الحلقة الأولى| حكايات من مصر: حين امتزجت أجراس الكنائس بأصوات المؤذنين احتفالا بعيد الغطاس
ويقول الكاتب الصحفي القدير صلاح عيسى في كتابه “هوامش المقريزي- حكايات من مصر”: “من بين تلك الأعياد عيد الغطاس، وهو يقع في الحادي عشر من من شهر طوبة كل عام، وفيه يحتفل المسيحيون بذكرى تعميد السيد المسيح بنهر الأردن على يد يوحنا المعمدان”.
ونقل عيسى، عن المؤرخ الإسلامي المسعودي قوله “إن ليلة الغطاس كانت من الليالي ذات الشأن العظيم عند أهل مصر لا ينام فيها الناس”.
ووصف في تاريخه طقوس الاحتفال بها في عام ۳۳۰هـ في زمن الدولة الإخشيدية، قائلا “إن السلطان أمر فأوقدت المشاعل بين مصر القديمة والجزيرة، حتى وصلت إلى ألف مشعل، هذا غير ما أسرجه أهالي مصر – نصاری ومسلمین – أمام بيوتهم، وفي الشوارع العامة وأمام الحوانيت والوكائل”.
وعلى سطح النيل وعلى شاطئيه تجمع المصريون في الزوارق وعلى الدور المطلة على النهر، وأخذ معظم الناس يغطسون في النيل، معا، ويشربون، والمدينة ساهرة طول الليل.
ويعد هذا التاريخ بخمسة عشر عاما، وفي ليلة الغطاس أمر الخليفة الظاهر الإعزاز دين الله، بأن توقد المشاعل والنار في الليل، وكثر شراء الفواكه والضان، وأناب الخليفة عنه متولي الشرطة في حضور الاحتفال، فضرب خيمة على شاطئ النيل، وحضر منها الاحتفال، أما الخليفة فقد انتقل ومع حريمه إلى أحد القصور المطلة على النيل ليشهد منها الاحتفال.
وكان من رسوم الدولة في أيام الفاطميين، أن يوزع الخليفة منحا علی كبار رجال الدولة بمناسبة الاحتفال بعيد الغطاس، وغيره من أعياد الأقباط، 10 آلاف دينار على أرباب الرسوم، وفي عيد الغطاس توزع عليهم الليمون وأطنانا من القصب والسمك البوري، وهو ما كان يحدث أيضا في عبد الميلاد، إذا كانت دار الخلافة توزع الحلوى والأسماك احتفالا ومشاري من الدولة في الاحتفال بذكرى ميلاد أنبياء الله.
وفي ليلة الغطاس، كان القساوسة والرهبان، يخرجون في موكب مهيب يحملون صلبانهم ومشاعلهم ويتلون صلواتهم وترانيمهم طوال الليل، وتخلط أصوات أجراس الكنائس بأصوات المؤذنين وترانيم القس بتكبيرات المشايخ، ويقوم الخليفة الظاهر بإعزاز دين الله ليصلي.