
أبو الغار يقدم وثائق تنشر لأول مرة عن وباء الإنفلونزا وأثره على ثورة 1919 ومؤتمر باريس
الرئيس الأمريكى ويلسون وافق على إعلان الحماية البريطانية على مصر وهو مصاب بالإنفلونزا
التقارير الرسمية أخفت تدهور الحالة الصحية للرئيس بعد إصابته بالفيروس الذى أودى بحياة 50 مليون شخص
مؤرخ أمريكى: ويلسون أصيب بارتفاع شديد فى درجة الحرارة وعانى من الهلوسة والتهيؤات
حين أصيب الرئيس الامركي دونالد ترامب بفيروس كورونا او كوفيد 19،قبل ايام، ودخل المستشفى ظهرت تساؤلات عن خطورة تأثير الأمراض على تفكير وتركيز الرئيس وقدرته على اتخاذ القرارات، وصاحبها الحديث عن أهمية دقة التقارير الطبية عن حالة الرئيس، والتى كانت مصدر قلق وعدم ثقة من البعض فى حالة ترامب.
وأشارت الأستاذة والكاتبة منى أنيس على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك إلى احتمال تأثير وباء الإنفلونزا الذى قتل 50 مليون إنسان فى عامى 1918 و 1919 على قرارات الرئيس الأمريكى الراحل ويدرو ويلسون الذى أصيب بالفيروس وهو فى باريس لحضور مؤتمر الصلح فى نهاية الحرب العالمية الأولى. ثم وجه المهندس إبراهيم المعلم السؤال لي طالبا الإجابة لنشرها فى الشروق.
وحيث إن الوثائق التى تخص التاريخ المصرى فى الكثير منه غير موجودة فى مصر لأسباب مختلفة، أو هناك صعوبة فى الاطلاع عليها، فكان أن لجأت إلى الأصدقاء فى الجامعات الأمريكية التى تحوى أقسام التاريخ بها كل شىء قديم وحديث عن مصر. فوصلتنى وثائق ومعلومات من عدة مصادر أهمها ما أرسله لى الدكتور كريستوفر روز فى أقل من 24 ساعة.
أبدأ بما نعرفه فى مصر، وهو القبض على سعد زغلول وصحبه يوم 8 مارس 1919 ونفيه إلى جزيرة مالطا، وقيام ثورة 1919 فى اليوم التالى، وقام المندوب السامى الجديد إللنبى بإلغاء قرار النفى والسماح للزعماء المصريين بالسفر إلى باريس يوم 7 إبريل، وسافر وفد مصرى إلى مالطا يوم 11 إبريل واصطحبوا سعد زغلول إلى مارسيليا، ووصلت الباخرة هناك يوم 19 إبريل ليكتشفوا أن ويلسون وافق على قرار بريطانيا باستمرار الحماية على مصر، وتناسى تماما نقاطه التى أعلنها عن حريات الشعوب وحق تقرير المصير.
السؤال الأول: هل كان مرض ويلسون بالإنفلونزا وحالته الصحية سببا فى تخليه عن مبادئه التى سبق أن أعلنها؟ التقرير الطبى المنشور فى عدد النيويورك تايمز الذى حصلت عليه، والمؤرخ يوم 4 إبريل 1919 يقول إن الرئيس أصيب بدور برد شديد، وقال الأدميرال جرايسون، طبيبه الخاص، إنه ربما يكون قد أصيب بإنفلونزا بسيطة، وإن الرئيس ملازم حجرته ويتناول غذاءً خفيفا، وهناك ارتفاع بسيط فى درجة الحرارة، وأن الرئيس كان مجهدا من العمل المستمر فى الأسبوع السابق. ولكن المؤرخ تيموثى نافتالى قال فى برنامج الصحفى الأمريكى الشهير فريد زكريا الذى أذيع فى محطة CNN قبل أيام، إن الرئيس ويلسون أصيب بالفيروس وأن حرارته ارتفعت من يوم 3 إبريل واستمرت أعلى من 40 درجة لمدة 4 أيام، وكان عنده حالة هلوسة وتهيؤات، وهو أمر شديد الخطورة، وبعد أسابيع قليلة أصيب بجلطة وشلل وتوفى بعد عدة شهور.
ويقول المؤرخ إنه فى حالة ويلسون وحالة ترامب لم يكن التقرير الطبى دقيقا، عكس حالة الرئيس ريجان عند إطلاق الرصاص عليه وعند إصابته بسرطان القولون، وكذلك عندما أصيب الرئيس أيزنهاور بالذبحة الصدرية.
السؤال الثانى: ما هو تاريخ الموافقة الرسمية على إعلان الحماية على مصر؟.
لم يعلم المصريون شيئا عن الموافقة إلا حين وصولهم إلى مارسيليا يوم 19 إبريل. فى الأوراق البرلمانية التى تلقيتها والخاصة بلويد جورج رئيس الوزراء البريطانى فى ذلك الوقت يوجد خطاب يؤكد أنه تم الاتفاق يوم 15 إبريل فى مجلس الخمسة الكبار فى باريس على تأكيد استمرار الحماية البريطانية على مصر. وهناك خطاب آخر بتاريخ 18 إبريل بأنه تمت الموافقة يوم 17 إبريل فى اجتماع وزراء الخارجية على ما طلبته بريطانيا بخصوص الحماية على مصر ،وما طلبته فرنسا بخصوص المغرب، وفى يوم 15 إبريل ألقى لويد جورج كلمة فى لندن محددا مطالب بريطانيا من استمرار الحماية على مصر، وأنه قابل ويلسون آخر مرة يوم 11 إبريل. ويعنى ذلك أن الموافقة النهائية الموقعة تمت يوم 17 إبريل.
السؤال الثالث: متى وافق ويلسون على استمرار الحماية على مصر والاتفاق على ذلك مع لويد جورج مخالفا لمبادئه المعلنة قبل ذلك، وهو ما تم بالتأكيد قبل الاجتماعات الرسمية يومى 15 و 17 إبريل؟ متى تم ذلك وكيف تم الاتفاق ولماذا؟ الإجابة على هذا السؤال الصعب موجودة فى مقالة طويلة فى الصحيفة الإيطالية الشهيرة كورييردى لاسيرا الصادرة من ميلانو بتاريخ 5 إبريل 1919 وهى مترجمة إلى الإنجليزية. المقالة تعبر بوضوح عن المرارة التى تشعر بها إيطاليا وفرنسا من طريقة إدارة مؤتمر السلام بواسطة ويلسون بأن يكون الصلح أمريكيا، وتعتقد الصحيفة أن تأخير الصلح خمسة شهور بعد انتهاء الحرب أدى إلى غموض فى المواقف ونهايات غير سعيدة سوف تؤثر على مستقبل فرنسا وإيطاليا. ثم قالت الصحيفة نحن موافقون على إنشاء عصبة الأمم على أن يكون لها جيش قوى وقدرة على إيقاف أى معتد. وقال، لقد وصلنا مؤتمر السلام نحن الأوروبيين بدون خطة واضحة للسلام، ثم اتهم بريطانيا صراحة بأنها خانت حلفاءها فى أوروبا ووجدت أن مصلحتها فى التحالف مع أمريكا، وهو ما فعله لويد جورج مع ويلسون بإنشاء الحلف الأنجلو ساكسونى واستفادت بريطانيا بأن أغمضت أمريكا أعينها عن مصر وأيرلندا وأصبح هذا التحالف الأقوى والأهم، وأصبحت فرنسا وإيطاليا فى عزلة وضعف مالى وتركوا أوروبا معرضة للانهيار الاقتصادى ومخاطر البولشفية.
إذن واضح أن هذه المقالة نشرت مباشرة قبل مرض ويلسون وواضح أن هناك اتفاقات غير معلنة بين لويد جورج وويلسون على تأييد الحماية على مصر والتخلى عن مبادئه. وهنا يمكن أن نفكر بأن الإفراج عن سعد زغلول والسماح للوفد المصرى بالسفر يوم 7 إبريل حدث بعد الاتفاق الأنجلوساكسونى على استمرار الحماية، قبل إعلانه. والتفكير البريطانى هو أن الإفراج عن زغلول كان سوف يؤدى إلى تهدئة الأجواء فى مصر وإجهاض الثورة، بينما تستمر الحماية، وهو ما حدث جزئيا لأن الإفراج عن سعد زغلول أدى إلى الابتهاج والفرحة وإلى هدوء نسبى فى الشارع المصرى. ويفسر ذلك لماذا لم يقابل ويلسون الوفد المصرى الذى وصل بعد توقيع الموافقة على الحماية فماذا سيقول لهم؟ !!.
السؤال الرابع: هل أدى مرض ويلسون الشديد والذى لم يشف منه تماما، وترك أثرا على قدرته على التفكير، إلى تغيير أى مسار بالنسبة للحماية على مصر؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال لأنه يوجد احتمال بأن ويلسون لم يكن موافقا بالكامل على كل طلبات بريطانيا، وهو فى حالته الصحية الطبيعية، وبعد مرضه فى آخر مقابلة مع لويد جورج يوم 11 إبريل استطاع رئيس الوزراء البريطانى إقناعه بكل ما يريد، بسبب سوء حالته الصحية. وإذا كان ذلك صحيحا فإن وباء الإنفلونزا يكون قد أثّر على مسار ثورة 1919 تأثيرا كبيرا. وهناك احتمال آخر بأن التحالف الأنجلوساكسونى كان الشىء الأهم بالنسبة لأمريكا فتركت ونسيت كل المبادئ، ووافقت بسهولة على استمرار الحماية على مصر.