قصة زجاجة العطر
قصه قصيره للكاتبه الصحفيه / باكينام قطامش
دخل الحجرة ثائرا محتدما ، ألقى فى وجهى زجاجة عطر رخيصة و هو يرغى و يزبد فى حدة و أنفعال
أنثرى على جسدك بعض هذا العطر ربما يقضى على تعفن مسام جلدك المهترأة .
ألتقطت الزجاجة فى خضوع و يأس ..و بدأت فى التجرد من ملابسى و أنا انثر العطر .. الرائحة تزكم أنفى ، من أين اشتراه بل من دله عليه ، لعلها إحدى ساقطاته كانت تتعطر به .. لكن ما الذى ذكره بجسدى اليوم ؟ ألم ينفض يده منه منذ زمن بعيد ؟ لماذا اليوم بالتحديد ؟ فى أى الأيام نحن ؟
أحاول التذكر بينما يستلقى هو عاريا تماما على الفراش ، يعبث بأوراق مهملة ملقاة إلى جواره على الأرض ، خشخشة الأوراق تكاد تدفعنى للجنون ، اتمنى لو أصرخ فى وجهه كى يكف عن عبثه ، بل يكف عنى و يتركنى لحرمانى و ذكرياتى التى أعيش بها أحلاما طالما تخيلتها تحدث فى الواقع .
يعاود صراخه فى حدة :،
ألن تنتهى أبدا لقد أصابنى الضجر من طول الأنتظار ….
صحيح .. لماذا اتلكأ ، القضاء ٱت لا محالة فلماذا لا أسرع حتى أنتهى ؟ و لكن كرامتى ، إنسانيتى ، رغباتى و ٱمالى فى اللقاء المتبادل ألا يعيرها إهتماما ؟
أضحك هازئة من نفسى ….
أى كرامة هذه ؟ إنه يملك هذا الجسد ، يستبيحه فى أى وقت ، و يهمله فى معظم الأوقات ، فى الماضى كنت أعترض و كانت صفعاته على وجهى تذكرنى بأن هذا هو حقه الشرعى و رفضى يعنى العصيان و النشوز و التمرد ، و يهددنى بأن اى رجل اخر كان ليقتلنى جزاء هذا الرفض ، يا ليته فعل .. ليرحمنى من إستمرار علاقة تمتهن ٱدميتى فى كل لحظة ،
وقعت زجاجة العطر من يدى لتتناثر شظاياها على ارضية الغرفة و إذا به ينتفض فى عنف و ينهال على جسدى العارى بلكماته حتى فقدت القدرة على الصراخ أو الدفاع عن نفسى ،
عاد ليستلقى على الفراش و هو يلهث و يأمرنى بجمع قطع الزجاج بسرعة و اللحاق به ، لمعت أمام عينى احدى القطع المتناثرة تنادينى .. تناشدنى أن افك أسرى و أسرها ، خبأتها وراء ظهرى و توجهت بثقة نحو الفراش .. أبتسمت فتعجب ، لأول مرة أقبل على اللقاء بأبتسامة ، رد إبتسامتى بضحكة ساخرة و بنظرة وعيد أن إنتقامه اليوم سيكون أشد ، لم اشعر الا بيداى تنهالان على جسده طعنا و تمزيقا و هو يصرخ محاولا الهروب بنفسه بعيدا عن مرمى ضرباتى ، حاصرته و أستماتت أناملى على قطعة الزجاج التى التصقت بشرايينى و كأنها تأبى هى الاخرى الانفصال عنى قبل أن تتم مهمتها كنت أتلذذ بمرأى إنبثاق الدم من بين ثنايا جلده .. دمه أسود بلون الحبر .. يا ترى هل يتلون الدم بأفعال صاحبه ؟ ام أن قسوة الالم تحيله فى عينى إلى هذا اللون القاتم ؟
سكن جسده بعد معاناة مضنية و تمزقت أواصر صلته بالحياة فهدأت أنفاسى و أستقرت نبضات قلبي بعد ان أصابها الهذيان لفترة طويلة ، عادت إبتسامتى مرة أخرى إلى وجهى لقد أستطعت فى النهاية ان اقول لا و فى هذه المرة الى الابد .
كانت هذه هى القصة التى رويتها للقاضى عندما سألنى عن دوافعى للقتل ، فتصبب جبينه عرقا ، و تلفت حوله فى حيرة
قلبه و وجدانه يصدقاننى لكن عقله و ضميره يأبيان تركى حرة ، لابد من قصاص و فى مثل هذه القضايا العدل صعب و معرفة الحقيقة أصعب .
توالت اقوال شهود الاثبات و النفى و انا جالسة بهدوء أستمع و أقارن و أحلل و أحاورهم بينى و بين نفسى :
نعم كان يسبها و يضربها أمام الجميع .
لا انه كان يفعل هذا لأنها كانت تعارضه دائما .
و لكنها كانت تنفذ أوامره فى النهاية إنها تستحق الرأفة .
نهاية تمرد المرأة هو الطغيان و الجريمة عاقبوها بأقصى عقوبة حتى ترتدع مثيلاتها .
قتله حلالا لقد كان على علاقة بالكثيرات .
هنا صرخت من وراء القضبان :،
لا … ليس هذا هو السبب .. كنت أتمنى لو تكررت علاقاته لأنه لم يكن يتذكرنى الا عندما تخلو حياته من امرأة اخرى .
أزدادت حيرة القاضى و أخذ ينظر فى عيون الرجال الغاضبة و عيون النساء المشفقة و هو يردد بينه و بين نفسه :
كم منكم صورة طبق الاصل من القتيل ؟ و كم منكن تحلم بأن تكون مكان هذه المتهمة فى القفص ؟
ألتفت القاضى تجاهى يسألنى لٱخر مرة :
هل أنتى نادمة على جريمتك؟
فرددت بنبرات واثقة :
لو كان فى مقدورى أن اقتله الآف المرات بعدد أنفاسه التى كانت تجثم فوق صدرى لفعلت .
يستسلم القاضى و يردد :
إذن لا فائدة من إلقاء المزيد من الاسئلة تؤجل القضية إلى يوم ……..
ابادره بسرعة قبل أن يتم جملته :
أرجوك يا سيدى القاضى كلمة أخيرة قبل نهاية الجلسة .
يجيبنى قائلا :
ماذا تريدين ؟
أردد فى نبرات حزينة :
أتوسل إليك لا تخفف حكمك أنا اريد الاعدام فلا تحرمنى من رغبتى الأخيرة فى حياة كريمة بعد الموت .
تلمع عيناه ببارقة أمل فيرد بسرعة :
لأنك نادمة ؟
أجيبه فى ثقة :
بل لأننى لا اريد ان أتذكر لحظات لقائى معه .