أخبار مصر

العلاقات الاقتصادية المصرية الفرنسية.. شراكة من أجل تنمية مستدامة

بالتزامن مع الزيارة الرسمية الهامة التي يجريها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى باريس تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نلقي الضوء على عدد من مجالات التعاون المتطور في السنوات الأخيرة، بين بلدين عريقين، تعود العلاقات المباشرة بينهما إلى قرنين ونصف من الزمان، ويستشرفان مستقبلا أفضل لشعبيهما، انطلاقا من الماضي المكلل بالتعاون المشترك والاستفادة المتبادلة والتنسيق البناء في حقول شتى، والموقع الريادي لمصر في محيطها العربي والأفريقي ولفرنسا في محيطها الأوروبي ودورها العالمي، والأهمية الكبرى للتواصل بينهما كقوتين فاعلتين مؤثرتين في منطقة البحر المتوسط.

وترجع العلاقات المصرية الفرنسية إلى العصور الوسطى واتخذت تحولات عديدة بين الصراع والتحالف، ولعل من أبرز محطات هذا الصراع الاحتلال الفرنسي لمصر بين عامي 1798 و1801، بينما تأتي أهم محطات التقارب التاريخية مرحلة البعثات العلمية المصرية التي بدأها مؤسس محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، حيث اتجهت البعثات التسعة إليها فيما عدا السادسة والثامنة، بغرض تحديث بنية الدولة المصرية ونقل التكنولوجيا إليها ما بين عامي 1826 إلى 1847م، وهو ما أسفر عن بناء دولة مصرية قوية على النمط الأوروبي حتى بلغت قوتها أقصى الشرق.

واليوم تعود هذه العلاقات على تعدد أشكالها مجالاتها لتشمل الثقافة والسياسة والاقتصاد والأمن والدفاع من جديد لذات الغرض الأول، وهو تحديث وإعادة إحياء الدولة المصرية.

على رأس هذه العلاقات تأتي العلاقات الاقتصادية، حيث وقعت الدولتين ُمعاهدة الاستثمارات الثنائية بينهما عام 1974 كواحدة من أوائل الدول التي وقعت معها مصر هذا النوع من الاتفاقيات، ووقعت في عام 1986 وقد نصت على أن تمتد مدتها لعشرة سنوات فقط، وُتجدد ذاتًيا لنفس المدة إذا لم يعترض أحد الطرفين، ولذلك مازالت الاتفاقية سارية حتى اليوم، مما يدل على تحقيقها المصلحة المشتركة للطرفين وتتناول الاتفاقية جميع أوجه الاستثمار بين البلدين وُتشجع عليه.

وأسفرت الاتفاقية عن نمو الوجود الاقتصادي الفرنسي في مصر، لتبلغ عدد الشركات الفرنسية وتوابعها العاملة في الاقتصاد المصري نحو 160 شركة حتى عام 2017 وظفت أكثر من 30 ألف شخص، بحجم أعمال 3.4 مليار يورو، وتتمتع الشركات الفرنسية بمكانة قوية في القطاعات الرئيسية الاقتصاد المصري، مثل الصناعة، والاتصالات، والأغذية الزراعية، والمعدات الكهربائية، والأدوية، وتجارة التجزئة، واستغلال الهيدروكربونات، والسياحة، والبنية التحتية.

ويوضح الجدول التالي بعض أهم الشركات الفرنسية والقطاعات العاملة فيها بالاقتصاد المصري:

كما تدفقت الاستثمارات الفرنسية إلى الداخل المصري حتى في أسوء لحظات عدم الاستقرار حتى بلغ إجمالي ُمباشرة القادمة منها نحو التدفقات الـ 3 مليارات دولار في الفترة من 2009/2010 و2018/2019، من إجمالي نحو 58 مليار دولار تدفقت إلى مصر في ذات الفترة، وبنسبة 5% من إجماليها كما يوضح الشكل التالي:

كذلك استمر التبادل التجاري بين الدولتين لفترات طويلة منذ بداية الخمسينيات ورغم أنه يشهد موجات من الارتفاع والانخفاض، إلا أنه ظل في المجمل في اتجاه النمو خالل السنوات العشر الماضية، في الاتجاهين، ولعل أهم ما أثر عليه ما شاهدته مصر خالل الفترة 2011 :2014 من عدم استقرار اقتصادي وسيولة سياسية.

ويوضح الشكل التالي تطور التبادل التجاري بين الدولتين:

وتتميز الصادرات المصرية لفرنسا بأنها صادرات كثيفة الأيدي العاملة، فأهمها على الإطلاق هو الأسمدة، والذي بلغت إجمالي الصادرات منه في 2019 نحو 1.1 مليار دولار، اتجهت إلى فرنسا ما نسبته 13% تقريًبا منها بما إجماليه 9.141 مليون دولار، وفي 2020 حلت فرنسا في المركز الثاني بين الدول المستوردة للأسمدة المصرية بعد تركيا، ويوضح الجدول التالي تطور الصادرات المصرية من الأسمدة ونصيب فرنسا منها:

من بين أهم الصادرات المصرية إلى فرنسا كذلك تأتي مجموعة أسلاك الاشعال ومجموعات أسلاك أخرى من النوع المستعمل في السيارات والطائرات أو السفن والتي بدأت مصر تتوسع في إنتاجها وتوطن تكنولوجيا إنتاجها منذ عام 2016، حيث بلغت الصادرات منها إلى فرنسا في 2019 نحو 32 مليون دولار.

وخلال الأشهر الست الأولى من 2020 بلغت الصادرات إليها 6.11 مليون دولار، بعد ُكل من بريطانيا وسلوفاكيا، بالإضافة إلى ذلك تبرز فرص تصديرية إلى الأسوق الفرنسية بقيمة 429 مليون دولار، يمكن استغلالها لتوسيع التعاون بين الدولتين، ومن أبرزها ما قيمته 111 مليون دولار من الأسمدة، 28 مليون دولار من الملابس وخاصة الرياضية، 28 مليون دولار من اللادائن و22 مليون دولار من الميثانول (الكحول)، بالإضافة إلى 20 مليون دولار من الأثاث الخشبي وفًقا لمنظمة التجارة العالمية.

كما تعتبر فرنسا من أهم المقرضين لمصر، حيث تعتبر فرنسا ثالث أكثر الدول الأوربية إقراضا لمصر بعد ألمانيا، وبريطانيا، وخامس أكبر الدول غير العربية في العموم، حيث يشكل الدين المصري لفرنسا نحو 14% من إجمالي الدين الخارجي، يأتي ُمعظمها كدين طويل الأجل والذي انخفض إلى 33.1 مليار دولار في نهاية 2019 بعدما كان قد بلغ 1.72 مليار دولار، وكانت مصر قد اتفقت مع فرنسا على إعادة جدولة أجزاء من هذه الديون نظرا لما مرت به من ظروف قاسية خلال الفترة ما بين الثورتين وصلت هذه المبالغ في 2017 إلى 233 مليون دولار، ويوضح الشكل التالي توزيع الدين المصري على الدائنين:

في المجال التنموي تتعاون فرنسا مع مصر في بعض من أهم مشروعات البنية التحتية التي تمثل مرتكزا أساسيا للتنمية المستدامة ومن أشهرها على الإطلاق مترو الأنفاق، الذي نفذته شركات فرنسية ونقلت التكنولوجيا لشركات مصرية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وُتنفذ فرنسا هذه المشروعات التنموية عبر الوكالة الفرنسية للتنمية AFD التي تستهدف أسا ًسا تمويل ودعم وتسريع التحولات إلى عالم أكثر عدلا واستدامة، مع التركيز على المناخ والتنوع البيولوجي والسلام والتعليم والتنمية الحضرية والصحة والحوكمة.

ونفذت الوكالة أكثر من 4000 مشروع في الإدارات والأقاليم الفرنسية الخارجية و115 دولة أخرى، منها نحو 18 في مصر ُمنذ عام 2007، ويوضح أهمها الجدول التالي:


من الجدول يتضح أن الاتجاه الفرنسي ينصب على دعم جودة الحياة وتسهيلها بما يتماشى مع أهداف الوكالة الفرنسية، بحيث يركز على الأماكن المهمشة، والمشروعات التي تخدم قطاعات واسعة من المصريين، وفي ذات ترعي البعد البيئي وتعزز المساواة وتكافل الفرص.

مجمل ما سبق إذن يعطي القيادتين المصرية والفرنسية أساسا للعلاقات الخاصة في ظل التقارب السياسي والعسكري بين البلدين، وما يشوب منطقتي الشرق الأوسط والساحل والصحراء من تفاعلات توحد المصلحة السياسية للدولتين، في مواجهة فواعل عدم الاستقرار سواء من الدول أو ما دونها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *