بروفايل.. مكرم محمد أحمد الذي حفر ثقبا من الضوء ولم يضيع في الأوهام عمره
“استنفذت كل سنوات عمري في العمل، ولا أحد أزاحني من الطريق”، بهذه العبارة التي قالها في 27 يونيو 2020 خلال مداخلة هاتفية عبر فضائية “الحدث اليوم” خلال برنامج “حضرة المواطن”، عبر الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد، الذي غيّبه الموت اليوم عن عمر ناهز الـ86- عن رضائه على مشواره في العمل في مهنة الصحافة لسنوات زادت على الـ60 عامًا، في أعقاب انتهاء مدة رئاسته للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
في ندوة في فبراير من عام 1993 بمعرض القاهرة الدولة للكتاب، قال الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد عن مشوار حياته الصحفية: “بعد تخرجي في كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، التحقت بجريدة الأهرام، عملت محرر حوادث، ثم تركت الأهرام بعد عمل 28 سنة وصلت فيها إلى مدير تحرير”.
وأضاف: “انتقلت إلى دار الهلال، وهي دار قديمة وعريقة، واهتماماتي اتصلت بالواقع المصري والعربي، بظروف فترة التحول التي تجتازها مصر، حيث تمر مصر بفترة تحول ديمقراطي”.
وفي برنامج “دردشة” مع الإعلامية سهير شلبي عام 1994، والمنشور الفيديو الخاص به على قناة “ماسبيرو زمان” عبر “يوتيوب”، يقول مكرم محمد أحمد، إنه قضى حياته قبل العمل، في مدينة منوف، طالب في مدرسة منوف الثانوية، ثم جاء للقاهرة للمرة الثانية في عمره والتحق بالجامعة.
وقال: “كنت آمل استكمال دراستي الأكاديمية لكن جرتني الصحافة، لكنني دخلت الصحافة من أضيق أبوابها، كنت مندوب جريدة الأهرام في باب الحوادث والجريمة، كنت مندوبا عن الأهرام في قسم روض الفرج، ومحكمة الساحل، وتركت الأهرام عام 1982 بعد تدرجي في المناصب داخل المؤسسة، من محرر حوادث إلى محرر تحقيقات صحفية، إلى رئيس قسم التحقيقات الصحفية، إلى مسئول قسم الشرق الأوسط، ثم إلى مسئول الديسك المركزي، ثم مدير تحريرها وتركتها عام 1982”.
ويضيف: “لم أضيع في الأوهام عمري، وكنت أعرف جيدًا ماذا أفعل، لم أحضر القمر، لكن حفرت ثقبا من الضوء، ولم أتوقف عن توسيع هذا الثقب، ولم أقف متفرجًا، وشاركت على قدر طاقتي وظروفي وموهبتي وقدر ما أستطيع بإخلاص وحماس”.
وتعرض مكرم لمحاولة اغتيال عام وواقعة إطلاق الرصاص عليه، يقول عنها في برنامج “يا تليفزيون يا” مع الكاتب الراحل وفنان الكاريكاتير رمسيس، في التسعينيات بحضور زوجته، صدّيقة أحمد علي: “تزوجنا عام 1959، كنا ندرس كلانا في قسم الفلسفة في كلية الآداب، والتقينا في بحث مشترك نعمل عليه سويًا، تعرفت عليها في مكتبة الجامعة، وتوثقت علاقتنا، وقبل حصولي على الليسانس تقدمت بخطبتها، وهي من المنصورة”.
وعن الأهرام يقول: “نقطة قوتي الوحيدة هي الأهرام، وتربيت في هذه المدرسة، وحفرت فيها آثارا، ولا أبكي على أطلال الأهرام حين ذهبت إلى دار الهلال”.
ويقول مكرم: “مدرسة الأهرام تتميز بالرصانة، ومن جعلني صحفي جيد هي شغل صحفي الحوادث، وتعلمك كيف تكتب القصة، وتعلمك كيف ترى ناس مختلفين لنسج علاقات اجتماعية جديدة كل يوم، وحادثة واحدة تكشف لك قاع المجتمع كله وظروفه الاجتماعية”، وتابع: “ثم مراسل للأهرام في دمشق فترة الجمهورية المتحدة، ثم مراسل الأهرام في 1967 واحتجزت في غزة، وعملت مراسلا في اليمن واحتجزت في اليمن”.
وعن علاقة الصحفيين بالسلطة يقول: “العلاقة ليست إملاء وإذعان، هي علاقة حوار”.
وعن محاولة الاغتيال، قال: “كانت التجربة الأولى لي بعد مرور 4 سنوات، حين جال بتفكيري وناس على القهوة تتساقط، والزجاج ينكسر في السيارة، نزلت في الدواسة، وعيني في عين المسلح الإرهابي ومصوب سلاحه باتجاهي، وكنت أنا الذي يقود السيارة، وأحمد ربنا، وإحدى الرصاصات اخترقت عجلة القيادة”.
وولد الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد في 25 يونيو عام 1935، في مدينة منوف بمحافظة المنوفية، وتخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة عام 1957.
التحق بالعمل الصحفي في صحيفة الأخبار، ثم انتقل إلى الأهرام التي شغل فيها منصب مدير مكتبها في العاصمة السورية دمشق، ثم عمل مراسلًا حربيًا في حرب اليمن عام 1967، ثم تدرج في المناصب الصحفية بالأهرام، من رئيس لقسم التحقيقات الصحفية في مؤسسة الأهرام إلى مساعد رئيس التحرير وصولًا إلى مدير تحرير الأهرام.
وفي عام 1980، تقلد منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة المصور، كما شغل منصب نقيب الصحفيين من عام 1989 إلى 1993، ثم عام 2007 إلى عام 2009.
كما كان أمينًا عامًا لاتحاد الصحفيين العرب، وكان آخر ما شغله هو منصب رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ولديه من الأبناء أمل وأمنية وإيهاب مكرم، وكان عضو مجلس شورى سابق.
ويقول في ندوة معرض الكتاب: “القول إن قضية الإرهاب مستوردة، هذا قول يجافي الصدق وبه درجة كبيرة من المغالاة، والمشكلة في هذا الأمر هي أن الفكر عامل أساسي، والظروف الاجتماعية عامل مساعد”.
وتحدث عن حرية الصحافة في هذه الندوة وقال: “إن مصر تشهد مرحلة غير مسبوقة من حرية الصحافة خاصة الصحافة الحزبية”، مؤكدًا أن حرية الصحافة لا تعني حرية الكتابة فقط، ولكن حرية الإصدار، مضيفًا: “حين بدأت حرية الصحافة كانت هناك حالة من العصبية كل من يكتب مقالًا يظن أنه آخر مقال، وأن الرقيب سيغلق الجريدة، لكن الحرية حين أصبحت قضية راسخة لم تعد منحة”.
وفي برنامج “كلام تاني” مع رشا نبيل في مارس 2016، قال: “كنت أكتب بعض خطابات الرئيس مبارك، وكتبت للرئيس مبارك لفترة زمنية محدودة ثم حين ظهر جمال مبارك توقفت عن ذلك، لأن جمال رأي أن يكون هذا العمل مؤسسي، وحاولنا نعمل عصف فكري لكن في الـ5 سنوات الأخيرة من فترة حكم مبارك، لم أكتب له أي خطابات”.
وفي برنامج رأي عام مع عمرو عبدالحميد، قال مكرم محمد أحمد، “بعد رئيس المجلس الأعلى للإعلام، والسلطة ذهب ووجه ودفء، ويمكن أن تحترق إذا أسأت هذا الاقتراب، حرصت على أن أبقى على مسافة ما بين وبين الحاكم، والمعضلة دائمًا أن أي حاكم يحب أن يكون الصحفي بوقًا له ومساندًا له، وهناك احتياج متبادل بين الحاكم والصحفي، 2020، مايو”.
وأوضح: “ذهبت إلى إسرائيل، وحاورت مناحم بيجين، أول مرة قابلتهم في لندن 1974، ونقلت للسفير المصري ماذا دار بيني وبينهم، كنت أتصور أن مساحة مهنتي تمكنني من فعل هذا الدور في الحوار مع الإسرائيليين، وحرصي ألا أمس مصالح الدولة أو إضرارها، ولا معنى على الإطلاق لمقاطعتهم، ونص معاهدة السلام كانت بحوزتي قبل إعلانها بـ3 أسابيع، وأي شيء يغلب أي شيء داخلي مهنتي الصحفية، وتغلب تصرفاتي، مهمتي الأساسية والحمد لله كنت أول من أذاع هذا الخبر، وكان مصدري أسامة الباز”.
ويضيف: “بعد 50 سنة صحافة، ربيت ولادي تربية كويسة، لدي ما يكفيني وما يقنعني بالفعل أن حياتي لم تذهب سدى، والصحافة مهنة معذبة وجميلة، وعذابها قاسي، وحبيت هذه المهنة وقررت تكريس نفسي لهذه المهنة، حاولت أن أكون صحفي بحق وحقيق، ونجحت أحيانًا وفشلت أحيانًا وأحمد الله على هذا المشوار، ومشواري الصحفي كدة كفاية، واسيب الأجيال الأخرى تكمل هذا الطريق، وأن يصمدوا مهما كانت آلامه وعذاباته فهو المشوار الصحيح، أن تؤدي مهنتك على الوجه الأكمل والصحيح، وأن تتمكن رغم كل هذه الصعاب، أن تحافظ ولو شكلًا على أساسيات المهنة وآدابها”.
وعن حرب اليمن قال: “تعرفت على مصر بالداخل معرفة كاملة، ثم أتيحت لي فرصة أن غطيت حرب اليمن، وسرت اليمن على أقدامي كلها، والحياة الحقيقية كانت متعلقة باليمن، أعتقد أن المصريين قدموا نموذج بالفعل في اليمن على احترام الشعوب، وكان المصريون شغوفين باحترام حريات اليمنيين، نموذج الشخصية المصرية كان أصبح النموذج النظيف، اليمنيين شعب ذكي جدًا ويفهم كثيرًا الشعوب، واستطاعوا التكيف مع الوجود العسكري المصري، والحياة انتعشت وتطورت مع هذا الوجود”.
ويقول إن قضية الصحافة هي قضية المصداقية والصدق، الصحفي لا يمكن أن يكون زعيم سياسي، والصحافة المصرية بخير، والتنوع مطلوب في الصحافة.
وللرجل كتابين أحدهما عن علاقته بمبارك، قال في كتاب حوار مع الرئيس، الصادر عن دار الهلال، والذي يضم حوارات مع مبارك، وذلك في حوارات في بدايات حكم مبارك، والكتاب الثاني “مؤامرة أم مراجعة” حوار مع قادة التطرف في سجن العقرب، الصادر عن دار الشروق، 2002.
ويقول في برنامج “بلا قيود”، عبر فضائية “بي بي سي”، وقت ترأسه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منذ 2017 إلى 2020، إن المجلس لم يكن بديلًا لوزارة الإعلام أو هيئة الإذاعة والتليفزيون.
ويضيف أن سنوات الفوضى التي أعقبت يناير والمرحلة الانتقالية كلها هدفت كل الحدود والفواصل، وأصبح الجميع يتعدى على حدود الجميع.
ويقول إن رئاسته للأعلى للإعلام، كما أنه أمضى سنواته في مهنة الصحافة وحظى باحترام ومصداقية الشعب المصري، لكن هناك واجب تجاه بلده الذي يتعرض لحملات من جماعات إرهابية، لكن منصبه هذا لا يربطه به لا منصب ولا جاه ولا مال.
ويقول: “أنا عجوز لكن لدي خبرة وتاريخ طويل ولدى نجاح طويل وممتد، ولكن أقول للجماعة الإرهابية نعم عجوز لكن أنا ضدك”.
في ندوة في فبراير من عام 1993 بمعرض القاهرة الدولة للكتاب، قال الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد عن مشوار حياته الصحفية: “بعد تخرجي في كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، التحقت بجريدة الأهرام، عملت محرر حوادث، ثم تركت الأهرام بعد عمل 28 سنة وصلت فيها إلى مدير تحرير”.