نبيل فهمي وزير الخارجية السابق يكتب: تقييم قمة حسن النوايا والوضع العربي
عقدت يوم ٥ يناير قمة دول مجلس التعاون الخليجى فى مدينة العلا شمال غرب المملكة السعودية الشقيقة، بحضور أعضاء مجلس التعاون وبمتابعة اقليمية ودولية واسعة، ورغم تداعيات ومشاكل العالم بعد ظهور وانتشار فيروس كوفيد ١٩ الجديد انعقد الاجتماع حضوريا، وليس من خلال وسائل الاتصال الالكترونية، مثلما كان الحال عند استضافة المملكة قمة دول الـ٢٠.
وأرى أن الدعوة للاجتماع رغم كل التحديات الصحية والدولية والاقليمية، وانعقاده حضوريا له عدد من الدلائل الهامة، بعضها غير سياسى، ومنها أن المملكة السعودية على قناعة بأن لديها الإمكانيات وتستطيع ضبط الترتيبات اللازمة من الناحية الطبية والصحية لحسن إدارة هذا المحفل، دون تعريض ضيوفها من الشخصيات والوفود القيادية لمخاطر صحية، وأنها على ثقة انها تستطيع أيضا حماية مواطنيها من نقل العدوى إليهم نتيجة لهذا الحضور، وربنا يؤمن ويطمئن الجميع.
ومن الدلالات الاخرى والتى ارحب بها بشدة كانت أن مؤسسة مجلس التعاون والدولة المضيفة والحضور العربى المشارك يقدرون أهمية وخطورة الموضوعات والقضايا التى تواجهها الساحة الخليجية، ومن ثم شرعوا للاجتماع رغم كل الصعاب، وقدروا اهمية التباحث والتحاور ليس فقط حول القضايا التى حظت بمتابعة اعلامية كبيرة مثل المصالحة القطرية مع المملكة والإمارات والبحرين ومصر، أو التوترات مع إيران، وانما كذلك الوضع فى اليمن، وكيفية التعامل القادم مع الرئاسة الأمريكية الجديدة، التحديات الشرق أوسطية الاقليمية التى تتجاوز الخليج ذاته، مثل تعثر مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وهدم أسس عملية السلام، والساحة السورية، والوضع فى ليبيا، وغير ذلك من التحديات، المرتبطة بتداعيات فيروس كوفيد الجديد صحيا واجتماعيا واقتصاديا.
وهناك مغزى مهم من المتابعة العربية والدولية الواسعة للقمة من خارج الخليج العربى، وهو انه تعبير عملى بأن هناك عددا من القضايا الإقليمية التى تحظى بالاهتمام اللازم والعاجل التى تعنى الدول الخليجية وغيرها من الدول العربية داخل وخارج الاطار الخليجى، منها الممارسات الخشنة التركية، والسياسات الهيمنية الايرانية والتعنت الاسرائيلى، وأضيف اليها وأشدد على اهمية تقييم الدول العربية لترتيباتها الامنية وطنيا وبالتعاون مع دول اقليمية ودولية، وللتصدى للمخاطر على الامن القومى الوطنى والخليجى العربى وعبر العالم العربى.
ووفرت القمة وكواليسها الموازية فرصة مواتية لمناقشة أسلوب التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ازاء احتمال أن تسلك إدارة بيدن مواقف مختلفة، بعضها ايجابية وبعضها سلبية، علما أن كلاهما سيكون له انعكاسات على المصالح العربية الوطنية المنفردة وعلى التوازن والاستقرار والامان الاقليمى.
ومن اهم الموضوعات التى فى اذهان القادة الخليجيين والعرب عبر العالم العربى، حتى اذا لم يعلنوا عن ذلك صراحة، هى ضرورة تقييم جدوى ومصداقية واستمرارية الضمانات الأمنية الأمريكية للأشقاء العرب، بعد أن تغيرت الأولويات الدولية، مع انخفاض اعتمادها على البترول العربى، وانتهاء الحرب الباردة السوفيتية الأمريكية بشكلها التقليدى، وعلما انه بعد غزو العراق تتجه الولايات المتحدة نحو حصر دورها فى الشرق الأوسط فى حدود مصالحها المباشرة واولوياتها قصيرة الاجل، تاركة مساحة أكبر لدول المنطقة لترتيب اوضاعها، وظهر ذلك تحت رئاسة جمهورية وديمقراطية فى والولايات المتحدة، وبرز بشكل خاص خلال الإدارة التى كان ينتمى إليها بايدن، عندما أشار الرئيس أوباما إلى أن على السعودية وإيران إيجاد وسيلة لترتيب اوضاعهما والتعامل مع بعضهما البعض.
من السابق لأوانه اعلان نجاحات بالغة للقمة أو التشكيك فى انجازاتها، ولن نستطيع الجزم بالنتيجة الا بعد مرور فترة من الزمن فى حدود ستة أشهر تقريبا، لأن العبرة ليست فى الاعلانات الصادرة عن القمة فحسب، أو الانجازات التى تتحقق خلال ايام القمة والتى بطبيعتها تكون محدودة، فمن المفترض أن يسبق القمم نشاط دبلوماسى تمهيدى سعيا لخروج القمم بنتائج ايجابية.
وقد شهدنا بالفعل جهدا كويتيا حول العلاقات بين قطر والمملكة والإمارات والبحرين ومصر، وفتح المجال الجوى والبرى بين السعودية وقطر، وانما التقييم الموضوعى والجاد هو فى مدى التزام الاطراف بما اتفق علية فى ممارساتها المستقبلية، ومدى تعاونها فى التصدى للمخاطر الذى تهدد المنطقة، وهنا يلاحظ ان وزير الخارجية هو الذى وقع على بيان العلا نيابة عن مصر وليس رئيس الجمهورية، وذلك تأكيدا على التزامها بتحقيق التوافق العربى من جانب، ورغبتها فى التريث ومتابعة التزام الاخريين بالاتفاق وتجنب التدخل فى الشئون الداخلية للدول من جانب اخر.
لذا أرى أن انعقاد القمة الخليجية فى حد ذاته هو نجاح جزئى، لأنه يعكس تقدير سليم لحساسية الاوضاع والمواقف، وضرورة مناقشتها والتعامل معها جماعيا بقدر الامكان، والنجاح الثانى كان التعبير عن حسن النوايا وهو توجه طيب، وانما النجاح الحقيقى والممتد للقمة هو فى ان تتبع اعلانات حسن النوايا اجراءات عملية ثابتة لتجنب الممارسات التى اثارت الخلافات فيما بين قطر والمملكة والإمارات والبحرين ومصر، ومن الاهمية ايضا اتخاذ خطوات لترجمة ما تضمنه البيان عن دعم القدرات الامنية للدول الخليجية والعربية، وخاصة لمواجهة المخاطر الاقليمية من دول غير عربية، وارى من الاهمية كذلك ضرورة استعداد العرب مبكرا ببعض الاقتراحات المحددة المطلوبة من الجانب الايرانى، وكذلك من اسرائيل فى معالجة المخاطر السياسية والنووية فى الشرق الاوسط، وايضا بإجراءات تمهد لبناء الثقة وخلق ظروف مواتية لحوارات جدية مع تركيا.
هذا وقد استوقفنى خلال متابعة الاعداد للقمة وخلال انعقادها غياب أى مؤشرات على الترتيب لانعقاد اجتماعات قمة عربية شاملة رغم كل المخاطر والتحديات، وتساءلت؛
كيف نفسر توقف القمم العربية حضوريا أو حتى عبر الوسائل الالكترونية!
وهل هناك وئام عربى وشرق أوسطى يعفينا عن الانعقاد؟… لا أعتقد ذلك.
هل غياب القمة العربية نتيجة لتعدد المشاكل والخلافات؟ وإذا كان كذلك فهذا يتناقض مع الغرض الأساسى لها وهو التعامل مع التحديات وصيانة المصلحة العربية.
هل يرى العالم العربى أنه محصن من المخاطر والتهديدات؟ وكيف يكون ذلك والكثير من القضايا محل البحث فى القمة الخليجية تخص المصالح العربية، وتهم العرب وتؤثر فى حاضرهم ومستقبلهم؟
هل تعذر الانعقاد بسبب عدم توافر دولة مضيفة للقمة؟… وهو ما أراه مبررا غير منطقى وواهيا، فهناك مقر دائم لمنظمة الجامعة العربية بالقاهرة، والمطارات المصرية لازالت ــ والحمد لله مفتوحة وعاملة ــ ومنظمة يمكن ويجب أن تكون المنظم الرئيسى للقمة وترتيبها حضوريا أوعن بعد، بالتنسيق مع دولة المقر إذا تعذر ايجاد رئاسة نشطة للمجموعة العربى.
وليس من المبالغة القول إن عدم الاهتمام بترتيب قمة عربية أو تعذر ذلك يثير تساؤلات كثيرة وخطيرة حول الوضع العربى، وضع يتطلب المراجعة الجادة والمصارحة الكاملة بشكل عاجل، إذا كنا على قدر المسئولية تجاه مصالح شعوبنا العربية ومستقبل واستقرار المنطقة، وحفاظا على القليل المتبقى من مصداقية العالم العربى كتجمع سياسى له مصالح وحقوق وتطلعات، باعتباره طرفا فى منطقة الشرق الاوسط له الاغلبية فيها.
وأرى أن الدعوة للاجتماع رغم كل التحديات الصحية والدولية والاقليمية، وانعقاده حضوريا له عدد من الدلائل الهامة، بعضها غير سياسى، ومنها أن المملكة السعودية على قناعة بأن لديها الإمكانيات وتستطيع ضبط الترتيبات اللازمة من الناحية الطبية والصحية لحسن إدارة هذا المحفل، دون تعريض ضيوفها من الشخصيات والوفود القيادية لمخاطر صحية، وأنها على ثقة انها تستطيع أيضا حماية مواطنيها من نقل العدوى إليهم نتيجة لهذا الحضور، وربنا يؤمن ويطمئن الجميع.