أخبار مصر

من حجر رشيد حتى إعادة تأسيس الجامعة الفرنسية.. تاريخ ممتد من التعاون العلمي والثقافي بين القاهرة وباريس

بالتزامن مع الزيارة الرسمية الهامة التي يجريها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى باريس تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نلقي الضوء على عدد من مجالات التعاون المتطور في السنوات الأخيرة، بين بلدين عريقين، تعود العلاقات المباشرة بينهما إلى قرنين ونصف من الزمان، ويستشرفان مستقبلا أفضل لشعبيهما، انطلاقا من الماضي المكلل بالتعاون المشترك والاستفادة المتبادلة والتنسيق البناء في حقول شتى، والموقع الريادي لمصر في محيطها العربي والأفريقي ولفرنسا في محيطها الأوروبي ودورها العالمي، والأهمية الكبرى للتواصل بينهما كقوتين فاعلتين مؤثرتين في منطقة البحر المتوسط.

ما يزيد عن قرنين من الزمن، هي عمر العلاقات المصرية الفرنسية التعليمية والثقافية، وتمثلت المحطة الأولى في فك طلاسم حجر رشيد، على يد شامبليون سنة 1822، وقراءة اللغة المصرية القديمة، ما ساهم في التعرف على حضارة الفراعنة، وفهم ما تركوه من كتابات على جدران المعابد وعلى المسلات، حتى بات يدرس علم المصريات الآن في سبع جامعات فرنسية.

تلاها محطة أخرى شكلت ملامح مصر الحديثة، حيث أسس سليمان باشا الفرنساوي جيش مصر الحديثة وكلوت بك مدرسة الطب، وبعثات محمد علي وخلفائه من الأسرة العلوية للطلاب المصريين إلى فرنسا، لتلقي فن بناء السفن والملاحة ومناسيب الماء وصرفه والميكانيكا.

وفي عام 1844 تم إيفاد بعثة كبرى من 70 تلميذ لتلقي العلوم والفنون الحربية، وفي 1847 أوفد بعثة صغيرة من طلبة الأزهر لتلقي علم الحقوق. هذا فضلا عن بعثات صناعة النسيج والالات الجراحية وصناعة الأسلحة، والدباغة.

كما أهدى محمد على إحدى مسلات معبد الأقصر لنصبها في ميدان الكونكورد في باريس وكتاب وصف مصر الذي رسم به معظم الاثار الموجودة بمصر وقيام الفنان فيفان دنيون برسم كثير من النقوش في وادى الملوك وغيرها، وأصدر كثيرا من الكتب عن حضارتنا ما لفت نظر العالم لذلك الكنز التاريخي خاصة بعد كتاب وصف مصر وكتاب دنيون “رحلة”.

تاريخ ممتد من التعاون العلمي والثقافي

لم تكن بعثات محمد علي العلمية بدءا من رفاعة الطهطاوي وصولا إلى طه حسين وغيرهم، هي نهاية التعاون العلمي بين البلدين، بل كانت نقطة البداية لها، فمازالت حلقات التعاون مستمرة على مدار قرنين من الزمن، سواء في شكل بعثات أو استشارات فرنسية في بناء القناطر والجسور، والأبنية الهندسية، والمدارس، ومن أبرز هذه المحطات:

– توقيع اتفاقية إعادة تأسيس الجامعة الفرنسية في مصر، والتي تعد ركيزة للتعاون الأكاديمي المصري الفرنسي، وذلك بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في يناير 2019، وذلك بالتزامن مع بداية العام الثقافي “فرنسا- مصر 2019” والذي أطلق في اكتوبر 2017 بقرار من رئيسي الدولتين بمناسبة مرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس.

وتنص الاتفاقية التي تستمر لمدة عشرة سنوات، على أن الجامعة الفرنسية هي جامعة أهلية ال تهدف إلى الربح، وتخضع للمسئولية الأكاديمية المزدوجة ولإشراف وزيري التعليم العالي المصري والفرنسي.

ويهدف إعادة التأسيس إلى وضع برنامج شامل لتطوير الجامعة من خلال التوسعات في المباني وتحديث المناهج والمعامل، فضلا عن منح الخريجين شهادة مزدوجة من مصر وفرنسا، ما يجعلها ذات مستوى دولي متميز، بالإضافة إلى إتاحة أنماط متطورة في مجال التعليم بالجامعة، وفتح تخصصات جديدة والتسويق لها بشكل جيد، لجذب أكبر عدد من الطلاب.

وتستهدف جامعة خريجين وباحثين على مستوى راق للمنافسة في سوق العمل المحلي والعالمي. وتصل التكلفة الاستثمارية للتوسعات المستقبلية إلى 3.1 مليار منها مليار جنيه تكلفة الإنشاءات وتوسعات المباني. بالإضافة إلى 300 مليون جنيه، كتكلفة للمعدات والأجهزة الالزمة للجامعة.

ويذكر أنه تم إنشاء الجامعة الفرنسية في مصر عام 2002، كجامعة أهلية غير هادفة للربح، وتستقبل نحو 500 طالب.

– توقيع اتفاقية تعاون بين الأكاديمية الوطنية للتدريب والمدرسة الوطنية الفرنسية لإلدارة (ENA’L (بقصر الاتحادية في يناير 2019.

ضمن فعاليات زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، وفي إطار تدعيم التعاون بين البلدين في مجال الإدارة العامة والمساهمة في تعزيز العلاقات المصرية الفرنسية وتبادل الخبرات في مجال تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية للعمل العام والحكومي، وتم الاتفاق على تدشين برنامج المدرسة الوطنية المصرية لإلدارة (Egypt-ENA (الذي يهدف إلى اختيار وتدريب كبار الموظفين المستقبليين بالدولة لمواكبة تطور احتياجات الإدارة المصرية.

– اتفاقية ثنائية تستهدف دعم وتطوير المستشفيات الجامعية، وهي من أبرز الاتفاقيات المزمع عقدها خلال الفترة المقبلة، وتهدف إلى تطوير المستشفيات الجامعية، في الجوانب الفنية والبحثية والتدريبية ومن المقرر أن يتم وضع بنود بالاتفاقية المزمع إبرامها بين الطرفين تتعلق بتبادل الأطقم الطبية وكذا أعمال تطوير مستشفى قصر العيني الفرنساوي. ومركز زراعة الكبد بمستشفيات جامعة المنصورة.

فمن المتوقع الاستفادة من التجربة الفرنسية في تطوير المستشفيات الجامعية المصرية والبالغ عددها 115 مستشفى جامعي على مستوى الجمهورية.

– وبحث الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والسفير الفرنسي بالقاهرة، ستيفان روماتيه، أكتوبر الماضي، سبل التعاون بين البلدين في مجالات تدريب وتأهيل الكوادر العلمية والطبية المصرية من خالل برنامج «program training Strategic »في إطار الحرص على الاستفادة من الخبرات الاكاديمية الفرنسية.

– ووقعت في 2014، اتفاقية جديدة للتعاون بين مصر وفرنسا في مجال البحث العلمي حيث يوقع صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية التابع للوزارة برنامج منح تمويل مشترك مع الجانب الفرنسي، تقوم الحكومة الفرنسية بموجبها بدعم شباب الباحثين المصريين بمنح ما بعد الدكتوراه بحوالي 200 ألف يورو سنويًا 50 %من تكلفة البرنامج، كما يقدم مركز البحوث والتطوير الفرنسي منحة لدعم بعض الدراسات والأبحاث الخاصة بالمياه.

– تتطلع الوكالة الجامعية الفرنكوفونية (AUF) لإنشاء مقر إقليمي لها بالقاهرة بحلول العام القادم، لما له من دور في فتح قنوات جديدة للتعاون بين الطرفين. وتستقبل شبكة الكليات والشعب الفرانكفونية ما يقرب من 2500 طالب و150 بعثة تعليمية سنويا، والوكالة تعد واحدة من أكبر مؤسسات التعليم العالي والبحث في العالم، كما تعد المحرك الرئيسي لمجالي التعليم العالي والبحث العلمي، وتضم الوكالة ما يقرب من 990 جامعة وشبكات جامعية، ومراكز بحث علمي، وتضم عضوية الوكالة حاليا 19 جامعة مصرية، منها جامعات القاهرة، وعين شمس، والمنصورة، والإسكندرية، والجامعة الفرنسية بالقاهرة، وجامعة سنجور بالإسكندرية والموجود بها مكتب للوكالة في مصر منذ عام 1992

ومن المزمع إبرام اتفاقية بين مصر والوكالة الجامعية الفرنكوفونية، تهدف لتقديم منح لطلاب مرحلتي الماجستير والدكتوراة المصريين للدراسة بالخارج، بالإضافة إلى برامج للتدريب والتأهيل العلمي لسوق العمل.

أما عن التعليم قبل الجامعي، فتعليم اللغة الفرنسية بالمناهج المصرية تقليد دراسي قديم في مصر. وإلى جانب تعليم اللغة الفرنسية منذ المراحل التعليمية الأولى، فالمواد الأخرى غير التعليمية (الرياضيات والأحياء والفيزياء) يتم تدريسها أيضًا بالفرنسية في المدارس المصرية ثنائية اللغة. فيعد التعاون التعليمي واللغوي، وفي قلبه الفرانكفونية، أحد القطاعات ذات الأولوية بالتعاون الفرنسي-المصري.

وتضم الشبكة الفرانكفونية ثنائية اللغة، التي تعد حجر الزاوية في تعاوننا التعليمي، 37 ألف طالبًا موزعين في حوالي خمسين مدرسة، من مرحلة الحضانة حتى الثانوية العامة أغلبها المدارس الدينية، ومدارس ليسيه الحرية والمدارس الاستثمارية والتجريبية، الخ، ويعمل فيها حوالي 1600 معلمًا يقومون بالتدريس باللغة الفرنسية.

على الجانب الثقافي، يعد متحف اللوفر في باريس ثاني متحف يمتلك آثار مصرية في العالم بعد المتحف المصري، فيوجد به ما يقرب من 52 ألف قطعة آثار مصرية، وما يؤكد الولع الفرنسي بمصر أنه في عام ١٩٩٤ استقبل معرضا بعنوان “الهوس بمصر” في متحف اللوفر أكثر من ٢٠٤ آلاف زائر.

ولا ننسى رحلة مومياء الفرعون رمسيس الثاني لباريس في رحلة علاجه وهناك أربعون بعثة فرنسية تعمل في مصر في جميع أنحائها.

كما كانت فرنسا شريكا أساسيا في إنقاذ معابد النوبة من خلال وزير الثقافة الفرنسي الأسبق أندريه مالرو وعالمة المصريات كريستيان ديروش نوبلكور اللذين كانا لهما دور كبير في توعية المجتمع الدولي بضرورة التحرك للحفاظ على هذه الآثار وخاصة منظمة اليونسكو التي استجابت وقادت حملة دولية هي الأكبر في تاريخها.

وبمناسبة عام الثقافة الفرنسية في مصر 2019، تم إقامة عدة فعاليات مشتركة في شتى مجالات الفنون والآداب والموسيقى على امتداد العام، كما تم إقامة معرض عن قناة السويس يقام في متحف الفن الإسلامي، وتحل فرنسا كضيف شرف سيمبوزيزم النحت الدولي بمدينة أسوان.

كما تم تنظيم معرض توت عنخ آمون في باريس من 23 مارس وحتى 15 سبتمبر، حيث سيقام عرض فني كبير في باريس على هامش افتتاح رئيس الدولة الفرنسية للمعرض، الذي يقام بالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية والمعهد الفرنسي في مصر في قاعة “جرون هال دو ال فيليت” بفرنسا وسيضم حوالي 166 قطعة أثرية من كنوز مقبرة الفرعون الذهبي الملك الشاب توت عنخ آمون.

– تعد فرنسا من أكثر الدول المتواجدة أثريا في مصر من خلال بعثات دائمة مثل المعهد الفرنسي للآثار الشرقية IFAO ،هو جزء من شبكة المدارس الفرنسية في الخارج، وهو يقع تحت رعاية وزارة التربية والتعليم الفرنسية، وتتمثل مهمته في دراسة الحضارات المصرية، منذ ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث، ويضم نطاق عمله: وادي النيل، والدلتا، والواحات، والصحراء الشرقية والغربية، وسيناء، والبحر الأحمر.

والمركز الفرنسي المصري لدراسة معبد الكرنك CFEETK، ومركز الدراسات السكندرية CEAlex

ويشهد التعاون الثقافي المصري الفرنسي تطورا كبيرا، فهناك آلاف الطلاب يدرسون في حوالي 13 شعبة لغة فرنسية في العديد من الجامعات بمصر، إضافة إلى الآلاف من الدارسين في المعهد الفرنسي بمصر وحوالي 2000 دارس مصري في فرنسا حاليا.

يذكر أن المعهد الفرنسي في مصر (CCC) الذي تشكل على مراحل ابتداء من الأول من يناير 1996، أنشئ بعد دمج بعثة البحث والتعاون (MRC والمركز الثقافي الفرنسي القائم بالمنيرة ومصر الجديدة.

ومنذ الأول من يناير 1999، أدى تحويل المركز الثقافي الفرنسي في الإسكندرية إلى فرع لمركز الثقافة والتعاون ودمج القسم الثقافي التابع للسفارة الفرنسية مع المركز الفرنسي للثقافة والتعاون، إلى وجود بعثة ثقافية موحدة.

– ويوجد في مصر العشرات من المدارس الفرنسية المعترف بها والتي بدأ أغلبها كإرساليات في الماضي، كما يعد المركز الثقافي الفرنسي هو الجهة الثقافية الأولى والتي ينشر من خلالها خدماته للطلاب والدارسين، إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والفنية وإحياء التراث.

– وتشارك مصر في المعهد العربي بباريس، وهو مركز ثقافي جاء ثمرة تعاون بين فرنسا وبين اثنين وعشرين بلدا عربيا، ويغدو هذا المعهد اليوم “جسرا ثقافيا” حقيقًيا بين فرنسا والعالم العربي.

ما يزيد عن قرنين من الزمن، هي عمر العلاقات المصرية الفرنسية التعليمية والثقافية، وتمثلت المحطة الأولى في فك طلاسم حجر رشيد، على يد شامبليون سنة 1822، وقراءة اللغة المصرية القديمة، ما ساهم في التعرف على حضارة الفراعنة، وفهم ما تركوه من كتابات على جدران المعابد وعلى المسلات، حتى بات يدرس علم المصريات الآن في سبع جامعات فرنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *