الأدب
ماذا لو رأى عباس محمود العقاد تمثال “مصر تنهض”؟
انشغلت صفحات التواصل الاجتماعى، مؤخرا، بتمثال “مصر تنهض” للدكتور أحمد عبد الكريم، فبعدما نشر الفنان صور لتمثاله انهالت عليه التعليقات السلبية، لكن اللافت للانتباه أن بعض هذه التعليقات راحت تعقد مقارنة بين تمثال “مصر تنهض” وتمثال “نهضة مصر” .. وفى رأيى هي مقارنة ظالمة من كل الوجوه.
في البداية أعتقد أن المقارنة جاءت بسبب تشابه الاسمين، وهذا أكبر خطأ ارتكبه أحمد عبد الكريم، فقد كان يحق له أن يسمى تمثاله أي اسم ولا حاجة لربط الاسم بـ مصر، خاصة أن التمثال لا علاقة له بالنهوض ولا بغيره.
وفى هذا السياق أريد فقط أن أشير إلى قصة توضح الفارق في طريقة التفكير بين الحالتين:
فى سنة 1920 اجتمع عدد من الفنانين والمثقفين ليشاهدوا الإبداع الذى صنعه النحات العظيم محمود مختار والعمل الكبير والمهم الذى شارك الشعب المصرى فى خروجه بعد الاكتتاب الذى تم إنه تمثال “نهضة مصر” وبدت الدهشة على وجوه الجميع فكيف لهذا الرجل “محمود مختار” أن يصنع هذه التحفة العظيمة، لكن رجلا واحدا لم يعجبه الأمر ورأى أن به عيبا خطيرا يقلل من الفن الرائع ومن العبقرية المتألقة للعمل، هذا الرجل هو عملاق الأدب العربى الذى كتب فى مجلة “السياسة” يعبر عن رأيه.
كتب العقاد يقول: “إن أبا الهول فى مشروع تمثال نهضة مصر لا يشبه فى شىء من ملامحه أبا الهول القديم الذى بناه الفراعنة، وإنما هو صورة منقولة عما فى معابد البطالمة اليونانيين من هذا التمثال، وإنه لمن الخطأ فى قصة الفن والتاريخ أن نختار لتصوير نهضة مصرية تمثالا بنته فى مصر أسرة أجنبية وعندنا تمثالنا ذلك العريق المهيب”.
لم يسيطر بريق التمثال على عينى العقاد فقد كان عقل الناقد مستيقظا واعيا، لكن الإبداع جاء من حيث لا يتوقع العقاد فالنحات العظيم محمود مختار لم يأخذه الغرور ولم يتكبر أو يغضب ويهاجم العقاد لكنه استجاب لنقد عملاق الأدب العربى وقام بتعديل تمثاله الذى تمت إقامته فى ميدان باب الحديد 1928 وذلك قبل نقله سنة 1955 إلى موقعه الحالى فى مدخل شارع جامعة القاهرة.
وبعد أن استقر للعقاد ما أراد وأصبح تمثال نهضة مصر “مصريا خالصا” كتب يحيى التمثال والفنان فى مقاله فى الجزء الثانى من كتابه ”ساعات بين الكتب” وتاريخ المقال كما ورد فى الكتاب 25 مايو سنة 1928، يقول العقاد فى تحية تمثال نهضة مصر: هذا التمثال هو أول عنوان يقرأه العابر فى ميادين القاهرة من كتاب نهضتنا، وقد كان العابر فى هذه العاصمة لا يقع على رمز واحد لروح مصر الحديثة، واليوم يتصل ما بين مصر الحديثة ومنف القديمة، ويتقارب ما بين أبى الهول الرابض وأبى الهول الناهض، وتنطق صخور مصر مرة أخرى بما أفاضته عليها روح مصر من ماضيها العريق وحاضرها المأمول.
ويتابع “العقاد” إن من ينظر الآن إلى وجه أبى الهول الذى أميط عنه الستار فى هذا الأسبوع يحمد للأستاذ مختار أنه أخرج أبا الهول فى صورة مصرية فرعونية تدل عليها الشفتان والأنف والذقن والخدان والعينان، ولم يجعله يونانيا كما كان عليه فى مشروعه الأول منذ ثمانى سنوات، أى سنة 1920.
ويتابع “العقاد”، إن تمثال نهضة مصر هو باكورة الرموز الفنية فى ميادين العاصمة، فلا يكون له معنى إلا إذا تبعته شواهد هذه النهضة فى غير تمثال واحد لمعانى الحياة القومية، ولا نغتبط به أعظم الاغتباط إلا إذا كان ترحيبا بما يتبعه من روائع التماثيل فى كل ميدان.
يقول العقاد: فى وقت واحد بزغت فكرة المصرف بمصر وفكرة التمثال، لأننا فى وقت واحد نهضنا للحرية والكرامة، وأحسسنا بالفاقة فى عالم المال وفى عالم الفن الجميل.
ومن ناحية أخرى انضم العقاد إلى جماعة الخيال عام 1928 وكونها محمود مختار وكانت تهدف لإحياء فن التراث وكان من أصدقاء هذه الجماعة التى كان من أعضائها والمازنى ومى زيادة.
بعد كل هذا لم يتخيل العقاد أن يأتى عام 2015 ويحمل له كارثة وإهانة فى أسوان مسقط رأسه حيث يتم تشويه تمثاله الذى قام به الفنان فاروق إبراهيم فى تسعينيات العام الماضى على يد موظفى المحليات فى أسوان.