الأدب

الدكتور أحمد الصاوى يكتب: خرافات دلسبس الأربعة

كنت أتمنى ألا أصرف جهدا أو أسود صفحات حول تلك المتاهة وهذه المهانة المسماة إعادة تمثال دلسبس لقاعدته، خاصة فى هذا التوقيت الحرج من تاريخ نضال الشعب المصرى، حيث تعيش مصر فعليا فى حالة حرب وتوشك أن تدخل ساحاتها فى الاتجاهين الغربى والجنوبى بعد أن دخلتها فعليا فى الاتجاه الشرقى.
 
ما كان أغنانا عن الخوض فى هذه المتاهة التى تفرق الصفوف وتوهن العزائم وتزرع الشك فى كل تصرفات المسئولين فى توقيت هو الأكثر حرجا فى القرن الحادى والعشرين.
 
لكن وجدت نفسى مرغما على الكتابة لا لشىء سوى يقينى أن متاهة “التمثال” وثيقة الصلة بجوهر التحديات التى تواجهنا وهى تحديات الإمبريالية الجديدة التى ترتكن لخبرات الاستعمار القديم والذى يعد دلسبس أحد رموزه القبيحة.
 
كان التناقض مؤذيا للمشاعر الوطنية إذ كيف نطلب من الشعب أن يجابه الاستعمار الجديد بينما هناك من يسعى لإعادة الاعتبار لأحد رموزه القديمة؟ 
 
وذاك التناقض يثير ما هو أكثر من الريبة حول نوايا إثارة الموضوع وتوقيته فذاك أمر يوقظ فتنا نائمة فى وقت تحتاج مصر فيه أقصى درجات التضامن حتى بين الفرقاء السياسيين.
 
ولست هنا بصدد السعى لإقناع الذين يسعون “فى الخفاء” أو العلن لإعادة نصب تمثال دلسبس ولكنى فقط أترافع أمام الرأى العام لنكون جميعا على بينة من مغزى ما ينوى البعض إتيانه من منكر وطني.
 
يروج دعاة نصب “الصنم” لأربع خرافات يرونها مبررات كافية لنقض قرار المقاومة الشعبية إبان عدوان 1956 بإسقاط التمثال وهذا هو بالضبط مسمى هذا الإجراء لأن التمثال لم يسقط من جراء عاصفة أو بقرار حكومي.
 
وتستحق تلك الخرافات أن نتوقف عندها واحدة تلو الأخرى.
 

الخرافة الأولى: دلسبس مهندس قناة السويس

تلك فرية ينبغى أن يخجل كل من يروج لها لأنها شىء لم يدعيه دلسبس نفسه ولا يجرؤ أن يفعل، فالرجل درس القانون لمدة عام واحد فقط ولم يدرس شيئا غير ذلك، وطبقا لما تذكره مراجع مختلفة أنه “سرق” مخططات مشروع القناة من مهندسها والتوصيف الواقعى لدلسبس إن تغاضينا عن جرائمه التى سنأتى إليها لاحقا أنه كان “صاحب عقد الامتياز” أى المقاول المنفذ.

طبعا القيمة المفترضة من ترويج تلك الخرافة هى إسباغ صفة العبقرية الهندسية على الرجل وفى ذلك تسويغ أولى لإعادة التمثال إذ “كيف تتنكر مصر لمهندس القناة ومصممها”.

 

الخرافة الثانية احترام التاريخ وعدم تزييفه

وتلك لعمرك فرية أوقح من سابقتها وعدوان جاهل وجهول على التاريخ بكل أحداثه ووثائقه ودراساته باللغات الحية كافة.

فمن الناحية الشكلية لم يكن هذا التمثال قائما عند افتتاح قناة السويس مثلما يريد البعض أن يلمح لذلك بل ولم ينصب فى حياة دلسبس ذاته وإنما قامت شركة قناة السويس بنصب هذا التمثال بعد وفاته على سبيل التكريم لمؤسس الشركة.
 
ولتكملة الصورة الشكلية نضيف أن القوات البريطانية والفرنسية بعد أن تهيأت للانسحاب من بورسعيد قامت بوضع العلمين البريطانى والفرنسى فى يد التمثال فى إشارة لا يتجاهلها إلا خب غرير ومعناها لمن يريد “تشكيل الحروف” أن هذا رمزنا وتلك أعلامنا أعلاه حتى لو أرغمنا على الانسحاب وستظل خفاقة إلى أن ننسحب. وزاد فى الطنبور نغمة أنهم قاموا بدهان التمثال “بالشحم” حتى لا يتمكن أحد من الأهالى من تسلق التمثال وانتزاع العلمين.
 
ولهذا السبب بالتحديد قررت المقاومة الشعبية أن تزيل التمثال برمته وهو “رمز” استعمارى باعتراف المحتلين أنفسهم ولم يكن هناك بد من استخدام سلم المطافئ لزرع المتفجرات للإطاحة بالتمثال.
 
أليس هذا هو التاريخ؟
لماذا نجتزئ التاريخ ونريد أن نعتبر نقطته الجديرة بالاحترام والتخليد هى لحظة إقامة الشركة لتمثال دلسبس؟
 
ماذا عن قبل هذه اللحظة التى لم يكن على مدخل القناة تمثال بعدما رفضت الشركة ورفض الخديو إسماعيل الغارق لأذنيه فى الديون أن يدفع ثمن التمثال الذى ذهب لنيويورك بعد تعديلات فى تصميمه ليصبح اسمه تمثال الحرية؟
 
ماذا عن اللحظة التاريخية التى قرر فيها أبطال المقاومة الشعبية تحدى المعتدين بإزالة التمثال وهم بعد لم يغادروا بورسعيد؟
 
هذا أيضا تاريخ ينبغى أن يحترم على ألأقل لأن صناعه بذلوا أرواحهم ودمائهم دفاعا عن المدينة التى دمرت وهى تقاوم ببسالة جيوش إنجلترا وفرنسا ولم يجن أحد منهم أموالا طائلة مثلما فعلت شركة قناة السويس وهى بالمناسبة شركة وليست مبرة او جمعية خيرية.
 
نحن نختار من بين التاريخ “لحظة” فى الوسط ونهدر ما قبلها وبعدها وكأن ذلك من “الجغرافيا” مثلا.
 
هذا الاختيار العمدى كاشف لتحيزات سياسية من الشجاعة والأمانة والنبل أن نفصح عنها دون أن نتخفى وراء التاريخ قولة الحق التى يراد بها باطل الأباطيل.
 
وأزيدك من الشعر بيتا
 
هذا التاريخ الذى يرفع البعض راياته كمبرر لإعادة نصب التمثال يقول وقوله الصدق بعينه ولا يستطيع أى من هؤلاء أن يذكر معلومة واحدة تخالف ذلك
 
يقول التاريخ أن دلسبس “دلس” على سعيد و “استوقعه” على عقد الامتياز رغم أن شروطه مجحفة بمصر والأدهى من ذلك وهذا باعتراف دلسبس لاحقا أنه “تسلط عليه منذ أن كان فى الثالثة عشر بالخمر والنساء والمكرونة” حتى يتسنى له الحصول على العقد من الأمير البدين.
 
ويقول التاريخ أن دلسبس استخدم “السخرة فى حفر القناة وقضى نحو 120 ألف مصر نحبهم فى حفرها من إجمالى ثلاثة ملايين ونصف هم عدد سكان مصر آنذاك. ولما أرادت مصر أن تغير شرط السخرة فى عقد الامتياز طلب دلسبس تحكيم إمبراطور فرنسا زوج أوجينى فحكم لا فض فوه بفرض غرامة على مصر تتجاوز ثلاثة ملايين جنيه.
 
واضطرت مصر لبيع الجزء الأكبر من حصتها فى أسهم القناة (44ٌ%) لبريطانيا ولما لم يكن ذلك كافيا فقد لجأت مصر للاستدانة وكان دلسبس (فى كتب التاريخ) سمسارا ووسيطا فى بعض هذه القروض.
 
ويقول التاريخ أن تلك الاستدانة الكبيرة أدت لأن تطلب الدول الدائنة ومعها أوقل وقبلها دلسبس مراقبة مصروفات وإيرادات الحكومة المصرية وقام فرنسى وآخر بريطانى بذلك فيما يعرف بالرقابة الثنائية وكان دلسبس (فى كتب التاريخ أيضا) أحد أضلاع ترسخ تلك الرقابة التى كانت بمثابة احتلال لإرادة مصر رثيما يتسنى لأحد القوتين احتلالها عسكريا.
 
والتاريخ الذى يتحججون به يقول أيضا أن دلسبس بعد أن وعد ناظر الجهادية أحمد عرابى بعدم السماح للقوات البريطانية التى تحاصر سفن اسطولها باستخدام قناة السويس للهجوم على مصر فعدل عرابى عن ردم مدخل القناة الشمالى وبينما كانت قوات عرابى تدافع ببسالة عن الساحل فى الغرب دخلت أساطيل بريطانى من قناة السويس وكانت معركة التل الكبير التى أدت لاحتلال مصر.
 
هل توقف تاريخ دلسبس عند هذه “الخيانة” أو سموها كما تشاءون؟
 
لا ورب الكعبة 
 
يقول التاريخ أن دلسبس لعب دورا كبير وتحدث بكل قوة من أجل تخفيض أعداد الجيش المصرى بعد هزيمة عرابى وحل الجيش فعليا وتم تسريحه إلا أعداد يسيرة وعناصر شركسية وأخرى ممن خانوا أحمد عرابي.
 
ويقول التاريخ أيضا أن مصر لم تحصل على شيء من إيرادات القناة التى شقتها فى أراضيها سواعد أبنائها سخرة إلا فى منتصف الثلاثينات من القرن الماضي.
 
بالتاريخ الذى تتحاكمون إليه لم يكن دلسبس أكثر من مغامر باحث عن الربح أضر بمصر ومصالحها وأفلس خزائنها وخان جيشها ومكن للبريطانيين احتلال مصر ولم يكن أبدا صاحب فكرة شق القناة ولا مهندسها.
 
فما هو التاريخ الذى نريد للتمثال ان يعبر عنه أمام الأجيال الجديدة؟ علما بأن الشعوب تقيم التماثيل لشخصيات خدمت الإنسانية أو العلم أو بحد أدنى خدمت أوطانها.
 
إنه ببساطة تاريخ الاستغلال الاستعمارى 

ولو تابعت الذين يتولون كبر ذلك فستجدهم يهاجمون أحمد عرابى وقرار تأميم قناة السويس بل ووصلت الوقاحة بأحدهم حدا وصف معه أبطال المقاومة الشعبية بأنهم “الرعاع الذين أسقطوا تمثال دلسبس”.

 

الخرافة الثالثة فرنسا تريد إقامة التمثال

أقول أنها خرافة لأنه لا يوجد مسئول حكومى فرنسى من أية درجة طلب ذلك لا فى طلب حكومى مفصح عنه ولا فى حديث لصحف سيارة ولا حتى فى تغريدة على تويتر.

 

ويصعب أن تطلب فرنسا ذلك بصفة رسمية أو تخاطب الحكومة المصرية لإعادة تمثال دلسبس لقاعدته.
 
لأن دلسبس فى نظر القانون الفرنسى “مجرم نصاب” صدر ضده حكم بات ونهائى بالسجن لمدة خمس سنوات هو ابنه الأكبر فى قضية قناة بنما ولما كان المذكور قد تجاوز الثمانين من العمر فقد اعفى من تنفيذ العقوبة لكبر سنه.
 
لا تستطيع الحكومة الفرنسية الحالية وكذلك القادمة ومثلها فى ذلك مثل كل الحكومات السابقة أن تقيم تمثالا لدلسبس على أرض يرفرف عليها العلم الفرنسى لأن فى ذلك عدوان على الدستور الفرنسى الذى يحترم أحكام القضاء ويراها عنوانا على الحقيقة ومثل هذا الإجراء يعد بحد ذاته تشكيكا فى العدالة الفرنسية.
 
والسؤال هنا للذين “يروجون” لأن ذلك هو طلب فرنسى هل تتوهم الجمهورية الفرنسية ان مصر صارت “مكبا” لنفاياتها من المجرمين؟ أم تتوهم أن لها بعض فضل على مصر تدل به لقبول نصب تمثال هذا المجرم الأثيم والنصاب الزنيم على أرض مصر؟
 
إلى أن يأتينا “المرجفون” فى المدينة بخبر يقطع الشك باليقين نقول ما هو معروف من معلومات.
 
نبتت فكرة إعادة تمثال دلسبس للقاعدة عقب إعادة افتتاح قناة السويس للملاحة فى 1975 بإيعاز من الإليانز الفرنسى الذى نشط فجأة ببورسعيد. ولاحقا بدأ أعضاء جمعية أصدقاء دلسبس فى التردد على بورسعيد والاسماعيلية متنقلين بين هيئة قناة السويس ومحافظة بورسعيد للقاء المحافظ والمسئولين الرسميين وتلك حقائق لا يمكن إنكارها أما ماذا كانوا يحملون فى جعبتهم فيمكن لكل المسئولين الذين قابلوهم أن يحلفوا بالطلاق والعتاق أنهم لم يطلبوا إعادة التمثال وبالطبع لن أكذبهم لأن شيئا رسميا لم ينشر عن ذلك ولا أستطيع أن أرجم بالغيب ولكن بالنتيجة لم يكن لهم شغل شاغل سوى إعادة التمثال.
 
ولمن لا يعرف أو يتجاهل ذلك فإن جمعية أصدقاء دلسبس هى جمعية فرنسية ترعاها وتمولها إحدى شركات الطاقة الفرنسية ومعروف أن أصحاب الأسهم فى هذه الشركة هم من حملة أسهم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية ومقرها باريس.
 
بالطبع هذه الشركة وتلك الجمعية كلاهما ليس الحكومة الفرنسية “ولو زعموا” وحتى لو استصحبوا معهم فى زياراتهم مسئولا حكوميا من وزن السفير الفرنسى أو القنصل الفرنسي. نحن هنا نتحدث عن مواطنين فرنسيين لديهم “حنين” لدلسبس و “توق” لفترة الاستغلال الاستعماري.
 
الحكومة الفرنسية غير ظاهرة هنا إلا أن يقول مسئولا مصريا قولا غير ذلك فعندها سيكون لكل حادث حديث.
 
ذلك لأن مصر ليست دولة “تابعة” لأحد كما أنها ليست “مكبا لنفايات الأمة الفرنسية”
 
وأيضا لأن لمصر ديونا تاريخية لم تسددها والكلام هنا للذين يتشدقون بتاريخ لم يقرأه أحدهم من مظانه العلمية.
 
فرنسا اعتدت على مصر واحتلتها لثلاث سنوات (1798-1801) وقتلت أثناء ذلك ما لا يحصى من المصريين الذين دافعوا ببسالة عن بلدهم فى ثورتين كبيرتين بالقاهرة وفى مواقع عدة بالوجهين القبلى والبحري.
 
فرنسا حولت جامع الناصر محمد بالقلعة إلى سجن حبست فيه الثوار ومن بينهم مشايخ الأزهر من أمثال سليمان الجوسقى شيخ رواق العميان قبل أن تلقى بجثثهم قتلى من وراء أسوار القلعة ليكونوا عبرة لمن يعتبر.
 
فرنسا دمرت أحياء بكاملها بمدفعيتها مثل حى بولاق أثناء ثورة أهله بقيادة الشهيد مصطفى البشتيلى وأزالت مساجد ومدارس لتسهيل حركة جنودها داخل القاهرة
 
فرنسا دخلت الأزهر وربطت خيولها فى أروقته قبل أن تقوم بنهب مخطوطات مكتبة الأزهر وما حوله من مدارس ومساجد لتزدان بها المكتبة الأهلية بباريس.
 
فرنسا أعدمت سليمان الحلبى واستصحبت معها جمجمته لتوضع فى متاحفها
 
وفرنسا تلك ترى ما فعلته إسهاما فى نقل مصر لحضارة العصر الحديث وتصر على ذلك إلى الآن حتى أن جاك شيراك عندما أتى لجامعة القاهرة للاحتفال بالذكرى المئوية لحملة بونابرت على مصر قال إنه جاء للاحتفال بمائة عام على الاتصال الحضارى بين فرنسا ومصر. لا اعتذار تاريخى عن ذلك كله والبهتان والخديعة وصلا به لحد وصف العدوات والاحتلال والنهب الاستعمارى بالاتصال الحضاري.
 
وأضف لقائمة الديون التاريخية المستحقة لمصر على فرنسا العدوان الثلاثى على بورسعيد وقد كان جنودهم الأسوأ سيرة والأكثر وحشية تجاه المدينة الباسلة وتكفى قصة جواد حسنى الذى كتب بدمائه ما جرى على جدار محفوظ لليوم بالمتحف الحربى ببورسعيد
 
ورغم ذلك كله
 
فأنا شخصيا لأرى بأسا من أن تحاول فرنسا أن تجد لنفسها موطئ قدم على مدخل قناة السويس ولكن بشكل رسمى يحترم تاريخنا مثلما نود نحن أن نعترف لها بدور ما فى سياق تاريخنا الوطني. لن نبحث عن الجزء المعتم الذين يدين فرنسا فنحن نعى تماما أن التاريخ يجب أن يحترم بدون تزوير أو تدليس ولذا يمكن أن قبل تنحية رموزه وليس التنكر لحقائقه.
 
يمكن لفرنسا “الرسمية” إن أرادت أن تلعب دورا يستحق احترامنا أن تعيد الاعتبار لتاريخ حفر قناة السويس بإهداء مصر نسخة ضخمة من التمثال الأصلى الذى كان مقدرا له أن يوضع عند مدخل قناة السويس الشمالى وهو تمثال الفلاحة المصرية التى تحمل مشعل الحضارة.
 
أو ليس فى ذلك احترام للتاريخ وتصحيح لخطأ تاريخي؟ وجبر لما أتلفته الممارسات الاستعمارية من أرواح وأموال المصريين؟
 
لكن جماعة دلسبس لن ترضى بسواه فى الهوى بدلا لأنه ببساطة رمز الاستغلال الاستعمارى .

 

الخرافة الرابعة إيرادات السياحة

يروج المرجفون فى المدينة إلى أن نصب تمثال دلسبس سيجعل من بورسعيد مزارا سياحيا تهوى إلية أفئدة المحبين له لتحقق المدينة ثروات هائلة من إيرادات بالغ كل من شاءت له معارفه الضحلة بالسياحة العالمية فى سردها بالملايين من الدولارات.

 

وتلك أكذوبة وتعلة تشابه فى كذبها البواح صاحب النداء الشهير “شربة عم محمود اللى تقتل الدود”
 
لا أدرى كيف يمكن أن يصدق عاقل وعود كبار السن من اعضاء جمعية أصدقاء دلسبس الذين يتحركون على نفقة الجمعية والشركة التى تمولها؟
 
هؤلاء لا يملكون من أمرهم شيئا ولا حتى الحكومة الفرنسية إن شاءت تستطيع أن تعطى وعدا بحمل مواطنيها على زيارة “تمثال مجرم”. وحتى لو كان التمثال من أعمال مايكل أنجلو فلن يكون سببا كافيا لاستقطاب نشاط سياحي.
 
وفى الحقيقة لم أجد فى كل ما قيل عن مبررات ومزايا أعادة تمثال دلسبس شيئا أسخف وأكثر سذاجة من خرافة إيرادات السياحة التى ستنهمر على بورسعيد بمجرد إعادة نصب التمثال.
 
أيها السادة قليل من الحياء وبعض من احترام عقولنا فالسياحة صناعة عالمية لها خبراؤها وآلياتها ومعاهدها العلمية وليس كل من همس فى أذنك بشيء تسارع لتصديقه كما أن ليس كل من نشر إعلانا للترويج لفندق بخبير فى السياحة.
 
وإلحاقا بتلك الخرافات ينبغى أن اشير لشائعات “منظمة” تقول بأن محافظة بورسعيد وعدت بتلقى تمويل مقداره خمسين مليون دولار إن هى أعادت التمثال إلى قاعدته وذلك بعد أن قام مرمم فرنسى فى وقت سابق بأداء خدمته العسكرية فى أعمال ترميمه وتلك قصة أخرى.
 
ما أرخصنا إن كان ذلك صحيحا وما أرخص عيونك يا محمد مهران وما أزهدها دماء الشهداء وما أهونها خسائر بورسعيد من مبانيها وأهلها.
 
ما أبخس اسمك الذى يطلق على شوارع فى مدن بآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية كرمز للصمود أمام عدوان المستعمرين البربرى وما أحقيتك فى أن يقال عنك المدينة الباسلة.
 
هل صرنا متاعا يباع وعقولا يغرر بها بأكاذيب لا تنطلى على طفل صغير؟
 
هل يعيد طبق المكرونة نفسه مجددا فى تاريخ قناة السويس؟
 
هذه المهانة الوطنية ينبغى أن توقف حتى لا نكون “فرجة” بين الأمم التى صادف لحظ بعضهم العاثر أنها تنتفض الآن لإزالة تماثيل رموز الحقبة الاستعمارية فى عقر ديارهم وليس فى المستعمرات فقط.
 
تجوع الحرة ولا تأكل بثديها وأى حرة تلك إنها مصر العصية على كل تطويع ولن تسمح لأحد أن يكرر مقولة “جورو” الفرنسى أمام قبر صلاح الدين بدمشق “ها قد عدنا يا صلاح الدين. الآن انتهت الحروب الصليبية”.

الدكتور أحمد الصاوى يكتب: خرافات دلسبس الأربعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *