الأدب
مآذن على أنقاض الأجراس.. حكايات دور العبادة الحائرة بين المساجد والكنائس
المبرر والحجة التى يسوقها مؤيدو قرارالديكتاتورالتركى رجب طيب أردوغان، بتحويل مبنى متحف آيا صوفيا التاريخي إلى مسجد، بعد نحو قرن من تحويلها إلى متحف إنسانى لجميع الطوائف على يد أبى الأتراك مصطفى كمال أتاتورك، هو أن السلطان الغازى محمد الفاتح حول آيا صوفيا إلى مسجد ردا على تحويل مساجد الأندلس إلى كنائس بعد سقوط دولة المسلمين هناك.
فى البداية هذا المبرر يناقض حجة الأتراك بأن محمد الفاتح حصل على مبنى آيا صوفيا بعدما اشتراها من الرهبان المسيحيين ودفع أموالها من ماله الخاص، فإذا كان السلطان الغازى قرر أن يرد على الأسبان فلماذا قام بشرائها واستئذان الرهبان مثلما يزعم الأتراك، القرار يبدو أنه جاء عنوة لأنه حولها بعد دخوله بثلاث أيام فقط، لكن حتى لو كان ردا على الإسبان، فيبدو أن خليفة المسلمين، كما يطلق عليه تاريخيا، خالف الشرع وحديث الرسول بأنه لا يجوز الصلاة على مغتصبة من أصحابها.
كنيسة آيا صوفيا
كذلك الزعم بأن محمد الفاتح اشترى المبنى، هو اعتقاد خاطئ فى الأساس، لأن المؤرخين للدولة العثمانية مثل المؤرخ أحمد بن يوسف القرمانى، وهو أحد المؤيدين لدولة العثمانيين (شهد على عصر محمد الفاتح وأحد مؤرخى دولته) فى كتابه “أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ” فى أن السلطان العثمانى أمر بتحويل المبنى القديم إلى مسجد ولم يشتريها، وأوضح المؤرخ العثمانى الذى حضر دخول القسطنطينية أن قرار التحويل كان بعد ثلاثة أيام فقط من دخوله القسطنطينية.
لكن بالنظر إلى حال المساجد التى حولها الأسبان إلى كنائس، وبالتأكيد هى قرارات إجرامية قام بها المتطرفون الإسبان، لمحاولة محو أى أثر للحضارة الإسلامية هناك، مثلما الحال فى مسجد أشبيلية الكبير ومسجد القصر الحمراء، لكن الذى لا يعرفه الكثير من مؤيدى قرار أردوغان ويروجون لمزاعم الأتراك، فإن عددا ليس بقليل من المساجد التى تحولت إلى كنائس فى الأندلس كانت فى الأصل كنائس وعادت إلى أصلها بعد سقوط الأندلس، ومن هذه الأمثلة:
مسجد قرطبة
بحسب كتاب “أثر المسجد في الحضارة الإنسانية” تأليف أحمد محمد أبو شنار، فإن مسجد قرطبة الذى أسسه الأمويون فى حاضرة الخلافة الأموية فى الأندلس سنة 92هـ، كان الموقع فى الأصل معبدا وثنيا، ثم تحولت إلى كنيسة مسيحية على زمن القوط الغربيين، ثم تحولت الكنيسة إلى مسجد فى العهد الإسلامى، وبعد حروب الاستيرداد حول الإسبان المسجد إلى كنيسة مرة أخرى.
كذلك يوضح كتاب “الأندلسيون عقب سقوط غرناطة” لمحمد يحيى المضواحي، أن المساجد ذات الطراز الأندلسى، خاصة مسجد قرطبة الكبير، كانت هذه المبانى فى الأصل عبارة عن كنائس وكاتدرائيات.
مسجد المنستير
بحسب الكتاب سالف الذكر أيضا، فإن المسجد الأندلسى، بنى على موقع كاتدرائية من القرن الخامس عشر، (يعتقد أنها كانت معبدا مسيحيا أقامه القوطيون الغربون)، وبعد حروب الاسترداد وسقوط الحضارة الإسلامية، عادت المبنى إلى كنيسة كما كان فى الأصل.
مسجد باب المردوم
مسجد باب المردوم
المسجد الذى أصبح يسمى “كنيسة كريستو دو لالوث” بنى فى الأصل على بقايا مجمع مسيحى روماني قديم ذو نظام لجلب المياه، لاتزال بقايا هذا المعبد موجودة حتى يومنا هذا داخل الكنيسة، وبعد سقوط الحضارة الإسلامية فى الأندلس، سمح فى أول الأمر للمسلمين فى الصلاة فى المسجد، حتى دخل ألفونسو السادس على المدينة فى سنة 1085م فمنح المسجد لفرسان القديس يوحنا ثم تم تحويله إلى كنيسة نور المسيح .