مع انتهاء صوم الرسل.. ما الهدف الروحي من الامتناع عن الأطعمة الحيوانية عدا الأسماك؟
تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية، اليوم، بختام صوم الرسل بعد مرور 33 يومًا من الصيام، والذي يحل بعد يوم من عيد العنصرة أو الذي يعرف بعيد حلول الروح القدس، ويعتبر ذلك الصوم واحدًا ضمن أصوام الدرجة الثانية، تلك التسمية لا تعني تراجع مكانته، بل هي نوعية الأصوام التي يسمح خلالها بتناول الأسماك للتخفيف عن المسيحين طول فترات الصوم على مستوى العام، بالانقطاع عن الأطعمة الحيوانية، لذا فضلت الكنيسة الدفع بالأسماك كبروتين يمنح الطاقة للصائمين.
وصوم الرسل أو صوم بطرس وبولس، أقدم صوم عرفته الكنيسة المسيحية، وكان السبب وراء الصيام هو وعد السيد المسيح للتلاميذ الملازمين له خلال حياته على الأرض، وهم 12 تلميذا، ببدأ ذلك الصيام بمجرد صعوده إلى السماء ومغادرتهم بالجسد، قائلًا في سفر لوقا بالإنجيل المقدس: «وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ».
وكانت الغاية من الصوم تشديد التلاميذ في أزمنة التبشير بالمسيحية، ورحلاتهم التي تتجاوز ساعات من السفر والتجول بين المدن، وبدأ الخدمة بالصوم هي فكرة يرجع زمنها إلى لجوء موسى النبي للصوم قبل أن يستلم لوحي الشريعة وإيليا النبي قبل أن يكلمه الله على جبل حوريب، وفعلها السيد المسيح في بداية خدمته، بالصوم أربعين يومًا على جبل قرنطل والمعروف بـ«جبل التجربة».
في المقابل، لفت الراحل قداسة البابا شنودة الثالث إلى مفعول صوم الرسل على مستوى الكنيسة، قائلًا في كتابه «كلمة منفعة»: «صوم الرسل هو من أجل الخدمة والكنيسة، لكي نتعلم لزوم الصوم للخدمة، ونفعه لها نصوم لكي يتدخل الله في الخدمة ويعينها، ونصوم لكي نخدم ونحن في حالة روحية، ونصوم شاعرين بضعفنا»، فيما يؤكد الأنبا متاؤس أسقف دير السريان العامر، على أهمية استخدام الصوم كبوابة للدخول إلى الحياة النقية والتوبة عن خطايا الحواس.
إذ قال: «الصوم لا يتوقف عند تغيير الطعام الفطارى بالصيامى ولكنه وسيلة للصوم الروحي، الذي هو الامتناع عن الخطية والتوبة عنها، مثل صوم اللسان عن الإدانة والأذن عن سماع ما لا يجب..».
وعندما صام الرسل هذا الصوم أسموه «العنصرة» ثم أسمته الكنيسة صوم الرسل في مجمع نيقية سنة 325م تكريمًا للآباء الرسل، الذين أول من صاموه، ومدة الصوم متغيرة ولكنه لا يزيد عن 45 يوما وفي هذا العام يستمر لمدة 33 يوما فقط، ينتهي صوم الرسل بعيد الرسل أو عيد استشهاد الرسولين بطرس وبولس، والذي يحل في 12 يوليو، ويعد ذلك الصوم بالنسبة للخدام هو موسم الدعوة للخدمة والتكريس وتقديم حساب الوكالة لله صاحب الخدمة وبالنسبة للشعب هو صوم التوبة استعدادا للامتلاء من الروح القدس.
يذكر أن الصوم في المسيحية هو الامتناع عن الطعام فترة معينة، يتناول الصائم بعدها أطعمة خالية من الدسم الحيواني أي أن فترة الانقطاع جزء أساسي من الصوم، لكن للصوم مفهومًا عامًا عند الآباء القديسين، فهو في رأيهم يشتمل على كل صنوف التقشف والنسك وقمع الأهواء والشهوات، كما أن للأصوام أهداف متنوعة، فمثلما يهدف «الرسل» إلى التشجيع على الخدمة، هناك أصوام خاصة بالتوبة، مثل صوم أهل نينوى، ومثل أصوام التذلل التي تكلم عنها سفر يوئيل بالإنجيل المقدس وأصوام لإخراج الشياطين.
ومنذ ساعات، هنأ قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، جموع الأقباط بعيد الرسل وهو عيد استشهاد الرسولين بطرس وبولس، موضحًا أنهما نموذجان لمن يخدم في حقل الكنيسة وباسم المسيح. وأضاف: «كل عام وأنتم بخير ربنا يبارك في خدمتكم للكنيسة وكل أسرة والله يحفظنا جميعا من الوباء وهذا الألم عن بلادنا الحبيبة وكنيستنا ونفرح بآبائنا الذين يصلوا لأجلنا في السماء».