الأدب
اقرأ مع عباس محمود العقاد.. “ابن رشد” الفيلسوف ابن الفقهاء
نواصل مع المفكر العربى الكبير عباس محمود العقاد (1889 – 1964) قراءة مشروعه الفكرى، خاصة المتعلق بالشخصيات فى التاريخ الإسلامى، ونتوقف اليوم مع كتابه “ابن رشد”.
ويقول ابن الكتاب:
أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، هو الفيلسوف الوحيد فى أسرة من الفقهاء والقضاة، كان أبوه قاضيًا، وكان جده قاضى القضاة بالأندلس، وله فتاوى مخطوطة لا تزال محفوظة فى مكتبة باريس، تدل على ملكة النظر التى ورثها عنه حفيده، وقد كانت تعهد إليه مع القضاء مهام سياسية بين الأندلس ومراكش، فكان يضطلع بها على الوجه الأمثل، وتوفى سنة 520 للهجرة قبل مولد حفيده بشهر واحد.
وقد وردت ترجمة الحفيد الحكيم فى مراجع متفرقة من كتب الأدب والتاريخ، وترجم له ابن أبى أصيبعة فى كتابه “طبقات الأطباء”، وهو مطبوع، وترجم له الذهبى والأنصارى وابن الأبار فى كُتُب مخطوطة، نُشِرت منها مقتبسات كافية بنصها العربى فى ذيل كتاب لرينان عن ابن رشد والرشدية Averroès et L’Averroisme طبع بباريس الطبعة الثالثة سنة 1866، واطَّلَعْنا عليها فى تلك الطبعة، وعليها جميعًا نعتمد فى تلخيص ترجمة الفيلسوف.
نشأ بقرطبة وتعلَّم الفقه والرياضة والطب، وتولَّى القضاء بإشبيلية قبل قرطبة، واستدعاه الخليفة المنصور أبو يعقوب وهو متوجِّه إلى غزو ألفونس ملك أراجون سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، فأكرمه واحتفى به وجاوز به قدر مؤسسى الدولة — دولة الموحدين — وهم عشرة من أجلاء العلماء، فأجلسه فى مكان فوق مكان الشيخ أبى محمد عبد الواحد بن الشيخ أبى حفص الهنتانى، وهو صهر الخليفة (زوج بنته)، ويظهر أن شهرة القاضى بالفلسفة قد جعلته موضع النظر مع الحذر، فلما استدعاه المنصور ظن أهله وصحبه أنه عازِله ومنكِّل به، فلما خرج من عنده بعد تلك الحفاوة أقبل عليه صحبه يهنئونه، فقال لهم قولة حكيم: “والله إن هذا ليس مما يستوجب الهناء به، فإن أمير المؤمنين قرَّبنى دفعة إلى أكثر مما كنتُ أؤمل فيه أو يصل رجائى إليه”.
وكلمة كهذه تكشف عن بصيرة الرجل وصدق رأيه، كما تكشف عن سليقة المعلم فيه، فإنه لو كان من أهل المنفعة بالمناصب لسرَّه أن يؤمن الناس بزلفاه عند الخليفة، ولكنه علم الحقيقة فآثر الإرشاد بتعليمها على الانتفاع بما اعتقده الناس من وجاهته، وأيقنوه من عظم منزلته عند ذوى السلطان.