كمال الجنزوري.. وزير الغلابة ورائد الخصخصة الذي أقاله مبارك وحاصره نظامه
في هدوء رحل عن عالمنا، اليوم الأربعاء، رئيس الوزراء المصري الأسبق، كمال الجنزوري، السياسي المخضرم الذي قاد مسيرة الحكومة في الفترة الصعبة والاستثنائية في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتقلد المناصب السياسية الهامة في عهد العديد من الرؤساء المصريين بدءًا من السادات مرورًا بمبارك الذي أقاله، والمجلس العسكري الذي أعاده ليتولى الحكومة، ثم تعيينه مستشارًا للرئيس المؤقت بعد ثورة 30 يونيو.
كان الجنزوري، المولود في قرية جروان بمركز الباجور بمحافظة المنوفية، في 12 يناير 1933، سياسي مصري معروف، شغل المناصب السياسية لعقود، قبل أن يعتزلها بمطلع الألفية الثانية، ثم يعود من جديد في أعقاب الثورة المصرية بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليتقبله الشعب والمعارضة رغم أنه كان رمزًا من رموز مبارك.
وخلال توليه قيادة الحكومة، لقب رئيس الوزراء الأسبق، الحاصل على دكتوراة في الاقتصاد من جامعة ميتشجان الأمريكية، بوزير الفقراء ووزير الغلابة والوزير المعارض، لما ظهر منه في وقت رئاسته للحكومة من إدارة وعمل اختص برعاية محدودي الدخل، والسعي لتحسين سبل معيشتهم.
الجنزوري.. سياسي مخضرم وإداري ناجح
بدأت مناصب كمال الجنزوري، السياسي المخضرم، في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، فتولى منصب محافظ الوادي الجديد قبل حركة تغييرات المحافظين التي أسندت له محافظة بني سويف، ليكون محافظًا على رأسها قبل أن ينتقل ويعين مديرًا لمعهد التخطيط القومي، مع صعود مبارك لسدة الحكم، وبمرور الوقت صار وزيرًا لوزارة التخطيط في عهد الرئيس الأسبق، فنائباً لرئيس الوزراء في حكومة رئيس الوزراء الراحل، عاطف صدقي.
رئاسة الحكومة الأولى.. نجاح ورضا شعبي متزايد
وفي عهد مبارك، ترأس الجنزوري الحكومة، في مرحلة ما بعد انطلاق الخصخصة، وتغيير مصر بوصلتها الاقتصادية بالكامل، وتحديدًا في 4 يناير من العام 1996، فأولت خططه الاقتصادية حينها الاهتمام لرعاية محدودي الدخل والطبقات المتوسطة وتكفلت بثبات أسعار السلع والعملات، فكان للجنزوري حينها نصيبا من النجاح الذى تحقق والرضا الشعبى المتزايد.
فخلال رئاسته للحكومة، شهدت فترته عدة مشاريع ضخمة، اُطلقت بهدف تنمية الإنتاج والزراعة والتوسع بعيدًا عن منطقة وادي النيل المزدحمة، من ضمنها مشروع مفيض توشكى الذي يقع في أقصي جنوب مصر، وشرق العوينات، وتوصيل المياه إلى سيناء عبر ترعة السلام، ومشروع غرب خليج السويس بالإضافة إلى الخط الثاني لمترو الأنفاق بين شبرا الخيمة بالقليوبية والمنيب بالجيزة، مرورًا بالقاهرة للحد من الازدحام المروري بمحافظات القاهرة الكبرى، وأُقرت مجموعة من القوانين والخطوات الجريئة منها قانون الإيجار الجديد.
وظل الجنزوري في رئاسة الوزراء، تتزايد شعبيته بمرور الوقت، إلى أن تم استبعاده من قبل الرئيس الأسبق حسني مبارك، في 5 أكتوبر 1999، وهي الإقالة التي حدث حولها جدلًا كبيرًا بسبب تصاعد شعبية الجنزوري.
إقالة مفاجئة.. ومحاصرة جعلته يعتزل السياسة
كانت إقالة الجنزوري وخروجه من منصبه، مفاجئة تمامًا، حتى لرئيس الوزراء الأسبق ذاته، ففي مذكراته الصادرة في عام 2014 عن دار الشروق، “طريقى.. سنوات الحلم.. والصدام.. والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء” حكى الجنزوري عن كواليس إقالته وآخر ساعات له في رئاسة الحكومة قائلًا: “حدث لى ما لم يكن متوقعًا، لعله (مبارك) كان يريد خلال الشهر الأخير خاصة بعد النقاش الحاد في قصر رأس التين، أن يعطيني الأمان، على أن يصل اليوم المحدد عنده، ليشفى ما فى داخله وتكون الطعنة أكثر جرحًا”.
وتابع: “أخبرني مبارك بالقرار فأجبته شاكرًا بهدوء ورضا لم يتوقعه، حتى شعرت وأنا أسير إلى القاعة، أنني أطول قامة، وبعد خطاب الرئيس أخبرني عمر سليمان أن رجال مبارك أقنعوه أني أصبحت منافسًا وندًا له”.
وبعد إقالته، اعتزل رئيس وزراء مبارك -الذي ظل في المناصب والسلطة لعدة عقود- العمل السياسي تماما وغاب عن المشهد، ولكن عقب ثورة يناير، خرج الجنزوري وصرح في لقاء تلفزيوني في برنامج العاشرة مساء، في فبراير 2011، أن النظام الأسبق ضيَّق عليه وحاصره بعد مغادرته رئاسة الوزراء حتى أنه لم يتلق ولا مكالمة هاتفية واحدة من أي وزير كان في حكومته.
الجنزوري.. قائد الحكومة بعد الثورة
وفي أعقاب ثورة يناير، وحينما كان الجنزوري قد ابتعد واعتزل الحياة السياسية، خرج المجلس العسكري الحاكم، وقال كلمته، ليعيد رئيس الوزراء الأسبق ويكلفه بتشكيل الحكومة، في 25 نوفمبر 2011، ليشغل الجنزوري منصب رئيس الوزراء مجددًا، ويقود البلاد في فترة صعبة واستثنائية، ويستمر فيه، من 7 ديسمبر من العام 2011 وحتى 25 يونيو من العام 2012، عندما عُين هشام قنديل رئيسًا للوزراء.
وجاء تولي الجنزوري لمنصب رئاسة الوزراء للمرة الثانية في ظل ظروف صعبة ودقيقة، شهدت إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة شئون البلاد استثنائيًا، وأجريت خلالها الاستحقاقات الانتخابية الأهم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، بانتخاب مجلسي الشعب والشورى ورئيس الجمهورية.
وبعد تسليمه رئاسة الوزراء للحكومة الجديد، ظل الجنزوري أكثر رموز عهد مبارك قبولًا من أغلب القوى المعارضة، حتى أنه تم ترشيحه أكثر من مرة لمنصب رئيس الوزراء بعد الثورة، إلى أن تم تعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية عدلي منصور للشئون الاقتصادية، إبان الفترة الانتقالية، في يوليو 2013.
الجنزوري والخطة العشرينية
كان الجنزوري صاحب فكرة الخطة العشرينية، التي أدخلت مصر في أولى مراحل التنمية الحديثة، من خلال التخطيط لعشرين سنة مستقبلية، فبدأت في عام 1983 وانتهت عام 2003، وتقسمت لأربع خطط خمسية، تجاوزت مصر خلال ثلاث خطط منها مرحلة الانهيار ودخلت في منتصف الثالثة مرحلة الانطلاق.
الجنزوري ومبارك.. فرقتهما الإقالة والثورة وجمعهتما المقابر
الجنزوري الذي شغل المناصب في عهد مبارك لأكثر من عقدين، حتى افترقا، في المرة الأولى، حينما أقاله الرئيس الأسبق وأبعده عن السلطة، والثانية حينما عُزل الراحل عقب الثورة وجاء الجنزوري إبان تولي المجلس العسكري، عادا ليجتماعا من جديد، بعد عقدين آخرين، في مقابر مصر الجديدة.
وتوفي صباح اليوم الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر الأسبق، فبدأت إجراءات الاستعداد لدفن رئيس الوزراء الأسبق، الذي رحل عن عمر يناهز 88 عامًا، بمستشفى القوات الجوية، بعد صراع طويل مع المرض، بمقابر العائلة بمدافن كلية البنات، بمصر الجديدة، بجوار مقابر أسرة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
كان الجنزوري، المولود في قرية جروان بمركز الباجور بمحافظة المنوفية، في 12 يناير 1933، سياسي مصري معروف، شغل المناصب السياسية لعقود، قبل أن يعتزلها بمطلع الألفية الثانية، ثم يعود من جديد في أعقاب الثورة المصرية بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليتقبله الشعب والمعارضة رغم أنه كان رمزًا من رموز مبارك.