نائب وزير الصحة: مصر تمر بمرحلة تحول ديموجرافي تاريخي يحمل فرصة لتحقيق التنمية
قال الدكتور طارق توفيق، نائب وزير الصحة والسكان لشؤون السكان، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للسكان، الذي يُحتفل به عالميا 11 يوليو سنويا، إن مصر تمر بمرحلة تحول ديموجرافى تاريخى يحمل «فرصة سكانية» أو «هبة ديموجرافية» تصاحبها تأثيرات مختلفة على الحالة الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف توفيق، أن «الهبة الديموجرافية» رغم أنها تمثل تحدياً أمام الدولة المصرية في توفير خدمات تعليمية وصحية ومسكن مناسب وفرص عمل لهذه الكتلة الكبيرة من النشء والشباب في المستقبل، إلا أن الدولة اعتبرتها منحة وهبة ديمواجرافية، فعملت على استغلال هذه الفرصة واتجهت إلى الاستثمار في بناء المواطن، وتعظيم الاستفادة من هذه الطاقات البشرية الهائلة وتوجيههم نحو العمل والإنتاج والمشاركة الفعالة في بناء الوطن ليكون لهذه «الهبة الديموجرافية» دوراً كبيراً في تحقيق نهضة تنموية حقيقية.
وأكد أن «الهبة الديموجرافية» تعرف بأنها المرحلة التي يبلغ فيها مجتمع ما الذروة في حجم السكان في سن العمل «الفئة العمرية من 15 -64 سنة»، مقابل أدنى نسبة للسكان المعالين «الأطفال والمسنين» وهى مرحلة تدوم فترة معينة، واصفاً المجتمع المصرى بأنه مجتمعاً فتياً، حيث تمثل الفئة العمرية الأقل من 30 سنة ما يقرب من 61% من إجمالى السكان، كما يقع حوالى 27% من السكان ضمن الفئة العمرية بين 15 إلى 29 سنة.
وتابع نائب وزير الصحة: «بالنظر إلى الهرم السكانى حسب تعداد 2017، يتضح أن نسبة السكان في قوة العمل (سن 15 – 64) تمثل حوالى 62% بمعنى أننا نعيش في مجتمع فتى وشاب وبلغت فئة السكان من سن (0 – 14) حوالى 34 % من إجمالى السكان، والفئة العمرية من 15 – 35 حوالى 35 % وهذا يعنى ضرورة تكثيف الجهود والاستعداد للنافذة الديموجرافية والتى تتطلب توفير عدد أكبر من الاستثمارات حتى تتم الاستفادة من هذه الهبة الديوجرافية».
وأشار إلى أن تحقيق الهبة الديموجرافية، يتم من خلال 3 آليات رئيسية يؤثر من خلالها التحول الديموجرافى على إتاحة ما يعرف بـ «بالنافذة الديموجرافية»، فالتحول الديموجرافى يؤثر في نسبة السكان في سن العمل، وفى معدلات الإدخار، وكذلك مستوى تراكم رأس المال البشرى، فمع تراجع معدل الإنجاب تنخفض نسبة الأطفال، وتتزايد نسبة السكان في سن العمل وترتفع نسبة مشاركة الإناث في الحياة الاقتصادية نتيجة لانخفاض أعباءها العائلية وارتفاع مستوى تعليمها، الأمر الذي يؤدى إلى انخفاض معدل الإعالة العمرية والذى ينعكس في خفض معدل الإعالة.
ولفت «توفيق» إلى أن الآلية الثانية من آليات تأثير التحول الديموجرافى على النمو الاقتصادى تتمثل في ارتفاع معدل الإدخار القومى، فمع تزايد نسبة السكان في سن العمل وارتفاع معدل مشاركتهم في الحياة الاقتصادية ترتفع مستويات الأجور، ويتزامن هذا الارتفاع مع انخفاض معدل الاستهلاك، نظراً لما تتميز به هذه الفئة العمرية من انخفاض الميل للاستهلاك وارتفاع الميل للادخار، مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، الأمر الذي ساعد في النهاية على ارتفاع معدلات الإدخار والاستثمار ومن ثم النمو الاقتصادى، ومع استمرار التزايد في معدلات النمو الاقتصادى تتحسن الأحوال الصحية والتعليمية والمعيشية لغالبية السكان، الأمر الذي ينعكس على سلوكهم الإنجابى بما يسرع من الانخفاض في معدلات الخصوبة.
أما الآلية الثالثة، فتتمثل في الاستثمار في مجالات التنمية البشرية المختلفة وعلى رأسها التعليم لما له من عائد اقتصادى واجتماعى مرتفع لا يقل بحال من الأحوال عن العائد المتحقق من رأس المال المادى، فمع تزايد الوعى بأهمية التعليم والرعاية الصحية وتراجع معدلات الإنجاب، تتزايد النسبة التي تخصصها الأسر المختلفة من دخولها للاستثمار في تعليم أبنائهم وهو ما سينعكس بالضرورة على معدلات الإنتاجية والأجور والادخار والاستثمار وعلى مستويات الثقافة والتحضر.
وأشار إلى عدد من السياسات التي من الضرورة الأخذ بها؛ لكى يتم الاستفادة العظمى من الهبة الديموجرافية وتحقيق سوق عمل مرن يستوعب هذه الهبة الديموجرافية ويخدم الطلب في الداخل والخارج أول تلك السياسات؛ السياسات الصحية، ينبغى أن تركز على كلاً من الخدمات الصحية الوقائية والأساسية من خلال توفير خدمات الصحة الإنجابية التي تساعد الآباء على تكوين أسر أصغر حجماً، فالاستثمار في تحسين خدمات الصحة الإنجابية يمكنه أن يسرع بالوصول إلى الهبة الديموجرافية، وثانيها سياسات التعليم، فهى تلعب دوراً أساسياً في توفير فرص عمل أفضل، ويعد محو الأمية ورفع معدلات القراءة والكتابة من أهم الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك، كما يجب ربط البرامج التدريبية المختلفة باحتياجات سوق العمل، ومن ثم تبرز أهمية التنسيق بين السياسات التعليمية والتدريبية لإكساب الشباب هذه المهارات، فالاستثمارات في قطاع التعليم تحتاج إلى مراجعة حتى يصبح المعيار هو الكيف والجودة وليس الكم، فالخريجين في مختلف المراحل يعانون من نقص شديد في المهارات التي يحتاجها سوق العمل، لذلك فإننا في حاجة إلى إجراء العديد من التدخلات المطلوبة في مجال التعليم؛ مثل النظام المزدوج وهو ربط المدرسة بسوق العمل من خلال تقسيم التدريب المهنى بين التدريب العام في المدرسة والتدريب المتخصص في الشركة أو المؤسسة بعد ذلك، وهذا النظام المزدوج من أنجح الأنظمة التعليمية التي تمكن الطالب من الانتقال بسهولة من المدرسة إلى سوق العمل والتغلب على مشكلة التعليم النظرى أو الأنظمة التدريبية البالية، مستشهداً في ذلك بالنموذج الألمانى للتعليم المزدوج فهو يعد من أنجح الأمثلة، حيث تبلغ نسبة بطالة الشباب إلى بطالة الكبار واحد إلى واحد على عكس الكثير من الدول التي تصل فيها معدلات البطالة بين الشباب من ضعف إلى 5 أضعاف معدل البطالة بين الكبار.
وتابع: «ومن هنا تزداد أهمية مشاركة أصحاب العمل والشركات واتحادات العمال في وضع المناهج للمتدربين حتى يتحقق التناغم بين المناهج التعليمية واحتياجات سوق العمل، أما التدخل الثانى؛ فهو التدريب ما قبل التوظيف من خلال برامج تدريبية لتحقيق مرونة أكبر للعمالة حتى تكون أقدر على التجاوب مع التغيرات التكنولوجية. وثالث هذه السياسات هي تحسين الوضع الاقتصادى والاجتماعى للمرأة من خلال توفير مزيد من فرص العمل والقضاء على أي ممارسات تمييزية لغير صالح النساء في العمل أو التوظيف، وذلك بهدف زيادة قوة العمل المتاحة وزيادة مساهمتهن في قوة العمل».