معجم تاريخى للغة العربية يضم 17 قرنا فى تاريخ لغة الضاد
أعلنت الشارقة برئاسة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عن المشروع المعرفى الأكبر للأمة العربية، وكشفت عن إتمام مراحل العمل الأولى من “المعجم التاريخى للغة العربية” الذى يشرف عليه اتحاد المجامع اللغوية والعلمية فى القاهرة، بمشاركة 10 مجامع عربية، ليكون المعجم الأول الشامل فى تاريخ لغة الضاد.
ويأتى المعجم التاريخى انطلاقا من فكرة كثرة الألفاظ العربية التى لا نعرف أول من استعملها؟ وكيف اكتسبت معناها؟ وكيف صارت تشير إلى شىء أو إلى فعل أو دلالة؟ ومتى صارت مفردة مثل “جلس” بمعنى اعتدل فى قعدته؟ ومن أول من استخدم لفظة “طبيب” من العرب؟ وكيف دخلت بعض المفردات إلى العربية من لغات أخرى عبر القرون؟ وكيف تطورت بعض الألفاظ عبر التاريخ، وكيف هاجرت بعض الكلمات من لغة إلى لغات أخرى.
هذا ما تتولى مهمته المعاجم التاريخية للغات، وهذا ما ظلت تفتقر إليه اللغة العربية منذ نشوئها إلى اليوم، فعلى الرغم من المحاولات الأولى لتنفيذ هذا المشروع الكبير منذ بدايات القرن العشرين، إلا أنه تعطل ولم ير النور، وعلى الرغم من وجود جهات حاولت تبنى هذا المشروع إلا أنّ تأريخها لمفردات اللغة العربية ظل مقتصراً على 3 قرون من الزمن.
المنصة الرقمية لمشروع المعجم التاريخي للغة العربية
يؤرخ لـ 17 قرناً فى تاريخ اللغة العربية
وبعد سنوات من العمل، تمت خلالها أتمتة قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية باللغة العربية، يفتح “المعجم التاريخى للغة العربية” الباب واسعاً على 17 قرناً من الزمن، ليصل فى توثيقه لمفردات اللغة العربية إلى نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام، ويقود بذلك الباحثين إلى المصادر الأولى للغة، ويكشف عبر تتبّع منهجى كيف استخدمت كل مفردة عبر العصور: قبل الإسلام، والعصر الإسلامى من 1-132 هجرى، والعباسى، والدول والإمارات، والعصر الحديث.
ويكشف المعجم الذى يتولى مجمع اللغة العربية فى الشارقة إدارة لجنته التنفيذية برئاسة حاكم الشارقة، عن الانتهاء من التأريخ للأحرف الأولى من اللغة العربية، ومن المقرر أن ترى المجلدات الأولى النور فى نهاية 2020، معلناً أن المدة التقديرية للانتهاء من كامل المعجم تقدر بـ 6 أعوام.
من المنصة الرقمية لمشروع المعجم التاريخي للغة العربية
يشكل مكتبة تضم أكثر من 40 ألف كتاب ومصدر ووثيقة
ويشكل المعجم إلى جانب أنه يبحث ويوثّق لمفردات اللغة العربية مكتبة إلكترونية ضخمة مكونة من أمهات كتب اللغة والأدب والشعر والفلسفة والمعارف العلمية المتنوعة، تمكن الباحثين والقراء بعد الانتهاء من مراحل إعداده كاملة، الوصول إلى أكثر من 40 ألف كتاب ومصدر ووثيقة يعرض بعضها إلكترونياً للمرة الأولى فى تاريخ المحتوى المعرفى العربي.
ويعنى المعجم بإيضاح جملة من المعلومات الرئيسة هى: “تاريخ الألفاظ العربية”، حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقة منها وتقلّباتها الصوتية، ويقوم يتتبع تاريخ الكلمة الواحدة ورصد المستعمل الأول لها منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، ويعمل على توضيح “تطور المصطلحات عبر العصور”، ويرصد تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة فى اللغة المستعملة، والكلمات التى انقرضت وزالت من قاموس الاستعمال مع ذكر الأسباب المؤثرة فى ذلك، حيث يبحث عن تطور الكلمة عبر الزمان وعلى ألسن العرب وغيرهم من المتكلمين باللسان العربى منذ الجاهلية إلى يومنا هذا.
الدكتور امحمد صافي المستغانمي
إلى جانب ذلك، يختص المعجم بالكشف عن تاريخ نشأة العلوم والفنون، إذ يبحث مثلاً فى علوم اللسان العربى عن جميع العلوم التى نشأت تحت ظل البحوث اللغوية قديماً وحديثاً من نحو وصرف وفقه لغة ولسانيات وصوتيات وعلوم البلاغة والعروض وغيرها، ويرصد المصطلحات التى ولدت ونشأت وترعرعت فى رحاب هذه العلوم.
وقبل ذلك يقارن بين الألفاظ فى اللغة العربية وأخواتها الساميات مثل اللغة العبرية والأكّادية والسّريانية والحبشية وغيرها، وفى هذا المجال تمّ تكليف لجنة متخصّصة من علماء الساميات برصد أوجه الشّبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها فى تلك اللغات، وذكر الشواهد الحية التى تدلّ على ذلك مع توثيق للمصادر والكتب التى أُخِذت منها.
وحول أهمية المعجم، قال الدكتور امحمد صافى المستغانمى، أمين عام مجمع اللغة العربيّة بالشارقة: “مشروع المعجم التاريخى هو حلم الأمة العربية الأكبر، ومشروعها الأعظم، وحامل ذاكرتها الجماعية، وإنجازه سيحدث حركة عظيمة فى ميدان المعجميات، وسيعود بالعربية إلى أمجادها، ويبعث فيها الحياة من جديد، وإن كانت العربية لم تمت ولن تموت لارتباطها بوحى السماء”.
وأضاف محمد صافى المستغانمى، وليس من المبالغة القول إنه لا يوجد مشروع استقطب اهتمام اللغويين، ولفت انتباه عشاق لغة الضاد كما لفتهم مشروع المعجم التاريخى للغة العربية، ذلك لأن عدداً من اللغات العالمية قد أنجزت معجمها التاريخى خصوصاً ما يتعلق باللغات المتفرعة عن اللاتينية الأم، مثل الفرنسية والإنجليزية ومثيلاتها، وظل المشروع العربى يترنح بين عوائق ضبابية التخطيط، ومزالق ضخامة المشروع، وعوائق فداحة التكاليف المادية، ولا يخفى أن الذين أرخوا للغاتهم مثل الإنجليز والفرنسيّين والألمان والسويديين وغيرهم، فى الحقيقة أرخوا للغاتهم التى هى حديثة المولد مقارنة باللغة العربيّة التى هى ضاربة الجذور فى أعماق التّاريخ من لدن العرب العدنانيين الذين ينحدرون من أرومة إسماعيل عليه السلام إلى عصرنا الحاضر”.
مشروع المعجم التاريخي للغة العربية
وأشار الدكتور المستغانمى إلى أن الداعم الرئيس والراعى الأول والرئيس الأعلى لهذا المشروع الفذ هو العالم المؤرخ المثقف حاكم الشارقة، والرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، وهو يشرف على خطط التنفيذ إشرافاً مباشراً، ويتابع أعمال اللجان حاثّا ومُوجّهاً وناصحاً ومذللا للعوائق وممهّداً للسبل.
وفى هذا الإطار تقوم اللجنة التنفيذية التى يحتضنها مجمع اللغة العربية بالشارقة بجهود طيّبة وخطوات حثيثة لتسريع الإنجاز بالتنسيق مع اللجنة العلمية فى اتحاد المجامع.
مجمع اللغة العربيّة بالشارقة