الضغوط السياسية والاقتصادية الأمريكية الجديدة على النظام السورى … الآليات والرسائل
حدثت الخطة الأمريكية الجديدة فى سوريا ارتباكاً واضحاً فى مواقف جميع أطراف المشهد السياسى للأزمة السورية وفى مقدمتها نظام الرئيس بشار الأسد، والحليفين الرئيسيى روسيا وإيران، فضلاً عن تشابكات إقليمية أخرى مثل تركيا ولبنان.
فقد كشفت الخارجية الأمريكية للمرة الأولى عن تفاصيل خطة تعمل الولايات المتحدة على تطبيقها منذ عدة أشهر فى سوريا، من أجل ضمان تحقيق نتائج مجدية عبر الضغط على نظام الأسد والدول الداعمة له.
تتركز أهداف وأبعاد الضغط الأمريكى على النظام السورى فى الوقت الراهن على تحقيق الآتي: الأول: إنتاج نظام سورى جديد وليس فقط خروج بشار الأسد من السلطة فى سوريا، الثاني: إخراج إيران والجماعات الإيرانية من الأراضى السورية، الثالث: العمل على التوصل إلى تسوية سياسية فى سوريا بموجب قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2254، والرابع: تقليص النفوذ الروسى وانفراده بالمشهد السورى على نحو يساعد على حل الملفات الإقليمية الأخرى، والخامس: الضغط على روسيا وإيران وتجريدهما من نفوذهما فى المنطقة.
وأكد المبعوث الأمريكى الخاص إلى سوريا “جيمس جيفري” فى أكثر من مناسبة أن على نظام الأسد أن يغير سلوكه فى حال أراد أن يتم إيقاف العقوبات المفروضة ضده، وإلا ستزيد واشنطن من ضغوطاتها الاقتصادية والسياسية على النظام السوري.
آليات الضغط الأمريكي
تمارس الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على النظام السورى من خلال سياسة فرض العقوبات الاقتصادية التى جددتها مرة ثانية مع حلفائها من الدول الأوروبية، فضلاً عن تطبيق ما أسمته واشنطن بـ (قانون قيصر) على النظام السورى وكل الداعمين له داخلياً وخارجياً.
ودخل القانون الذى يعرف اختصاراً باسم (قانون قيصر) حيز التنفيذ فى 17 يونيو الماضي، بهدف فض تحالف الرئيس السورى مع إيران، كما تأمل واشنطن أن تدفع هذه العقوبات الصارمة إلى انهيار النظام الحالي.
كذلك يهدف القانون إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التى يعانى منها الأسد ومحاصرة ومعاقبة حلفائه بغية إجباره على القبول بالحل السياسى للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254.
وفى بيان رسمى صدر عن الخارجية الأمريكية، قال وزير الخارجية الأمريكى بومبيو “منذ ستة أعوام، صدم المصور الشجاع المعروف بقيصر، العالم بتهريب صور إلى خارج سوريا تدل على أن نظام الأسد يعذب آلافاً عدة من السوريين ويعدمهم داخل سجون النظام“.
وأضاف بومبيو، “أن هذا العمل الشجاع كان ملهماً لإصدار قانون قيصر لحماية المدنيين فى سوريا لعام 2019، الذى وقّع عليه الرئيس ليصبح قانوناً منذ 180 يوماً، وأتاح الكونجرس بموجبه فرض عقوبات اقتصادية قاسية لتعزيز المساءلة عن الأعمال الوحشية التى يرتكبها نظام الأسد“.
وأكد بومبيو فى بيانه قائلاً “إن قانون قيصر والعقوبات الأمريكية الأخرى على سوريا لا تستهدف المساعدات الإنسانية الموجهة للشعب السورى ولا تعرقل أنشطة إرساء الاستقرار التى تقوم بها أمريكا فى شمال شرقى سوريا، وأن واشنطن ستواصل تقديم المساعدات الإنسانية من خلال شركائنا الدوليين والسوريين المختلفين حتى فى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام“.
وينص القانون على فرض عقوبات أمريكية على الحكومة السورية والدول التى تدعمها مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات فى مجالات الطاقة والهندسة والأعمال والنقل الجوى .. ويمكن للرئيس الأمريكى بموجب القانون فرض عقوبات جديدة على أى شخص أو جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو توفر لها التمويل، بما فى ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزى السوري.
غير أن الوقائع التاريخية تؤكد دوما أن العقوبات لا تعاقب الحكومة بقدر ما تعاقب السوريين أنفسهم، لأنها تدفع بحياتهم إلى مزيد من الفقر والمعاناة، التى تطال الجميع بغض النظر عن الجهة المسيطرة على المناطق التى يعيشون فيها سواء أكانت الحكومة السورية أم المناوئين لها.
وأظهرت خبرات العقود السبع الماضية ومنذ حصار كوبا المستمر منذ عام 1959، أن العقوبات الغربية لم تفلح فى إسقاط أنظمة معادية للغرب بدءا من العراق أيام صدام حسين وانتهاء بفنزويلا أيام خافيير شافيز مرورا بكوريا الشمالية وكوبا وليبيا وغيرها، كما أظهرت أن هذه العقوبات تصيب المواطنين العاديين فى حياتهم اليومية وليس صناع القرار.
وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى تتحكم بنظام التحويلات المالية عبر العالم، فإن مقاطعتها للنظام المصرفى بما ذلك البنك المركزى وفرض عقوبات عليه فى بلد مثل سوريا تعنى شل التجارة والصناعة والخدمات فيه، لأن نحو ثلثى تجارته وعلاقاته الاقتصادية كانت قائمة مع الدول الغربية وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا حتى اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
كما تعنى أن القسم الأكبر من الدولار والعملات الصعبة الأخرى اللازمة لاستيراد الأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج لا يمكن توفيرها، ومن شأن هذا الحرمان أن يقود إلى انهيار العملة الوطنية وارتفاع جنونى فى الأسعار وزيادة نسبة الفقر التى يعانى منها حاليا 90 % من السوريين، بينما يعانى أكثر من الثلثين من الفقر الشديد حسب منظمة الأمم المتحدة.
رسائل محورية عديدة
ثمة محاولات أمريكية لتوجيه رسائل تفيد استمرار اهتمامها وانخراطها بوسائل أخرى فى الملف السوري، المعنى بتلك الرسائل الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، لعل أولها: أن الولايات المتحدة الأمريكية طرف رئيسى فى الترتيبات السياسية والأمنية التى يجرى العمل على صياغتها فى سوريا، وأن لديها من المصالح ما يدفعها إلى مواصلة إبداء اهتمام خاص بالملفات المرتبطة بهذا الصراع تحديدا، وعلى رأسها الحرب ضد الإرهاب.
وثانى الرسائل: أن واشنطن لديها القدرة على مواجهة نفوذ إيران فى الملف السوري، ويتم ذلك بانتهاج واشنطن سياسة جديدة فى علاقاتها مع لبنان والفصل ما بين الموقف الأمريكى من الدولة اللبنانية وموقفها من حزب الله، إذ تحاول (واشنطن) منع تعزيز العلاقات بين لبنان وإيران فيما يخص (حزب الله).
ففى الوقت الذى قام فيه قائد القيادة الوسطى فى الجيش الأمريكى الجنرال كينيث ماكينزى بزيارة لبنان، فى الثامن من يوليو الجاري، وجه وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو تهديدات بفرض عقوبات على لبنان فى حالة استيراد النفط من إيران، وأن ارتبط ذلك بمجمل العلاقات وليس قطاع الطاقة فقط، خاصة وأن هناك توجهات لدى لبنان لاستيراد الدواء من إيران، أو الاعتماد عليها لبناء قاعدة صناعية أو تطوير الموجودة.
ثالث الرسائل: أن عقوبات قيصر التى دخلت حيز التنفيذ تجرد نظام بشار الأسد من قوة تحالفاته الدولية والإقليمية التى ضمنت له البقاء، وتجرد الحلفاء من مناطق نفوذهم، وتضع دولهم تحت طائلة العقاب الاقتصادى والسياسى الذى يضر بسيادتها واستقرارها فى المجالات كافة، ويعزلها عن العالم.
يبقى القول إنه سواء كان هدف (قانون قيصر) إسقاط نظام بشار الأسد أم تقويم سلوكه، كما يقول المسؤولون الأمريكيون، فإن الولايات المتحدة لا تستعجل إحداث التغيرات الجذرية فى سوريا، لأن عقوبات القانون مزاجية فى الوقت والتنفيذ وفقا لما يستجد من أحداث، وبالتالى تترك الإدارة الأمريكية باب المصالحة مفتوحاً ليس فقط أمام نظام دمشق، وإنما أمام الروس والإيرانيين خصومها الاستراتيجيين فى سوريا.