محطات هامة من المسيرة الفكرية للمؤلف طارق البشري
– كتب ومؤلفات ناقشت ظواهر أساسية في المجتمع المصري بفترات تاريخية مختلفة
بعد مسيرة فكرية ودستورية شهدت العديد من المحطات الثرية، رحل عن عالمنا أحد أهم المفكرين المصريين وهو المستشار طارق البشري، والذي شغل منصب النائب الأول السابق لرئيس مجلس الدولة، وكان رئيسًا للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لعدة سنوات، وترأس لجنة التعديلات الدستورية في أعقاب ثورة 25 يناير 2011.
ولم تخل حياة البشري من الرصيد الكبير للمنجزات الفكرية والمؤلفات الهامة النوعية، والتي تستعرض جريدة «الشروق» أبرزها في تقريرها التالي الذي يرصد دور البشري في إثراء النقاش حول تاريخ الحركات السياسية في مصر، والأبعاد الوطنية بين المسلمين والأقباط، وإحداث تدفق فكري في الدراسات المختلفة حول مفهوم الديمقراطية، بخلاف بصمة فكرية بارزة فيما يتعلق بالتجديد في التشريع الإسلامي.
• «الحركة السياسية في مصر 1945 – 1952»
أحد المؤلفات الهامة التي سعى فيها «البشري»؛ للكشف عن حقيقة أوضاع الحركة الشعبية بأحزابها المتباينة وعن الأرضية الصلبة التي قامت عليها أبرز السياسات الوطنية قبل ثورة 23 يوليو، مع إيضاح الحجم الذي كانت الحركة الشعبية وشكل تأثير الأحزاب والتنظيمات المختلفة، وكذلك بيان الأصول التاريخية للسياسات الوطنية بعد 23 يوليو.
ويتناول الكتاب بالنقاش المفصل الأبعاد التاريخية التي أحاطت للفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، وصولًا إلى قيام ثورة يوليو، والتاريخ لذلك عبر مسارين للماضي والحاضر، مع نشاط بحثي مكثف لتأصيل المادة التاريخية، بما يظهر كاتب صاحب مؤلفات غنية وشغله الشاغل في المقام الأول هو مجتمعه وترقية أحواله بالاستفادة من أخطاءه.
• «المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية»
سلط الكتاب الضوء بشكل أساسي على أن قوى الاستبداد والاستعمار كانت هي التي تقف دائما وراء إثارة النزاعات الطائفية والنعرات العنصرية؛ لأنها هي المستفيد الأول والأوحد من الخلاف والخصام بين المسلمين والأقباط؛ لأن هذا هو أحد أهم السبل التي تضمن للمستبد أو المستعمر بقاء واستمرار بسط نفوذه وسطوته وسيطرته على مقاليد المجتمع المصري.
وقد جاء نصًا في فصل “السياسة البريطانية والتفرقة الطائفية” صـ145:
“واصطناع الخلافات الطائفية أمر لازم لتأكيد سلطة الحكم الاستبدادي وتسويغ وجوده، إذ يظهر هذا النوع من الحكومات بمظهر الحَكم والفيصل بين جماعات شعبية معادية أو غير متجانسة، ويسوّغ وجوده لدى كل منها بوصف أنه الحارس لها الكفيل بسلامتها من جور الجماعات الأخرى”.
وعلى مدار الكتاب الضخم دأب طارق البشري، للإجابة على سؤال يتعلق بهل كون أزمة الهوية الجامعة للمصريين، هي الهوية القومية أم الهوية الدينية، قبل أن يعيد التأكيد على نفي التناقض بين القومية والدين، واحتضان القومية للدين واستيعاب الدين للقومية، واستدل على ذلك بالعديد من المواقف التاريخية وبأقوال العديد من المفكرين الإسلاميين والقبط.
• «الدولة والكنيسة»
«ونحن الآن في العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين، ما أشبه وضعنا بوضع أسلافنا في العشر الأولى من القرن العشرين؛ من حيث السيطرة الأجنبية على مقدرات السياسات الرسمية في كلا ظرفي الزمان المذكورين، ومن حيث سعى أعداء الأمة لتفكيك قوة تماسكها وبعثرتها، هكذا عبر المستشار طارق البشري في كتابه».
وأضاف فيه: «ولكنني يمكن أن ألحظ أن ما نجحنا به في تجاوز أزمات الماضي هو ما سنستطيع به تجاوز أزمات الحاضر إن شاء الله سبحانه».
والمؤلف يرصد في كتابه المستجدات التي طرأت على العلاقة بين الدولة في مصر وإدارة الكنيسة القبطية في السنوات الأخيرة، ويعد الكتاب أحد أهم المؤلفات في صلب موضوع الجماعة الوطنية، بعد كتاب «المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية» سنة 1981، وكتاب «الجماعة الوطنية.. العـزلة والاندماج» عام 2005، وثالثهما الدولة والكنيسة.
• «سعد زغلول يفاوض الاستعمار»
يضع لنا طارق البشري شخصية سعد زغلول تحت المنظار في هذا الكتاب، ويبين كيف أثر فيه التكوين القانوني من حيث المناورات والإصرار أمام التعنت البريطاني على أن استقلال مصر لا يتجزأ.
وفي الكتاب الذي يقع الكتاب في 215 صفحة، من القطع المتوسط، وكتبت مقدمته الدكتورة لطيفة سالم، مقرر اللجنة العلمية لمركز الدراسات التاريخية بدار «الشروق»، واعتمد البشري في استقاء معلوماته على مصادر ومراجع متنوعة أبرزها: «الوثائق الإنجليزية غير المنشور والمحفوظة بوزارة الخارجية البريطانية، والوثائق المصرية المنشورة، والتقارير والمذكرات والخطب والدوريات، وما كتبه المصريون والإنجليز المعاصرون للأحداث، وبهدف تعزيز الاستفادة.
• «الوضع القانوني المعاصر بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي»
يرى «البشري» أنه منذ القرن التاسع عشر، تفاعلت ثلاثة عناصر كان من شأن إحداث خللا في البناء التشريعي وهياكله وأنساقه في أقطار الدولة العثمانية عامة، وهي الجمود الفكري، والسياسي، والغزو الاستعماري.
وأشار إلى أن الأزمة لم تكن في أحد الأبعاد منفردة من هذه العناصر كمصدر للاضطراب، ليتطرق بعدها بالسرد والشرح والتفسير لكل من تلك العناصر، وأولها جمود الوضع التشريعى والمقصود بالجمود هنا هو ما آل إليه الجهد الاجتهادي في تلك الأحكام من جمود، وثاني هذه العناصر ما أوجبته أوضاع الصحوة الاجتماعية والسياسية من طروء الحاجة الماسة لإصلاح الأوضاع والنظم وتجديدها، وثالث هذه العناصر هو الغزو الأوروبي السياسي والاقتصادي ثم العسكري.
• «الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952 – 1970»
جاء الكتاب في 6 فصول هي على الترتيب الأوضاع السابقة على 23 يوليو، تشكل ملامح حركة الضباط الأحرار، ومعالم النظام السياسي، ونظام الحكم، وأزمة النظام، وخاتمة وتعقيب.
ويعيد المستشار طارق البشري، في هذا الكتاب رسم صورة نظام 23 يوليو على نطاق أوسع مما تم تقديمه في دراسات أخرى، فيتتبع في ذلك دور الجيش المصري في السياسية العامة في مصر وخاصة في لحظات الأزمات السياسية التاريخية التي تعيد تشكيل المجتمع وخريطته السياسية من بداية تأسيس الدولة الحديثة في عصر محمد علي ودور الجيش المحوري في مشروعه وانتفاضة الجيش على النخبة الأجنبية الحاكمة للبلاد وللجيش في 1881 بزعامة أحمد عرابي.
وواصل بعدها البشري، السرد والمعالجة إلى الأوضاع التي أحاطت بتنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش في منتصف القرن العشرين وإطاحته بالنظام الملكي وبالحياة السياسية السابقة بالأحزاب والحركات السياسية وبالدستور، وإعادة تشكيل الخريطة السياسية والقيادة العامة للبلاد، مرورًا بتبرير غياب الجيش المصري عن المشهد السياسي في ثورة 1919 نظرًا لوجوده بكامل قوته في السودان.
كما أبدع المستشار طارق البشري، في مؤلفات أخرى لا تقل أهمية عما تناولناه سابقا، بعناوين تحمل: «قراءات فكرية، وهموم وطنية، والحور الإسلامي العلماني، وبين الإسلام والعروبة، وثورة 25 يناير، والصراع حول السلطة”.
ولم تخل حياة البشري من الرصيد الكبير للمنجزات الفكرية والمؤلفات الهامة النوعية، والتي تستعرض جريدة «الشروق» أبرزها في تقريرها التالي الذي يرصد دور البشري في إثراء النقاش حول تاريخ الحركات السياسية في مصر، والأبعاد الوطنية بين المسلمين والأقباط، وإحداث تدفق فكري في الدراسات المختلفة حول مفهوم الديمقراطية، بخلاف بصمة فكرية بارزة فيما يتعلق بالتجديد في التشريع الإسلامي.