكتل الجليدية، وانخفاض درجات الحرارة. ولم تبدأ فترة البُرودة الأساسية حتى عام ١٥٦٠، إلا أنه حتى فى وقت سابق نحو عام ١٥٠٦، قاسى جنوب فرنسا من شتاء قارس وتجمد البحر المتوسط عند مارسيليا.
فى أوروبا، كان شهر مارس هو الذى يعكس التغير المناخى دائمًا تقريبًا. صار هذا الشهر باردا شتويا مع سقوط الأمطار الخفيفة، وغالبا كان يسود الطقس فى هذا الوقت من السنة مرتفعات جوية حاجزة ورياح شمالية. علاوة على أنه كانت تعقبه أشهر ربيع باردة وجافة، وكان شهر يونيو باردا ورطبا.
من ثم ربما كان استمرار المناخ البارد خلال الربيع وأوائل الصيف هو العامل المهم الذى كبح قدرة الطاعون على إعادة توطين نفسه بعد الشتاء؛ ومن ثم إخماد كثيرٍ من الأوبئة الوشيكة.