اللواء محمد إبراهيم: مصر تسير بخطوات ثابتة نحو مزيد من التقدم والتنمية
وكتب اللواء محمد ابراهيم، في مقالة له بعنوان (رؤية بانورامية للتحركات المصرية)، نشرت اليوم الثلاثاء على موقع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: “من الطبيعي عندما أتحدث عن الدولة المصرية أن أكون متحيزًا بل شديد التحيز من منطلق اعتبارات الولاء والالتزام والواجب والحق والوطنية، إلا أنني سوف أحاول في هذا المقال التجرد من مسألة التحيز وانتقل إلى الحديث عن مصر من خلال رؤية بانورامية سريعة عن مواقف وحقائق لتوضيح أين تقف مصر الآن، وكيف تتعامل بنجاح مع خريطة المصالح على المستويين الإقليمي والدولي في خضم عالم نعيشه ولا يعنيه سوى مصالحه فقط ولو على حساب أية مبادئ أو قيم”.
وقال: “وحتى يكون تقييمنا لتحركات الدولة المصرية تقييمًا موضوعيًا يجب أن نبدأ بتوضيح طبيعة محددات الموقف الداخلي خلال المرحلة الحالية والتي يمكن الإشارة إلى أهمها فيما يلي: تمتع مصر بأهم عوامل الاستقرار والأمن مما أضفى حالة واضحة من الاطمئنان على الوضع المصري بشكل عام، وتحقيق إنجاز غير مسبوق في مواجهة الإرهاب وأصبحت التجربة المصرية في هذا المجال مثالًا ونموذجًا عمليًا يُحتذى به، ومواصلة إعادة بناء الدولة المصرية على أسس حديثة استنادًا إلى عدة أسس هامة ومتنوعة من بينها إقامة المشروعات العملاقة وبناء المدن الجديدة ونهضة غير مسبوقة في مجال الطرق على مستوى مصر كلها، ودعم منظومة الإصلاح الاقتصادي في مسار متواصل وناجح أدى إلى تقدم الدولة وتحقيق معدلات تنمية جيدة شهدت لها المؤسسات الدولية ولا تزال هناك طفرات قادمة في مجال التصنيع والتصدير والاستثمار والزراعة”.
وأضاف: تأسيس ودعم مشروعات التكافل الاجتماعي بكافة أنواعها بالتوازي مع مبادرات “100 مليون صحة” وتوسيع دوائر التأمين الصحي التي تقوم بها الدولة حتى يكون هذا المسار بمثابة عنصر توازن مع مسار الإصلاح الاقتصادي وأية نتائج مترتبة عليه، ومواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا بشكل ناجح يضاهي بل يزيد على العديد من الدول الأكثر تقدمًا مع الاستمرار في الاستعدادات لمواجهة أية تطورات غير محسوبة لهذه الأزمة.
وإتمام انتخابات مجلسي الشورى والنواب في إطار هادئ ومنظم تمهيدًا لبدء الدور الوطني المنوط بهذه المؤسسات وهو ما يوفر -في الوقت نفسه- المجال الملائم أمام إجراء الانتخابات المحلية خلال المرحلة القادمة، والتحديث المتواصل والمدروس للقدرات العالية للقوات المسلحة المصرية التي أصبحت أقوى جيوش المنطقة حتى تكون على أهبة الاستعداد لتنفيذ أي تكليفات من القياة السياسية يتطلبها الحفاظ على الأمن القومي المصري في الداخل أو الخارج”.
وتابع: وإذا انتقلنا إلى المستوى الإقليمي فسوف نلاحظ أن هناك تطورات إيجابية تُحسب لصالح تنامي قوة وتأثير الدور المصري، والاشتباك الموضوعي مع كافة القضايا الهامة، الأمر الذي يمكن توضيحه فيما يلي: قيام مصر بدور رئيسي في وضع الأزمة الليبية على أول المسار الصحيح للحل السياسي ومن المؤكد أن ما يتحقق الآن من إنجازات في الاجتماعات التي ترعاها الأمم المتحدة حتى ولو كانت إنجازات محدودة، تعود إلى الرؤية المصرية الشاملة التي تم طرحها في إعلان القاهرة الصادر في السادس من يونيو من هذا العام، والتي كانت بمثابة مبادرة ليبية-ليبية تتماشى في كافة جوانبها مع المبادرات الدولية المطروحة لحل هذه الأزمة.
والتمسك بموقف ثابت لا ولن يتغير بالنسبة لحل أزمة السد الإثيوبي، ومفاده أن من حق إثيوبيا الحصول على التنمية الاقتصادية وتوليد الكهرباء ولكن بشرط رئيسي هو عدم الإضرار بحقوق مصر المائية، وهو ما يمثل لمصر خطًا أحمر ولا تزال مصر حريصة رغم كل المعوقات على الوصول إلى اتفاق عادل ومنصف ومتوازن من خلال المفاوضات بما يحقق مصالح الأطراف الثلاثة المصرية والسودانية والإثيوبية.
ودعم وتطوير العلاقات مع دولة السودان في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية منذ سقوط نظام “البشير” ويمكن الوقوف هنا عند أهم التطورات الأخيرة التي تمثلت في الزيارة المهمة التي قام بها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي للخرطوم في أغسطس من العام الجاري على رأس وفد وزاري موسع، وكذا كون مصر شريكًا مهمًا في دعم اتفاق جوبا للسلام الموقع في أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى المناورات العسكرية الجوية التي تمت بين البلدين لأول مرة على الأراضي السودانية في إطار التدريبات العسكرية المشتركة (نسور النيل / 1).
وتبني الموقف الفلسطيني العادل إزاء التسوية السياسية والمتمثل في ضرورة استئناف التفاوض بهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تعيش جنبًا إلى جنب في أمن وسلام واستقرار بجوار دولة إسرائيل.
ومواصلة الجهود المصرية المميزة والمتفردة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، ولا شك أن اجتماعات مسئولي حركتي فتح وحماس في القاهرة يمكن أن تساهم -إذا ما توافرت الإرادة السياسية الحقيقية- في تمهيد الطريق أمام إنهاء انقسام استمر أكثر من ثلاثة عشر عامًا.
والحفاظ على علاقات مميزة في كافة المجالات مع دول الخليج العربي -فيما عدا قطر– تلك المنطقة التي تمثل بالنسبة لمصر إحدى أهم دوائر حركتها الخارجية المرتبطة بالأمن القومي المصري، وتحقيق شراكة مميزة ومتسارعة مع كل من الأردن والعراق لتكون شراكة نوعية تحقق المصالح الاستراتيجية للدول الثلاث.
وتحويل منتدى غاز المتوسط الذي تأسس في يناير 2019 إلى منظمة دولية حكومية للغاز، وذلك في سبتمبر 2020 ومقرها القاهرة، تضم العديد من الدول العربية والأوروبية وإسرائيل وبعض الدول الأخرى كمراقب بهدف الاستفادة من الثروات الطبيعية في منطقة شرق المتوسط، وإنشاء سوق غاز إقليمية بما يتماشى مع القانون الدولي.
والقيام بدور مهم لحل الأزمات الإقليمية الأخرى، سواء في سوريا أو اليمن أو لبنان, بالإضافة إلى دعم العلاقات المصرية مع دول المغرب العربي، والحفاظ على علاقات متوازنة مع إسرائيل التي تربطنا بها معاهدة سلام منذ أكثر من أربعة عقود ومازلت على قناعة بأن مصر وهي ترحب باتفاقات التطبيع الإسرائيلية التي تمت مع بعض الدول العربية مؤخرًا تظل قادرة على الحفاظ على وضعيتها المميزة في المنطقة بل وفي العالم، والتي لا يمكن أن تتأثر بأية اتفاقات مهما كانت طبيعتها.
وتابع: أما على المستوى الدولي فيمكن الإشارة إلى أن مكانة مصر على المستوى الدولي لا تقل عن مكانتها على المستوى الإقليمي، وذلك في إطار ما يلي: أن مصر لديها علاقات جيدة للغاية مع كافة الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، حيث تتواصل مشاورات القيادة السياسية المصرية مع قيادات هذه الدول لبحث القضايا العديدة ذات الاهتمام المشترك وفي مجالات مختلفة.
وتمتع مصر بعلاقات مميزة مع القوى الكبرى ذات التأثير الدولي، وخاصة مع كل من روسيا والصين والهند واليابان ودول جنول شرق آسيا، وتأكيد الشراكة الثلاثية بين كلٍّ من مصر واليونان وقبرص، والتي انطلقت آلياتها من مصر منذ عام 2014 والتي شهدت حتى الآن عقد ثمانية اجتماعات قمة بين زعامات الدول الثلاث من أجل دعم العلاقات بينهم في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية، والتوافق على مواجهة التهديدات والمخاطر في منطقة شرق المتوسط.
واستكمال اتفاقات ترسيم الحدود البحرية التي تمت منذ فترة مع قبرص ثم مع اليونان في أغسطس 2020، والتي منحت لمصر حقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط تماشيًا مع القانون الدولي وفي مواجهة أية دولة تحاول أن تغتصب مناطق ليست من حقها.
والبدء في تنفيذ نقلة نوعية في مجال المناورات العسكرية الدولية، حيث توجهت مؤخرًا بعض القطع البحرية المصرية للمشاركة في تنفيذ التدريب البحري المصري الروسي المشترك (جسر الصداقة / 3) الذي ينفذ لأول مرة في البحر الأسود بين القوات البحرية للدولتين.
ودعم الأمم المتحدة كمنظمة دولية تهدف إلى الحفاظ على الأمن والسلم العالمي، مع المطالبة باتخاذ بعض الإجراءات والخطوات من أجل تفعيل دور ومهام هذه المنظمة الدولية، ودعم العلاقات المصرية مع كافة الدوائر الإفريقية والإسلامية، وهي الدوائر التي يتميز فيها الدور المصري تاريخيًّا واستراتيجيًّا.
ونأتي إلى العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة التي تشهد حاليًّا معركة غير مسبوقة مرتبطة بنتائج انتخابات الرئاسة وغير معلوم حتى الآن نهايتها، ولعلي أختلف تمامًا مع كل من يتخوف من علاقة مصر مع الإدارة الديمقراطية، وذلك في ضوء العوامل والمواقف التالية: أن العلاقات المصرية الأمريكية هي علاقات يمكن توصيفها بأنها علاقات استراتيجية لا تتأثر بطبيعة الإدارة الأمريكية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، لا سيما وأن الدولتين حريصتان على استمرار ودعم وتطوير هذه العلاقات.
وأن مصر لديها قيادة سياسية وطنية وخبيرة ومحترفة تعلم جيدًا خريطة المصالح المصرية على مستوى العالم، وهي قادرة على التعامل بنجاح كبير مع أي رئيس أمريكي، وأن الاختلافات في وجهات النظر أو في كيفية معالجة أية قضية بين مصر والولايات المتحدة تعد أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا، ولكن تظل استراتيجية العلاقة هي القادرة على احتواء هذه الاختلافات.
وأن مصر وقّعت معاهدة السلام مع إسرائيل في مارس 1979 في ظل وجود إدارة أمريكية ديمقراطية كانت شريكًا كاملًا في عملية السلام في الشرق الأوسط، بل كانت حريصة على أن تضع أسسًا عادلة للسلام العربي الإسرائيلي بشكل عام.
وأن أكبر صفقات للسلاح بين إسرائيل والولايات المتحدة تمت في نهاية الولاية الثانية للإدارة الديمقراطية للرئيس السابق باراك أوباما، وأن الإدارة الجمهورية برئاسة الرئيس جورج بوش الأب هي التي جمعت كافة الأطراف في الشرق الأوسط في مؤتمر مدريد للسلام عام 1990، وهي نفس الإدارة التي حددت في عهد الرئيس بوش الابن مبدأ حل الدولتين الوارد في خريطة الطريق التي طرحتها الرباعية الدولية في إبريل عام 2003.
وبالتالي ففي رأيي أن كل من لديه مخاوف من تعامل مصر مع الإدارة الأمريكية الديمقراطية المفترض أنها ستبدأ عملها في 20 يناير 2021، يجب أن يعيد حساباته، ليس فقط من منطلق تاريخ الدولة المصرية القوية التي تعد أقدم دولة عرفها التاريخ، ولكن أيضًا من واقع الوضعية الحالية التي تتميز بها مصر على كافة المستويات الداخلية والخارجية، والتي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر لا يمكن أن تبحث عن دور، بل إن الدور هو الذي يبحث عن مصر حتى يزداد قوة وفاعلية وتأثيرًا.
واختتم اللواء محمد إبراهيم مقالته بالتأكيد على أن مصر الدولة الإقليمية العظمى تسير بخطوات ثابتة نحو مزيد من التقدم والتنمية والتأثير في محيطيها الإقليمي والدولي، مما يجعلها قادرة على القيام بمسئولياتها والوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي كله، “وذلك في ظل ثلاثة عوامل رئيسية: أولها قيادة سياسية وطنية تعمل ليل نهار برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وثانيها منظومة العمل الجادة في المؤسسات التي تساعد سيادته وتنفذ الخطط الطموحة بجدية وأمانة، أما العامل الثالث فهو هذا الشعب العظيم الذي سيظل داعمًا للدولة ولاستقرارها ولقيادتها أملًا في حياة أفضل سوف تتحقق له بإذن الله.