تقرير: إعادة الزخم للقضية الفلسطينية يسلط الضوء على دور مصر الاستراتيجي كقوة إقليمية فاعلة
في أول زيارة من نوعها لرئيس مخابرات مصري منذ مطلع هذا القرن، والأولى لمسؤول عربي بارز لقطاع غزة منذ عام 2018، التقى الوزير عباس كامل رئيس المخابرات المصرية على رأس وفد أمني، ممثلين عن حركة حماس لبحث سبل البناء على وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية والذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية الشهر الماضي.
وتوجه كامل للقطاع غداة زيارته لإسرائيل واجتماعاته مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بيني جانتس وكذلك زيارته للضفة الغربية ومحادثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وفور وصوله إلى غزة، كانت الأجواء الترحيبية هي السائدة، فازدانت الطرقات الرئيسية بالعلمين الفلسطيني والمصري وصور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تقديرا لدور القاهرة في التوصل للتهدئة الأخيرة، وهو ما رصدته العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، ووصفت شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية انتشار الأعلام المصرية وصور السيسي في غزة بـ”اللافت”.
وتأتي هذه الزيارة استمرارا ومتابعة للدور المصري في التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية والذي لاقى ترحيبا كبيرا من قبل المجتمع الدولي، وفي مقدمته قوى دولية وإقليمية كالولايات المتحدة ممثلة في رئيسها جو بايدن.
ويرى العديد من المحللين أن نجاح مصر في وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سلط الضوء مجددا على دور القاهرة الاستراتيجي كقوة إقليمية فاعلة.
وفي هذا السياق ركزت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية على دور الوسيط الذي غالبا ما تقوم به مصر بين إسرائيل وحماس، واصفة القاهرة بأنها “لاعب رئيسي” في المفاوضات التي أفضت إلى وقف الصراع الأخير الذي امتد لأحد عشر يوما.
من جهتها، قالت كريستين ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن ، لصحيفة فاينانشيال تايمز إن “التوسط في أزمة يتطلب اتصالا موثوقا به بين الجانبين.. مصر وإن تراجع نفوذها فإنها لا تزال تحتفظ برأس المال السياسي والثقافي والروابط المهمة التي بنيت من خلال علاقاتها التاريخية”.
ووصف الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل مصر بأنها “كانت دائما الأكثر تأثيرا في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار والوصول إلى تفاهمات بين غزة والاحتلال (إسرائيل)، فإنها هذه المرة لم تتوسط من خلال جهاز المخابرات الذي يمثل المستوى الأمني في مصر، وإنما من خلال الوزير كامل نيابة عن الرئيس المصري”.
واعتبر أن ملف تثبيت وقف إطلاق النار “يعد استحقاقا مهما بالنسبة لمصر، إضافة إلى ملف العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية، وما يرتبط بالمصالحة وعملية الإعمار”.
ويرى مراقبون أن الزيارة “المهمة” لرئيس المخابرات المصرية لغزة وما حمله من حزمة مقترحات تتعلق بتثبيت التهدئة وإعادة الإعمار والمصالحة الفلسطينية فضلا عن صفقة لتبادل الأسرى، يتم بموجبها الإفراج عن أسيرين مدنيين إسرائيليين لدى حركة حماس ورفات جنديين اثنين، مقابل عدد لم يحدد من السجناء الفلسطينيين لدى تل أبيب، حسبما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، ستزيد من رصيد مصر وتعزز مكانتها حال تنفيذها.
ولم تتزامن زيارة كامل لغزة، يرافقه وزراء من السلطة الفلسطينية، بقوافل مساعدات إنسانية تشمل عشرات الشاحنات هدية من مصر لسكان القطاع فحسب، بل بتوجيهات من الرئيس السيسي بضرورة إيصال كافة المساعدات للمواطنين في غزة ودعوته لجميع القوى الإقليمية والدولية لدعم جهود مصر لإعادة الإعمار في القطاع.
وشدد السيسي على أن مصر تقوم بجهد كبير من أجل تثبيت التهدئة والعمل على إفساح المجال للعودة إلى العملية السلمية بالتعاون مع القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ودعا الرئيس المصري الفصائل الفلسطينية لاجتماع في القاهرة الأسبوع المقبل للاتفاق على رؤية مؤحدة للتحرك الوطني الفلسطيني، وكذلك الخطوات اللازمة لإنهاء الانقسام الفلسطيني ووضع خارطة طريق للمرحلة القادمة، وهو ما يظهر مدى الرغبة المصرية في تحقيق اختراق هذه المرة.
وترفض حركة حماس ربط إسرائيل ملف إعادة الإعمار بإحراز تقدم على صعيد صفقة تبادل الأسرى، وهي المسألة التي تسعى القاهرة حاليا إلى إيجاد حل لها والتي كانت أحد محاور المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الإسرائيلي جابي أشكنازي خلال زيارته لمصر هذا الأسبوع، وهي الأولى من نوعها لوزير خارجية إسرائيلي منذ 13 عاما.
وترجع أخر صفقة كبيرة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس إلى عام 2011، والتي أطلقت تل أبيب بموجبها سراح 1027 فلسطينيا مقابل جنديها الذي كان محتجزا لدى الحركة جلعاد شاليط.
وفي ضوء الترحيب الكبير الذي لاقته التحركات المصرية مؤخرا لوقف القتال من قبل الفلسطينيين، وما أعقب ذلك من اتصالات وزيارات مكوكية للوفود الأمنية المصرية بهدف لم الشمل وتوحيد الكلمة، يرجح مراقبون نجاح جولة محادثات القاهرة المقبلة بين الفصائل الفلسطينية.