المستشار د. مساعد عبدالعاطي يكتب: سد النهضة والمسؤولية الدولية المترتبة على إثيوبيا لعرقلتها الدراسات الفنية
في ظل تعقد وصعوبة المفاوضات مع الجانب الإثيوبي، وآخرها جولة كينشاسا التي كشفت عن استمرار عناده وصلفه و انتهاكه لكل ثوابت ومبادئ القانون الدولي للأنهار الدولية المشتركة منذ بدء تشييد سد النهضة في أبريل 2011، وحتى اليوم، أطرح للعرض ورقة وحجة قانونية هامة من بين العديد و العديد من الحجج القانونية التي تحمي حقوق مصر المكتسبة في مياه الهضبة الإثيوبية، و هذه الحجة تتمثل في إفشال إثيوبيا المتعمد لاستكمال الدراسات الفنية الواجبة بموجب تقرير اللجنة الدولية للخبراء، والتي خلص تقريرها الصادر في عام 2013 إلى وجوب استكمال الدراسات البيئة والاقتصادية للوقوف علي مدي ترتب أي آثار سلبية على مصر والسودان جراء إقامة السد الاثيوبي.
وأرجعت اللجنة ذلك القصور إلى قعود إثيوبيا عن مد اللجنة بالدراسات الفنية المرتبطة بتفاصيل المشروع، وحتي تاريخه لم تتم هذه الدراسات بفعل الرفض والتقاعس الاثيوبي المستمر في عدم استكمال تلك الدراسات، وذلك منذ تشكيل اللجنة الوطنية للخبراء، بعد اجتماع الرئيس عبدالفتاح السيسي مع رئيس وزراء إثيوبيا السابق هايلميريام ديسالين علي هامش قمة الاتحاد الإفريقي في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية عام 2014، ثم اعتراض إثيوبيا علي المكتب الهولندي ، وأيضا عرقلتها لمسيرة إعلان المبادئ الموقع بين دول النيل الشرقي في الخرطوم في 2015، والذي حدد فترة خمسة عشر شهرا لاستكمال الدراسات قبل أي ملء لخزان السد.
إلا أن إثيوبيا عادت بكل تعسف وصلف ورفضت دفع المستحقات المالية المطلوبة منها نظير القيام بهذه الدراسات من المكتبين الفرنسيين، بل وصل الأمر إلى رفضها التقرير الاستهلالي الصادر عن المكتبين الفرنسيين رغم أن التقرير صدر على هدي من الأصول والقواعد الفنية والهندسية المعتبرة في مجال تشييد المنشآت الهندسية المقامة على الأنهار الدولية.
من هنا يطرح تساؤل هام حول إنزال وإسباغ التوصيف القانوني على التصرفات الإثيوبية هذه، وموقف القانون الدولي منها، وهل هناك مسؤولية قانونية علي إثيوبيا جراء هذه التصرفات؟
في مستهل الاجابة علي هذا التساؤل نجد من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على التوصيف القانوني لأعمال اللجنة الدولية للخبراء حول سد النهضة، فهذه اللجنة تعد من منظور القانون الدولي من عداد لجان التحقيق الدولية، ومن أهم وظائفها تحديد معالم موضوع النزاع بين الأطراف المتنازعة ، ومن الجدير بالذكر أن اللجنة ضمت خبراء أجانب مشهود لهم بالكفاءة و الخبرة الفنية والاستقلالية أيضا، فضلا عن أنه كانت هناك محاضر رسمية بصفة دورية تثبت جلسات التفاوض، حملت توقيع الأطراف الممثلين للدول الثلاث والخبراء الدوليين.
وبالتالي فإن إعمال مقتضيات مبدأ حسن النية في المعاملات الدولية يوجب على الدول الثلاث وفي مقدمتهم إثيوبيا احترام المخرجات التي خرج بها تقرير اللجنة.
اما فيما يخص التوصيف القانوني للتصرفات الإثيوبية بشأن رفضها استكمال تلك الدراسات، فنجد أنها تصرفات تمثل خرقا لالتزامات قانونية دولية ترتب عليها تبعات المسؤولية الدولية، وأية ذلك ان القيام بدراسات الأثر البيئي للمشروعات المائية علي الأنهار الدولية أصبح فرض عين علي الدول، باعتباره التزاما قانونيا ذا طبيعة آمرة، وهو ما أكدت عليه محكمة العدل الدولية في حكمها الصريح الصادر عام 1997، في النزاع بين المجر و سلوفاكيا حيث أشارت بكل وضوح إلى أن قواعد القانون الدولي للبيئة أضحت من طائفة القواعد الامرة ، وأن الدولة النهرية صاحبة المشروع المائي ملزمة قانونيا قبل تشييده بعمل دراسات الأثر البيئي جراء إقامة مشروعها.
وفي ذات السياق نصت علي ذلك الالتزام وللمرة الأولى الاتفاقية الإطارية للأمم لقانون استخدامات الأنهار الدولية في غير الاغراض الملاحية لعام 1997، كما نصت المادة الثانية من إعلان ريو دي جانيرو لعام 1992، على وقوع المسؤولية الدولية علي عاتق الدولة جراء ممارستها لبعض الأنشطة التي تدخل في نطاق ولايتها و سيطرتها مسببة أضرارا لبيئة دولة اخري أو لمناطق تقع خارج ولايتها الوطنية .( للمزيد حول التطبيقات القضائية الدولية راجع حكم هيئة التحكيم الصادر في 11 في مارس 1941 بين كندا و الولايات المتحدة الأمريكية حول مصهر ترييل Fonderie de Trail ) .
ويرجع السند القانوني هنا في تحمل تبعات المسؤولية الدولية إلي نظرية المخاطر كأساس للمسؤولية الدولية، فضلا عن إسناد هذه الأضرار إلى نظرية التعسف في استعمال الحق من قبل الشخص الدولي.
وبإنزال قواعد القانون الدولي وتطبيقات القضاء والتحكيم الدوليين على التصرفات الإثيوبية، نجد أنها تعمدت بإرادة سياسية علي عرقلة استكمال الدراسات بشتى الوسائل، وفي ذات الوقت السير بكل سرعة في إجراءات استكمال السد ، على الرغم من أنه سيكون هناك آثار سلبية جسيمة علي مصر و السودان في النواحي البيئة و الإيكولوجية لبيئة نهر النيل، وأيضا الآثار الاقتصادية و المائية بما يضع إثيوبيا في وضع الدولة المتعمدة لإلحاق الضرر الجسيم لدولتي المصب بما يرتب في مواجهتها أحكام المسؤولية الدولية.
لذا نري أهمية تعويل مصر و السودان معا على هذه الحجة وعرض تفاصيلها كافة، امام المحافل الدولية والإقليمية، بخاصة في ضوء مخرجات إعلان المبادئ الذي حدد مدة زمنية محددة لاستكمال الدراسات الواجبة ، وعدم الملء والتشغيل لسد النهضة الا بعد استكمال تلك الدراسات، حيث تصر إثيوبيا على أن تضرب عرض الحائط بكل هذه الالتزامات القانونية، وجعلت من النزاع حول سد النهضة نزاعا تتوافر فيه الشروط الواجبة للمنازعات الدولية كافة.
* أستاذ القانون الدولي للأنهار الدولية – عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي
* أستاذ القانون الدولي للأنهار الدولية – عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي