سامي شرف يكتب: عبد الناصر والقوى الناعمة (2-3)
عمل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تدعيم العلاقة بالسيدة أم كلثوم باعتبارها ثروة قومية ليس لها مثيل فى التاريخ الحديث على مستوى العالم العربى بل وعلى المستوى العالمى أيضاً ..
وإن كانت هذه العلاقة تكاد تكون بنفس الدرجة مع محمد عبدالوهاب وكان أحد أحلامه الذى تحقق فى 1964 أن يجتمع هذين القطبين فى عمل مشترك يجسد الأصالة والعظمة للفن المصرى والعربى وكانت البداية فى « انت عمرى» . وقد كان لها قصة أخذت من الوقت والجهد والإصرار من جانب عبدالناصر ، كما شرفت أن أشارك فيه بنفسى معهما حتى يتحقق هذا الحلم ، وفى الحقيقة فإننى قد فاتحت محمد عبدالوهاب سنة 1963 بناء على مكالمة بين عبدالناصر وبينى وقال لى « اعرض على عبدالوهاب أن يلتقى مع أم كلثوم فى عمل مشترك ، ثم فى نفس الوقت نبهنى بألاّ اضغط عليه لأن مثل هذه الأمور لاتولد بالرغبات أو بالتعليمات ولكن تنبع من ذاتهم بقناعاتهم الشخصية.
وأذكر أننى عندما فاتحت عبدالوهاب فى هذه الفكرة أن قال لى : ” هذه الفكرة قد تنجح وقد تفشل وأنا أحلم بها فعلاً وفى نفس الوقت آمل أن يجئ هذا اليوم الذى ألتقى فيه مع ثومة”
ولما نقلت رأى عبدالوهاب للرئيس قام بمفاتحته هو والسيدة أم كلثوم فى عيد العلم سنة 1963 وقال لهما :
“إمتى حانسمع لك لحن تغنيه الست
” وكان رد عبدالوهاب : ” حاضر يا سيادة الريس ” .
كما كان رد أم كلثوم ” يا ريس أنا مستعدة وجاهزة أغنى أى لحن لمحمد”
وكانت “أنت عمرى” ، والتى تبعها بعد ذلك لمدة عشر سنوات روائع أخرى ساهم فيها هذان العملاقان.
ولقد كان تعليق عبدالناصر على لقاء العملاقين :
” لقد استطاع فن محمد عبدالوهاب وفن أم كلثوم أن يجمّع العرب من المحيط إلى الخليج”
كانت علاقة أم كلثوم بعبد الناصر منذ قيام الثورة علاقة قوية جداً ، وكانت تتردد على منشية البكرى فى أى وقت وفى كثير من الأحيان بلا مواعيد تلتقى بالعائلة أو بأى أحد منا، تتصل تليفونياً لتعرض رأى أو فكرة أو مشكلة أو نقد قد يعنّ لها أن ينقل للرئيس بلا حساسيات ، وكنا نعتبرها دائماً من أهل منشية البكرى.
ملاحظــــــــة :
علمت أن الزعيم الراحل عبدالناصر كان يهوى سماع أم كلثوم حتى قيام الثورة وقت أن كان ضابطاً صغيراً بالجيش وحين تقدم لخطبة المرحومة السيدة الفاضلة تحية كاظم حرم الزعيم قدم لها مجموعة من أسطوانات أم كلثوم كهدية لها .. رحمهم الله أجمعين .
ولعل الكثيرين لايعلمون أن أم كلثوم قد أدت أغنية يوم 10 يونيو 1967 بعنوان “إبقى” وسمّاها البعض “حبيب الشعب” وهى من تأليف صالح جودت وتلحين رياض السنباطى ـ ولدى شريط خاص لتسجيل هذه الأغنية تم فى صالون منزل أم كلثوم فى هذه الليلة . كما أنى أحتفظ بشريط آخر لأم كلثوم يسجل لها أغنية ” رسالة إلى الزعيم” تم تسجيلها بعد رحيل عبدالناصر وهى من تأليف نزار قبانى ومن تلحين رياض السنباطى.
وبالمناسبة فإن أم كلثوم قد قدمت أغنية ” باسم مين يا خارجين” ، وذلك فى أوائل شهر أكتوبر سنة 1961 وبالذات يومى 3و4 أكتوبر ، عقب الحركة الانفصالية بين مصر وسوريا والتى كان من كلماتها :
” باسم مين يا خارجين ع الشعب قمتم باسم مين ؟… باسم إسرائيل والاستعمار؟..
ولاّ باسم المأجورين … ولاّ باسم الشعب ؟ والشعب منكم برئ
… ده مستحيل تفريق قلوب المولى جمعها فى طريق”
لقاء مع أم كلثوم بدون موعد
مساء أحد الأيام بلا موعد مسبق أبلغنى محمد السعيد ـ سكرتيرى الخاص ـ أن الست وصلت وأنها تجلس فى الصالون الملحق بمكتبى ، فقمت وتوجهت إلى الصالون لأجد السيدة أم كلثوم تجلس وبيدها مروحة تُهوِّى بها على وجهها ، حيث لم يسعف الوقت محمد السعيد لتشغيل جهاز التكييف ليسارع بإبلاغى بوصولها.. كانت الابتسامة الهادئة على وجه الست عندما جلست إلى جوارها وبادرتنى قائلة:
أنا آسفة يا أستاذ سامى إنى جيت بدون موعد ولكنك إنت اللى قلت لى من قبل إن مافيش مواعيد بينى وبينك وإنى أقدر أقابلك على طول ..
فقلت لها : ياست وأنا مازلت عند كلامى وأنا تحت أمرك..
فقالت يا سيدى؛ محمد الدسوقى عايز منك خدمة ، وانت طبعا عارف وضعه فى الشركة.
فقلت : محمد حسب علمى ماشى كويس ومافيش أى شكوى منه خالص.
فقالت : ما هو علشان هو ماشى كويس أنا باترجاك إنك تتكلم مع الوزير بتاعه ليرقيه.
فقمت ورفعت سماعة التليفون وطلبت الدكتور عبدالعزيز حجازى وزير الخزانة ـ فى ذلك الوقت ـ واستفسرت منه فى حضور الست عن وضع محمد الدسوقى ، فقال لى أنه من العناصر الشابة الواعدة ، فلما استفسرت منه عن إمكانية ترقيته، قال لى أنه من جانبه لا اعتراض على الترقية بل إنه يؤيد ترقيته ، ولكن المشكلة أنه ليس هناك بند فى الميزانية يسمح بتنفيذها ، فشكرته وأنهيت المكالمة.
اندهشت الست لإنهائى المكالمة دون الوصول إلى قرار أو مجادلة بينى وبين الدكتور حجازى ، فقلت لها إن حل مشكلة محمد الدسوقى ليس فى قدرة الوزير ولكن تحتاج لقرار من الرئيس لكى يتجاوز الوزير أحد مواد الميزانية لتتم ترقية محمد .. وقلت للست إنى سأعرض الأمر على الرئيس وسأبلغها بما ينتهى إليه قراره.
وفى تلك اللحظة أضاءت اللمبة الحمراء بما يفيد أن الرئيس على الجانب الآخر من الخط التليفونى المباشر بينه وبينى فقلت : أفندم . قال الرئيس : فيه عندك حد يا سامى ـ وكان دائماً يسأل هذا السؤال قبل الاسترسال فى المكالمة ـ فقلت أيوه يافندم عندى الست! فطلب التحدث معها وبعد الاطمئنان على صحتها وأحوالها أبلغته بالموضوع ، فقال لها الرئيس : طيب إدينى سامى..
وأمرنى الرئيس بالاتفاق مع حجازى على تسوية موضوع ترقية محمد الدسوقى . وقمت من فورى وأمام أم كلثوم بالاتصال به وأبلغته بأوامر الرئيس وتمت ترقية محمد الدسوقى.
وبعد نكسة 1967 وعندما قررت السيدة أم كلثوم المساهمة بدور إيجابى لدعم المجهود الحربى والقيام بزيارات للخارج لإقامة حفلات يكون دخلها أحد أركان المساهمة فى هذا المجهود ، قرر الرئيس جمال عبدالناصر أن تمنح السيدة أم كلثوم جواز سفر دبلوماسى، وكانت سابقة لم تحدث من قبل فى تاريخ مصر ، ولم تتكرر حسب علمى..
وقد قمت بإبلاغ هذا القرار للسيد محمود رياض الذى كلف أحد أعضاء إدارة المراسم بوزارة الخارجية بالتوجه إلى منزل السيدة أم كلثوم لتسليمها جواز السفر ، وعندما اتصلت فى نفس الوقت بالسيدة أم كلثوم لإبلاغها بهذا القرار ، احتبس صوتها تأثراً وهى تشكرنى إزاء هذه اللفتة من الرئيس جمال عبدالناصر.
وإن كانت هذه العلاقة تكاد تكون بنفس الدرجة مع محمد عبدالوهاب وكان أحد أحلامه الذى تحقق فى 1964 أن يجتمع هذين القطبين فى عمل مشترك يجسد الأصالة والعظمة للفن المصرى والعربى وكانت البداية فى « انت عمرى» . وقد كان لها قصة أخذت من الوقت والجهد والإصرار من جانب عبدالناصر ، كما شرفت أن أشارك فيه بنفسى معهما حتى يتحقق هذا الحلم ، وفى الحقيقة فإننى قد فاتحت محمد عبدالوهاب سنة 1963 بناء على مكالمة بين عبدالناصر وبينى وقال لى « اعرض على عبدالوهاب أن يلتقى مع أم كلثوم فى عمل مشترك ، ثم فى نفس الوقت نبهنى بألاّ اضغط عليه لأن مثل هذه الأمور لاتولد بالرغبات أو بالتعليمات ولكن تنبع من ذاتهم بقناعاتهم الشخصية.