كيف ولد النص الدستوري للمساواة بين الرجل والمرأة في القضاء؟ المضابط تتحدث
• مسودة المادة 11 فتحت الباب لمناقشة ضمان تمثيل المرأة في البرلمان والمحليات فقط
• اقتراح من ضياء رشوان ليشمل تمثيل المرأة في سلطات الدولة الثلاث ومنها القضائية
• ذو الفقار تعود بالمقترح مرة أخرى بصياغة مختلفة أقرتها لجنة الخبراء تضمن تعيين المرأة في القضاء
أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا توجيهاته بالاستعانة بالمرأة في النيابة العامة ومجلس الدولة، تطبيقا للمادة 11 من الدستور.
ولم يكن النص الدستوري على تعيين المرأة في الجهات والهيئات القضائية وليد اقتراح سهل نال موافقة واسعة منذ البداية، فقد دارت بشأنه مناقشات عديدة في الأعمال التحضيرية للجنة الخمسين المكلفة بتعديل الدستور في عام 2013، والتي ترأسها عمرو موسى.
تستعرض “الشروق” مراحل ولادة هذا النص الدستوري حتى صياغته النهائية في المادة 11 من دستور 2014 المتعلقة بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، من واقع مضابط لجنة الخبراء العشرة ومسودة المادة ومضابط لجنة الخمسين، التي وفرتها مجمّعة وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عبر موقعها “منشورات قانونية”.
بدأت مناقشة المادة 11 في الاجتماع العشرين الذي وافق يوم 4 نوفمبر 2013 انطلاقًا من المسودة المقترحة للمادة من لجنة الخبراء العشرة، والتي اقتصرت على ضمان التمثيل في المجالس النيابية والمحلية فقط.
وجاء نص هذه المسودة بأن “تلتزم الدولة بتحقيق مساواة المرأة بالرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الواردة في هذا الدستور، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل عادل ومتوازن للمرأة في المجالس النيابية والمحلية وينظم القانون ذلك، وتعمل الدولة على تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة والعمل وحمايتها ضد أشكال العنف، وتلتزم الدولة بتوفير رعاية خاصة للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والنساء الأشد فقرًا واحتياجًا”.
• اقتراح من ضياء رشوان يثني عليه رئيس اللجنة
في خضم النقاش الدائر حول كيفية التمثيل العادل أو المتوازن للمرأة في المجالس النيابية، وسع ضياء رشوان مسار هذا التمثيل ليشمل سلطات الدولة الثلاث، وليس فقط المجالس النيابية المنتخبة.
واقترح النص التالي: “وتعمل الدولة على ضمان التمثيل المناسب والمتوازن للمرأة في سلطاتها الثلاث وفي مؤسسات المجتمع المدني”.
وقال رشوان إن “كلام الدكتورة ميرفت التلاوي والنص ينصرف إلى التمثيل في البرلمان فقط، في حين أن السلطة التنفيذية خارج الموضوع، وكذلك السلطة القضائية، ونحن نتحدث عن ضمان تمثيل مناسب ومتوازن فيما هو بيد الدولة، ولم نذكر في النص سوى الشيء الوحيد الذي ليس بيد الدولة، وهو الانتخابات، في حين أن ما بيد الدولة من الأجهزة التنفيذية وجزء من السلطة القضائية، أخرجناه من هذا النص”.
أثني عمرو موسي رئيس اللجنة على ما طرحه رشوان، قائلا: “أعتقد أن هذه المداخلة مهمة جدًا، وفيها اقتراح بوضع مفهوم التمثيل العادل والمناسب في نصابه الصحيح، وليس فقط في الانتخابات والمجالس المنتخبة، إنما في السلطات الثلاثة، هذا مفهوم كبيرًا جدًا، والأستاذ ضياء رشوان أتي بفكرة جيدة جدًا”.
كما طالبت الدكتورة ميرفت التلاوي بإضافة ما طرحه رشوان، بضمان تمثيل المرأة في مناطق أخرى كالمناصب العليا.
أعقب ذلك مداخلات لكل من الدكتور جابر نصار والدكتورة ميرفت التلاوي وسامح عاشور وخالد يوسف، اقتصرت على فكرة المساواة بين الرجل والمرأة، وكيفية تخصيص كوتة للمرأة في البرلمان، وما إذا كان الدستور ينص على نسبة محددة مثل ما طرح 30% أو 50%، أم يكتفي النص الدستوري بضمان التمثيل العادل، على أن يترك تحديد النسبة للقانون، كما ثار الجدل هو اللفظ الأنسب من بين التمثيل “العادل” أم “المتوازن” أم “المناسب”، تأكيدًا على ضرورة هذا التمثيل في المجالس النيابية والمحلية فقط.
ثم عاد رشوان ليؤكد ما طرحه: “أنا قلت السلطات الثلاث، لأنها التي في يد الدولة فعلًا، والسلطة التنفيذية أولًا بيد الدولة، والاختيارات في أماكن مختلفة من أجهزتها وكذلك في القضاء، ومجلس القضاء الأعلى جزء من الدولة”.
أيدت منى ذو الفقار نائب رئيس اللجنة، إلزام الدولة بتمثيل عادل للمرأة واقترحت نص يضيف تمثيل المرأة في مناصب اتخاذ القرار، كالتالي: “وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة لضمان تمثيل عادل ومتوازن للمرأة في المجالس النيابية والمحلية ومناصب اتخاذ القرار ويحدد القانون ذلك وينظمه”.
• موسى يحدد مقترحات تعديل المادة
قطع عمرو موسى حديث الأعضاء لينبههم بأنه “يدور حول حلقة مفرغة لم تضيف شيئًا سوى تعديل من الدكتور حسام الدين المساح بشأن لفظ المساواة بين المرأة والرجل، وكذلك ما ذكره ضياء رشوان تعديل بالمعنى الحقيقي عن النص، بالإضافة إلى تعديل طرحته الدكتورة عزة بتغير كلمة تعمل لتكفل، وتعديل جذري للدكتور مجدي يعقوب”، مطالبًا الأعضاء بالتصويت على هذه التعديلات الأربعة المطروحة، لتنتهي اللجنة من التصويت على صياغة الفقرة الأولى، وتفرغت لمناقشة صياغة الفقرة الثانية.
وقبل التصويت على الفقرة الثانية عدل رشوان ما طرحه سابقًا في استخدام بعض الألفاظ، مفترحًا النص بشكله التالي: “وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة بضمان التمثيل المناسب والمتوازن للمرأة في سلطاتها الثلاث وفي مؤسسات المجتمع المدني”. ، ثم ذكر لاحقًا أنه موافق على حذف “المجتمع المدني” إذا شاء أعضاء اللجنة.
تدخل الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد، وقال إنه مع النص التالي: “تلتزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة بتمثيل المرأة في سلطات الدولة الثلاث”. ثم أضاف إلى هذا النص “وفي منظمات المجتمع المدني وينظم القانون ذلك”. ،
الدكتور خيري عبد الدايم اقترح إلغاء الفقرة الثانية بالكامل على اعتبار أن المساواة في جميع الحقوق السياسية الواردة بالفقرة الأولى تشمل ما هو مطروح في الفقرة الثانية ولا داعي للتكرار، إلا أن هذا الرأي لم يحظى بالتأييد الكافي.
• جدال بين رشوان وجابر نصار
تدخل الدكتور جابر نصار، وقال: “عندما نقول التمثيل في سلطات الدولة الثلاث الآن، لابد أن ألزم المشرع أن يدخل المرأة الجيش، وهذا لا يصح، فالسلطتين التنفيذية والقضائية هناك شروط عامة لشغل الوظيفة، ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة يضمن الشروط العامة في تولي الوظائف بين الجنسين، إنما نتحدث عن أن الله يزع بالسلطان ما لم يزعه بالقرآن، ولذلك الآن المشرع يأخذ بالتدابير كي يختارها الناس”.
وانتهى نصار في نصه المقترح على أن “تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بتمثيل المرأة في المجالس النيابية والمحلية تمثيلًا مناسبًا على النحو الذي يحدده القانون”. وأسقط مقترح ضياء رشوان بتمثيل المرأة في السلطات الثلاث.
ليحدد عمرو موسى النقاش حول بقاء “السلطات الثلاث” في النص أو إسقاطها، ليرد جابر نصار قائلًا: “بهذا سوف تحدث مشكلة”.
رد ضياء رشوان: “ما هي المشكلة، نقول بشكل واضح بالنسبة للسلطات الثلاث تمثيل مناسب، وكلمة مناسب تعني الرد على ما يقوله الدكتور جابر بأنه قد لا يكون التجنيد إجباريًا مناسبًا، والأمر ينظمه القانون.. اقتراح الدكتور جابر يضيق الأمر، أنا أقول ولابد أن تستجيب لكلامي هذا لأنه هو الواقع، فالوظائف الحكومية بشروط وكله بشروط”.
ليرد نصار: “أنا عندي 98% من موظفي البلد سيدات”، ليقول رشوان: “هل نحن نقول نتجاوز الشروط؟ نحن نقول تمثيلًا مناسبًا”.
• تصويت على 3 مقترحات ينتهي بالاستبعاد
انتهت اللجنة إلى التصويت على النصين المقترحين من كل من رشوان ونصار، وبعدما حصل مقترح رشوان على 12 صوتًا فقط، تراجع الدكتور السيد البدوي عن تأييده لنص ضياء رشوان لصالح نص جابر نصار، بالاقتصار على التمثيل في المجالس النيابية والمحلية مع حذف السلطات الثلاث، مقترحًا نصًا ثالثًا حصل على 15 صوتًا.
ثم أجرى نصار تعديلين آخرين في الألفاظ المستخدمة على النص الذي اقترحه قبل التصويت عليه، حصل الأول على 13 صوتًا ثم حصل الثاني على 21 صوتًا، وهو “تلتزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة في المجالس النيابية والمحلية تمثيلًا مناسبًا ومتوازنًا ويحدد القانون ذلك”.
لم تلق طريقة التصويت على المقترحات قبولًا لدى معظم أعضاء اللجنة، وثار الجدل حول ما إذا كان متاح للعضو إعطاء صوته لأكثر من اقتراح من عدمه .
عقب ذلك ذهب النقاش بعيدًا عن مقترح ضياء رشوان، ودار حول استخدام ألفاظ “مناسب” أو “عادل” أو “مناسب متوازن”، وكذلك ما بين “تعمل الدولة” و”تلتزم الدولة” في ظل نص جابر نصار المقتصر على تمثيل المرأة في المجالس النيابية والمحلية فقط، وانتهى الأمر إلى هذه الصياغة .
• تمثيل المرأة في القضاء يعود من جديد بنص مختلف
في اجتماع اللجنة رقم 27 الموافق يوم 24 نوفمبر، عادت منى ذو الفقار، نائب رئيس اللجنة، وقالت إن المادة 11 كانت مثارًا لمناقشات عديدة حضرتها هي والسفيرة ميرفت التلاوي مع لجنة الخبراء واستقرا معهم على صياغة النص التالي:
“تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكام الدستور، وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبًا في المجالس النيابية والمحلية على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة ممارسة حقها في تولي الوظائف العامة والمناصب الإدارية العليا في السلطة التنفيذية وفي الجهات القضائية دون تمييز ضدها، وتلتزم الدولة بحماية المرأة…. إلخ”.
نال هذا الاقتراح موافقة الدكتورة هدى الصدة، مقرر لجنة الحقوق والحريات، والمستشار محمد عبد السلام مقرر لجنة الدولة والمقومات الأساسية، مطالبين بتعديلات طفيفة.
وقال عبد السلام: كلمة العليا لا لزوم لها، كما اقترح النص “في الجهات والهيئات القضائية” أو “تولي المناصب في القضاء” حتى لا يكون من بينها القضاء العسكري، مشيرًا إلى عدم معارضته تعيين المرأة في القضاء العسكري.
كما اعترض على أن يطول لفظ “العليا” الجهات القضائية، مشيرًا إلى أنه يوافق على التعيين في القضاء ثم التدرج لتولي المناصب العليا.
اقترح عمرو موسي إضافة “فاصلة” بين السلطة التنفيذية والجهات الأخرى. فيما قال سامح عاشور إنه “لن يستطيع أحد تعطيل امرأة في ترتيبها القضائي، فسوف تحصل على رقمها وأقدميتها وتاريخها، ولولا استبعاد تهاني الجبالي وبما فعلوه لكان من الممكن أن تصبح رئيسًا للمحكمة الدستورية، فليس فيها شيء فلا ضرر ولا ضرار.. فلنضع فاصلة فقط”.
وتدخلت السفيرة ميرفت تلاوي قائلة: “نريد الإشارة إلى حق المرأة في تولي المناصب القضائية وفي مجلس الدولة على الأخص، لأنه لم يكن يسمح لها بالتعيين.. والأستاذ ضياء رشوان هو الذي اقترح المناصب العليا التنفيذية والقضائية، ثم قالوا استحسانا للغة نقول جهات وهيئات”.
ثم قال ضياء رشوان: “الأستاذ حسين يلفت نظرنا إلى شيء محدد، وهو أن المنبع مغلق بالنسبة للمرأة في القضاء، فليس الحديث متعلق برئاسة محكمة أو رئاسة جهة قضائية، ولكن الحديث عن التعيين كمعاون نيابة من المبدأ، وبالتالي أقترح النص “وفي التعيين والترقي داخل الجهات والهيئات القضائية”، للتأكيد على حقها في التعيين.
واستمر الحديث حتى جلسة 30 نوفمبر التي انتهي التصويت فيها على صياغة المادة في شكلها النهائي الذي استفتي عليه الشعب، وهي:
“تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبًا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا”.
ولم يكن النص الدستوري على تعيين المرأة في الجهات والهيئات القضائية وليد اقتراح سهل نال موافقة واسعة منذ البداية، فقد دارت بشأنه مناقشات عديدة في الأعمال التحضيرية للجنة الخمسين المكلفة بتعديل الدستور في عام 2013، والتي ترأسها عمرو موسى.