سيناء .. العودة المقدسة
دكتور محمد بلال باحث في مركز بحوث الصحراء
منذ إشراقة شمس التاريخ القديم والحديث تنتفض الدولة المصرية دائماً نحو سيناء دفاعاً عن كيان الدولة ككل وفرض هيبتها ضد أعدائها ومنعاً للإعتداء على أرضها وشعبها .. وبعد أن تتطهر سيناء من دنس العابثين تنطلق رحلة التنمية على دروب سيناء وبين جبالها وعلى شواطئها و فوق هضابها وفي باطنها .. لا يجوز أن ننظر لسيناء نظرة الصحراء والنخيل والشواطيء فقط فهذا إجحاف كبير وإستهانة بدماء الشهداء الأطهار التي روت تراب سيناء فلا يمكن أن نتصور أن تضحيات هؤلاء الأبطال كانت لأجل أكوام من الرمال أو أمواج من البحر أو أشجار من النخيل .. الحقيقة هي أن سيناء هي أيقونة الشرف و درة تاج أرض مصر .. سيناء رمز للقداسة في الأديان السماوية الثلاث .. وهي ممر كل الغزاة تقريباً إلى داخل الوطن وأيضاً رمز الإنتصار في انتفاضة المصريين ضد أعدائهم وتحتل الأهمية الأولى في التنوع جغرافياً وتاريخياً وثقافياً ودينياً وسياسياً واقتصادياً .. سيناء الموقع الجغرافي كونها همزة الوصل بين أفريقيا وآسيا و بين شعوب البحر المتوسط والبحر الأحمر .. شبه جزيرة بها جبال شامخه من الرخام والجرانيت النادر وبها سهول خضراء للرعي ومخزون ضخم من تلال الرمال النقية الهامة للبناء والزراعة والصناعة وسواحل خلابة طويلة تصلح للسياحة والصيد .. وغيرها الكثير من ثروات الطبيعة التي اختص الله بها سيناء.
اليوم وبعد سنوات طويلة تعود سيناء بقوة إلى الواجهة في خريطة التنمية الإقتصادية في مصر .. ما يحدث في سيناء هذه السنوات يمكن وصفه بالمعجزة الحقيقية، فهذي الأرض لاتزال تتطهر من نجس الإرهاب الخسيس الذي أصاب الوطن في أغلى جزء فيه .. المعجزة الحقيقية أن تنطلق الدولة بكل طاقتها وإمكانياتها المسخرة والممكنة لتحويل الصورة النمطية لسيناء من ساحة للعمليات الإرهابية والسلوك الإجرامي الخارج عن القانون بمحاذاة الحدود الشرقية لمصر إلى عاصمة إقتصادية وتنموية جديدة و مصرية تقف شامخة في سنوات قليلة بجانب عواصم مصر الجديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة والعاصمة الساحلية الجديدة في العلمين والمنصورة الجديدة وغيرها .. إلا أن سيناء تظل هي التحدي الكبير الذي تبرز فيه الإرادة الحقيقية للتنمية ..
ظلت التنمية في سيناء ولعقود طويلة كلمة باهته فقدت قيمتها وسمعتها بمجموعة من المشروعات الصغيرة الغير مؤثرة حتى بدأ الناس يشعرون بأنها لا تزال تحتفظ بقيمتها وقوتها في كل المشروعات الضخمة التي بدأت تدب في أرض سيناء بعد كل تلك السنوات من الجمود.. ظلت التنمية في الغالب تبدأ من أقصى الشرق في مناطق رفح والشيخ زويد أو أقصى الجنوب في المناطق السياحية في شرم الشيخ ودهب وغيرها ثم تقل تدريجياً بإتجاه الغرب وصولاً إلى الضفة الشرقية لقناة السويس.. اليوم تختلف الرؤية الإستراتيجية للتنمية والتي ترتكز على ضرورة ربط سيناء بالوطن الأم أولاً بشبكة قوية من الأنفاق والكبارى العائمة والمحاور العرضية و الطولية بمحاذاة قناة السويس .. اليوم ترتبط سيناء بخمسة أنفاق جديدة في بورسعيد والإسماعيلية وإزدواج نفق الشهيد أحمد حمدي لأول مرة بعد أن ظلت لسنوات تعتمد على نفق واحد للعبور من الشرق للغرب أو العكس .. هذا بالإضافة إلى كوبري السلام بالقنطرة والمعديات البحرية التي تم تطويرها وتحديثها وزيادة حمولاتها وكذلك إنشاء كباري عائمة متطورة حديثة في مدن القناة الثلاث تيسيراً على المواطنين وإختصاراً لوقت ومجهود النقل .. تم تطوير الطرق الرئيسية في سيناء مع وضع خطة مستمرة لإستكمال رفع كفاءة كل المحاور والطرق الجديدة .. تم تطوير المحور الموازي لقناة السويس (محور شرم الشيخ- بورسعيد ) وربطه بالطريق الأوسط بعد رفع كفاءته وتوسعته أيضاً ليصل أقصى شرق سيناء .. زراعياً تم الإنتهاء من سحارة سرابيوم لنقل المياة إلى سيناء وعمل محطة معالجة المحسمة والتي تتيح فرصة الزراعة المستدامة لأكثر من خمسين ألف فدان قابلة للزيادة مستقبلاً في مناطق وسط سيناء .. أيضاً جاري الإنتهاء من محطة معالجة بحر البقر للإستفادة بأكثر من ٥ مليون متر مكعب من المياة الصالحة للزراعة يومياً سيتم ضخها عبر سحارة ترعة السلام إلى سيناء لتكون شرياناً رئيسياً في التنمية الزراعية في غرب ووسط سيناء ..
الدولة تتجه أيضاً ولأول مرة لإنشاء عاصمة إقتصادية في سيناء وهي مدينة سلام في شمال غرب سيناء وشرق شرق بورسعيد والتي تم تدشين العمل بها منذ عامين ومن المقرر الكشف عن مراحلها الأولى بنهاية العام إلى جانب مدينة شرق بورسعيد الجديدة (جاري الإنتهاء منها) ورفح الجديدة (جاهزة للإفتتاح) وبئر العبد الجديدة (جاري العمل بها) وأيضاً التجمعات السكنية البدوية في مناطق وسط وجنوب سيناء ..
الموانيء المصرية في سيناء تشهد طفرة حقيقية في التوسعات والإنشاءات بما يلائم الرؤية الإستراتيجية للإقتصاد والحركة التنموية القادمة بقوة .. هذا من بعض ما تم في مجال الموانيء البحرية ولعل ما لم يتم الكشف عنه بعد أكثر أهمية وضخامة ليليق بما تهدفه الدولة من طفرة تجارية وإقتصادية غير مسبوقة.
المطارات الجديدة التي تم إضافتها مثل مطار البردويل وتوسعته و إضافته للإستخدامات المدنية وأيضاً الخطة الطموحة لتطوير ميناء العريش الجوي وتوسعته يجعل من السهل التنبؤ بالخير القادم لسيناء وخاصة في الجزء الشمالي منها بعد سنوات طويلة من تعليق الخطط والبرامج التنموية.
سيناء أصبح لها أيضاً نصيب الأسد من محطات التحلية لتحسين ورفع كفاءة مياة الشرب ومياة الإستخدام المنزلي حيث سيتم بحلول منتصف العام الحالي الإنتهاء من تغيير شبكات مياه الشرب بشمال وجنوب سيناء لتتحول لأول مرة مياة الإستخدام المنزلي إلى مياة عذبة بنسبة ١٠٠٪ بعد الإعتماد بنسبة ٦٠٪ من الإستخدام على مياة الآبار المالحة والتي يتم ضخها في شبكات من الإسبستوس القديم المضر بالصحة والذي تم بالفعل بإستبداله بشبكات حديثة من المواسير البلاستيكية مما سيغير بشكل جذري منظومة المياة في تلك المناطق وسيقلل من أعداد المصابين بالفشل الكلوي وأمراض الجهاز الهضمي.
أيضاً تعتبر الطفرة الصناعية الحاصلة في وسط سيناء بإضافة مصانع الأسمنت والرخام لإستغلال الثروة المحجرية في وسط سيناء بالإضافة إلى مناطق صناعية أخرى جاري إنشائها وتدشينها وسيتم الكشف عنها قريباً من أهم ما يميز الرؤية الإستراتيجية للدولة لتنمية سيناء ..
هذا بعض ما تم الكشف عنه من خير قادم لسيناء أما ما لم يتم الكشف عنه فهو بحق أكبر وأضخم ويعتبر معجزة حقيقية لن تصدقها العقول البسيطة .. وستكون ضربة قاضية حقيقية لكل أفكار التطرف والإرهاب وأيضاً ستصبح بمثابة الطعنة القاتلة لكل أفكار الإحباط وسيناريوهات التخلي عن سيناء أو بيعها وغيرها من أفكار شيطانية ظلت لسنوات مسيطرة على بعض العقول المغلقة والقلوب السوداء نتيجة الترويج الشيطاني من أعداء الخير لهذا البلد العظيم والتي باءت كل مخططاتهم بالفشل الذريع في مواجهة كل تلك المجهودات التي ستنقل سيناء إلى مكانها الأصلي في قلب الخريطة التنموية العالمية ..
الخير قادم لا محالة وكلنا سنشاهد ما يثلج الصدور ويريح النفوس ويُقر العيون لنرى سيناء على رأس خريطة الدخل القومي لبلدنا الغالي المحفوظ بإذن الله؛ مصر.