هجرة الأطباء.. مشكلة محتملة تؤرق بولندا وسط ضغوط جائحة كورونا
“لقد سئمت الكفاح المستمر مع النظام”، هكذا تقول باتريشيا ماتشوك، وهي طبيبة شابة مقيمة في أحد مستشفيات الأطفال في العاصمة البولندية وارسو وأم لثلاثة أطفال.
وتقول ماتشوك، وهي واحدة من أطباء بولنديين عديدين يفكرون في مغادرة البلاد، إن العدد الهائل من العقبات التنظيمية والمالية التي تواجهها، يجبرها وآخرين مثلها على التفكير في الهجرة.
وتضيف أنه قد تكون هناك مشكلة في طلب الأدوية، فعادة ما تكون المستشفيات في ضائقة مالية شديدة ولا يستطيع المرضى الثقة في الحصول على سرير. كما أن هناك عجزا في الأطباء والممرضات والعاملين في مجال الإنقاذ الطبي، بجانب الافتقار إلى البرامج الوقائية الواسعة.
وبحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تقل نفقات بولندا على الرعاية كثيرا عن معظم الدول الأوربية الأخرى، فقد استقر الرقم في 2019 عند 6.2% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يقل بنقطتين عن المتوسط في الاتحاد الأوروبي وأقل كثيرا من نسبة الـ11.7% التي تنفقها ألمانيا، أكبراقتصاد في التكتل.
وقالت ماتشوك لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): “نحن ببساطة كأطباء نريد أن نؤدي واجباتنا بشكل جيد، وأن نعالج المرضى بمستوى نعرفه من الأدبيات المهنية. ومع ذلك، لا تتوافر لنا هذه الفرصة غالبا. فمن الصعب عليك أن تعمل.. عندما لا تتمكن من تلبية دعوتك”.
وكشفت جائحة فيروس كورونا عن جميع أوجه العجز في نظام الرعاية الصحية البولندي، بما في ذلك نقص عدد الموظفين وزيادة تدهور توافر الرعاية الصحية للمرضى غير المصابين بكوفيد 19، حسبما أفادت الطبيبة الشابة.
وأشارت إلى ارتفاع معدل الوفيات في ذروة الإصابات بفيروس كورونا في الخريف.
وخلال الفترة بين تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في البلاد في أوائل مارس ونهاية عام 2020، توفي نحو 400 ألف شخص في بولندا، مما يعني ارتفاع معدل الوفيات بمقدار 70 ألفا مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. ومع ذلك، وفقا للأرقام الرسمية، فإن وفيات فيروس كورونا شكلت ما يقل قليلا عن 29 ألف حالة وفاة زائدة.
ويقول بارتوش كوزمالسكي من شركة “فوتور 1” ومقرها دوسلدورف، التي تستعين بالأطباء للعمل في ألمانيا، إنه من بين المشاكل التي تدفع بالأطباء البولينديين بعيدا، هو مدى سوء معاملتهم.
ويضيف أنه يتم تجاهل ملاحظاتهم التي يقدمونها إلى رؤسائهم، وحياتهم العملية يتم ترتيبها بشكل سيئ ويعملون داخل نظام يسمح للموظفين بالالتفاف على لوائح وقت العمل.
وحسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2020 “نظرة سريعة على الصحة” فقد قدّم الطبيب البولندي ما يقرب من 3200 استشارة في عام 2018 مقارنة بنحو 2300 استشارة في ألمانيا و656 في السويد.
كما أن بولندا لديها أقل نسبة لعدد الأطباء لكل 100 ألف شخص من السكان في الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت تلك النسبة 238 طبيبا في 2017.
ويؤكد كوزمالسكي إن رحيل الأطباء لا يتعلق بالرواتب.
وفي سياق متصل، قال رافال هولوبيكي، المتحدث باسم الغرفة الطبية العليا في بولندا، إن ارتفاع الرواتب ربما كان عاملا عندما دخلت بولندا الاتحاد الأوروبي في عام 2004 وكانت الفروق في الأجور أكبر بكثير.
وأضاف هولوبيكي لـ(د.ب.أ): “الأهم من ذلك هو إمكانيات التطوير المهني التي توفرها الدول الغربية. كما يرغب الأطباء البولنديون في الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة، وأن يكون لديهم وقت للحياة الطبيعية والخاصة”.
وترى ماتشوك الأمور بالمثل وتقول: “أفكر في عملي وتطوري المهني، ولكن أيضا في مستقبل أطفالي إن الجمع بين الحياة الأسرية وحياتي المهنية مهم جدا بالنسبة لي”.
وتراجع عدد “شهادات حسن السير والسلوك” الصادرة عن الغرفة الطبية العليا في بولندا، وهي وثيقة ضرورية للطبيب لبدء العمل في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي ، على نحو تدريجي. ففي حين تم إصدار ما يقرب من 2100 شهادة في عام 2005، وهو أول عام كامل في عضوية الاتحاد الأوروبي، تم إصدار 460 شهادة فقط في أول 11 شهرا من عام 2020. ومع ذلك، قد لا يستمر هذا الاتجاه.
وقال هولوبيكي، لـ(د.ب.أ): “يتزايد الإحباط في القطاع الطبي”.
وأضاف: “لن يغادر الأطباء في خضم الجائحة ليتركوا مرضاهم، لكن يمكنك أن تسمع في الوسط الطبي أن عددا متزايدا من الأشخاص ينظرون في هذا الخيار عندما يستقر الوضع”.
ويؤكد بارتوش كوزمالسكي أن شركته ترى “اهتماما متزايدا” بخدماتها. وقال لـ (د.ب.أ) “إنها زيادة كبيرة مقارنة بعام 2019”.
ومع كشف الجائحة عن العجز في الأطقم الطبية في بولندا، تبحث البلاد عن حل شرقا، حيث تعد ظروف عمل الأطباء أسوأ. وقبيل العام الجديد، وقع الرئيس البولندي أندريه دودا قانونا يسهل الاعتراف بشهادات الدبلوما للأطباء من خارج الاتحاد الأوروبي.
ولدى شركة أوبتيموس وورك، المعنية بالبحث عن الكفاءات، ما يقرب من 500 طلب بالفعل من أطباء على استعداد للعمل في بولندا، حوالي 80% من أوكرانيا و20% من بيلاروس، وفقا لمالك الشركة، كاسبر جاسينيكا-بيرسين.
ويتم إغراء الأطباء بالأجور المرتفعة وفرصة العمل بالمعدات الحديثة، ولكن هناك دوافع سياسية أيضا، حيث يشعر بعض الأطباء البيلاروسيين بالقمع من قبل حكومة ألكسندر لوكاشينكو، حسبما يقول ممثلو شركات البحث عن الكفاءات.
لكن المسار الأسهل لاستقدام أطباء من خارج الاتحاد الأوروبي أثار المخاوف محليا.
ويحذر رافال هولوبيكي من أن معايير التحقق من مؤهلات الطبيب “أقل مما هي عليه في حالة أطباء الداخل ومستوى التحقق من مهاراتهم اللغوية غير كاف كذلك”.
ويضيف: “هذا أمر مقلق، خاصة بالنظر إلى أنه قد يهدد صحة وحياة مرضانا”.