القدس في القلب
كتب/ عبد الرحمن فتحي
الأقصى الشريف هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، وإليه كان مسرى نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومنه كان معراجه إلى الملأ الأعلى، وليس لمسلم على وجه البسيطة أن يفرط في أي من هذه المقدسات أو الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني وللأمة بأسرها.
أما وجود القدس في القلب، فهي في قلوب أبناء الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها، وذلك لأنها ارتبطت بدين سماوي وبكتاب أنزله الله سبحانه وتعالى على عبد ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وارتبطت بالمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء 1]، وارتبطت أيضا بمسرى النبي محمد ومعراجه، وبعبادة من أهم العبادات في الإسلام على الإطلاق، وهي عبادة الصلاة، التي فرضت في رحلة الإسراء والمعراج، التي كان المسجد الأقصى محطة من محطاتها، بل وكانت هذه البقعة هي القبلة الأولى يوم فرضت الصلاة.
وطالما أنّ القرآن الكريم كلام الله الذي أنزل على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فإنّ ذلك يعني أنّ التقديس الإلهي للقدس يخص عقيدة التوحيد دون سواها وبشكل أخص فإنه يخص الأمة التي أنزل القرآن لها وهي أمة الإسلام. وكل مقدس إلهي اتضح أمره في القرآن الكريم هو مقدس إسلامي، يخص كل منْ أمن بأنْ لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن انتقص هذا التقديس فإنه ينتقص والعياذ بالله من قدسية الله وما من محب لله ورسوله إلا ويحذر أنْ يقع في هذه الحرمة الواضحة. فالقدس لله ولرسول الله ولأمة الله، فرض على المسلم أن يحافظ عليها ويدافع عنها ويستشهد في سبيلها.
ولما أرسل رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- منحه الله سبحانه نبوة متكاملة فكان خاتم الرسل والأنبياء وإمامهم. ولحرصه -صلى الله عليه وسلم- على توضيح مكانة بيت المقدس فقد جعل من سنته الشريفة زيارة بيت المقدس كسنة إسلامية ترتبط بالحج إلى بيت الله الحرام. وعدم زيارة الحاج إلى بيت المقدس قبل أو بعد حجه للبيت الحرام إخلال بسنن الحج بل إنّ الحج ذاته إلى بيت الله الحرام يعتبر قاصرة إذا لم يقم المسلم الحاج بزيارة بيت المقدس. وقد سار السلف الصالح على هذا النهج فكان التقديس أي زيارة بيت المقدس سنة يطبقها المسلمون إما قبل توجههم إلى مكة أو بعد انتهائهم من تأدية فريضة الحج.
وما آل إليه المسلمون من تقصير واضح تجاه المطلب الإلهي هو انتقاص من قدسية خاصة من خاصيات الله سبحانه وتعالى. ولو قرأ المسلمون ماذا يعني ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى لما توانوا عن زيارة المسجد الأقصى. ولما رضوا أن يكون حجهم قاصراً.
ولو نظروا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصة بالقدس لأدركوا أنّ حجّهم غير مكتمل وأنّ عليهم واجباً كبيراً تجاه القدس. يبدأ بالحفاظ عليها وتذليل كل العقبات المادية والحدود المصطنعة وينتهي بالجهاد المسلح لتحريرها من قتلة الأنبياء وأعداء دين التوحيد من يهود وصليبيين.
فهل نحن معاً في فهم النداء الإلهي الذي يناشدنا نحن أمة التوحيد أنْ نحافظ على مقدساتنا أن نرعاها ونظللها بنداء الله أكبر ونحن ندور في جنباتها ونسعي بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة؟ هل نحن معاً في فهم مقاصد الحديث النبوي الشريف الذي قال إن القدس أرض الرباط وهي القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين. هل ندرك أن زيارتها والجهاد من أجلها تلبية لنداء إلهي قرآني؟