والدى و أنا
بقلم / دكتوره امل نصر الله
استاذ اللغه الانجليزيه جامعه سيناء
فى 30 ابريل 1947 ، ولد أبى رحمة الله عليه فى بيت بدوى متواضع فى الشيخ زويد لأبٍ يجيد القراءة و الكتابة فى زمان و مكان كان المتعلمون فيه عملة نادرة . و لأمٍ شديدة و قوية البنيان و الشخصية. فلقد كانت جدتى طويلة القامة ، يهابها من يراها ، تخفى بداخلها حنانا يجعلها تخفى بعض حبات البرتقال فى صندوق اسود قديم كانت تملكه لكى تعطيها للأيتام الذين طالما تربوا فى كنفها. عكس جدى الذى كان صغير الحجم نوعا ما و يألفه كل من يراه من فرط طيبة ملامحه. نال قسطاً قليلا من التعليم فى الأزهر مكنه من ارساء دعائم شخصيته.
فى مثل هذه البيئة ولد أبى. لقد ورث عن جدتى قامتها و بنيانها، وورث عن جدى طيبته و شخصيته الجذابة التى يألفها كل من يقابلها. كانت طفولته ليست مرفهه. فهو فرد فى عائلة بسيطة تتكون من تسعة أبناء بالاضافة للأب و الأم . و لقد قضى صباه و شبابه مغتربا، حيث تطوع فى الجيش فى عمر صغير لتكون تلك اللحظة هى مرحلة الانطلاق فى عالم يلمؤه الكفاح و الفداء.
من عام 1967 و حتى العام 1973 ، كان أبى من بين هؤلاء الفدائين الذين تم تدريبهم من قبل القوات المسلحة المصرية لمكافحة الاحتلال و تكبيد الاعداء خسائر كبيرة. و لقد نال أوسمة من الرؤساء جمال عبدالناصر و انور السادات و قبلها نال شرف المشاركة فى حرب اكتوبر و استعادة سيناء.
بعد فتح سيناء عام 1982 ، عاد أبى الى سيناء زوجا و أباً ليبنى بيتاً على ارضه تحاوطه اشجار الزيتون و البرتقال و نعيش فيه أجمل سنين العمر. فى ذلك الوقت، كان لأبى دور كبير فى تقريب القبائل البدوية من القوات المسلحة المصرية و العمل معا فى نسيج متناغم من أجل سيناء. فلقد كان للعمل قدسية كبيرة عند أبى و لقد أعطى وطنه الكثير و ظل يعمل حتى آخر لحظات حياته.
أما انا فابنته الكبرى – و أقربهم شبها له – ، و لى ثلاث أخوات. كنا جميعا ننعم بحبه و تقديره و احترام شخصياتنا و طموحاتنا. فلا اتذكر يوما انه كبت لنا طموحا ، أو قهر لنا فكرا ، أو أجبرنا على فعل شئ لا نريده. كان دائما يغذى فينا الاصرار و التمسك بالحلم و العلم.
لقد كان أبى داعما لى فى كل مراحل حياتى. فأتذكر جيدا اننى عندما كنت أقوم باختيار الجامعة التى سوف ادرس فيها بعد الثانوية العامة ، تصورت انه ليس لى خيارا سوى العريش ، خصوصا و اننى اخترت تخصص اللغة الانجليزية الموجود بالعريش، اذن لن يكون هناك منطق للدراسة خارج حدود المحافظة. فاذا أفاجأ بأبى يقول لى “ان كنتى ترغبين فى الدراسة فى جامعة خارج المحافظة، ليس لدى اى مانع”. حينها شعرت بامنتنان غريب. كنت ممتنة لاحترام كيانى و شغفى و رغبتى، و ممتنة لهذا الحب الذى يكنه أبى لى. حينها أخترت بكامل ارادتى ان أدرس بالعريش و اعيش بكنفه هو و امى.
ثم جاءت مرحلة الدراسات العليا و الماجيستير و الدكتوراة الذين اضطررت معهم للسفر لجامعة عين شمس للدراسة. و كان أبى دائم الدعم لى الذى معه تحملت مشاق السفر. كنت اسافر و احضر مؤتمرات و اضطر للاقامة بمفردى احيانا لظروف العمل و لا أجد منه الا كل تشجيع و دعم.
فما أنا الا صنيعة أبى … صنيعة تحضره و رقيه. تغمده الله بواسع رحمته و اسكنه فسيح جناته.