في ذكرى وفاته.. رجائي الميرغني.. رحلة عقود من النضال بدأت من بيت العائلة
كان الكاتب الصحفي الراحل رجائي الميرغني (1948 – 2020) سليل عائلة وطنية وثورية، خاضت الكثير من المعارك في سبيل الوطن ودفاعاً عن استقلاله، فكان والده الشيخ محمد الميرغني واحدًا من قادة ثورة 1919، وأحد خطبائها الذين آمنوا بالوحدة الوطنية، وراح يلقي الخطب في المساجد والكنائس على السواء، وامتدت مسيرة الأب الحافلة بالنضال، لتصل إلى اختياره عضواً في اللجنة الوطنية التي أدارت شؤون بندر المنيا في أثناء أحداث الثورة -مسقط رأس العائلة- وخاض انتخابات مجلس النواب، وتصدر للدفاع عن حقوق الضعفاء والفقراء وتصدى لمحاربة الفقر والجهل.
من هنا صار الميرغني الصغير على دين أبيه، عرف النضال والدفاع عن الوطن منذ نعومة أظفاره، فكرّس حياته لاستكمال ما بدأه الميرغني الكبير، فكانت الصحافة والإعلام أول الطريق، فمن خلال دراسته للصحافة أسهم فى الحركة الوطنية للطلاب منذ تفجرها فى فبراير 1968 قبل أن يتخرج من قسم الصحافة عام 1970 ويبدأ مشواره المهني والنضالي.
وتحل اليوم الخميس الذكرى الأولى لوفاة الكاتب الكبير رجائي الميرغني، والذي توفي في مثل هذا اليوم من العام الماضي، إثر أزمة صحية صدرية، عن عمر ناهز 72 عاماً.
لم يلبث الميرغني أن يتخرج ويعمل محرراً بقسم الأخبار في وكالة أنباء الشرق الأوسط، حتى وجد نفسه على طريق الحرب، حينها لم يكن صوت يعلو فوق صوت المعركة والاشتباك مع العدو الإسرائيلي لاسترداد كامل تراب الوطن، فشارك في حرب السادس من أكتوبر 1973، وكان حينها مجنداً في الجيش المصري، فقاتل ضمن صفوف اللواء 16 مشاة في معركة “المزرعة الصينية” بالدفرسوار، والتى تكبد فيها العدو خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات، وأصيب الميرغني بشظية مدفعية خلال المعركة، وبعد تضميد إصابته عاد إلى أرض المعركة.
وعن هذه المرحلة التاريخية في حياته، كتب الميرغني عن نفسه: “بدأُتُ دراستى الجامعية فى عام النكسة، وخلالها كنت واحدا من الجيل الذى أسهم فى عودة الحركة الطلابية الوطنية المستقلة إلى الجامعة، وشهد انبعاثها في عام الغضب ورفض الهزيمة، وأنهيتها فى عام اللا حرب واللا سلم، بعد قبول عبدالناصر وقف إطلاق النار على جبهة القتال مع إسرائيل، واستلمت أول عمل لى كمحرر صحفي في عام الحسم، الذى تراجع عنه السادات وأعاد تسميته بـ(عام الضباب)، وأصبحت مقاتلا فى جبهة القناة في بداية عام العبور، وخضت معارك الدفرسوار و أصبت بشظية مدفعية خلال حرب أكتوبر المجيدة”.
انتهت الحرب لكن رحلة الميرغني لم تنته بعد، فعاد من جديد إلى صاحبة الجلالة ليكمل ما بدأه قبل المعركة في وكالة أنباء الشرق الأوسط، فقاد مع زملائه بالوكالة حملة رفض إلحاق الوكالة بوزارة الإعلام عام 1984، والتى انتهت بإعلان الحكومة تخليها عن هذا المخطط.
وخلال عمله بالوكالة، تنقل الميرغني بين مختلف إدارات التحرير، وتخصص فى الشئون الفلسطينية والعربية، وعمل نائباًَ لرئيس التحرير بالوكالة اعتباراً من 2007 والمسؤول عن شبكة المراسلين للوكالة داخل مصر وخارجها حتى 2013، كما عمل مديراً لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط فى العاصمة اليمنية صنعاء خلال الفترة من 1988 – 1992.
وارتبط الميرغني بالعمل النقابي منذ عام 1980، وشارك فى مختلف معارك الدفاع عن حرية الصحافة واستقلال النقابة، وواصل مسيرته وانتخب عضواً فى مجلس نقابة الصحفيين لدورتين متتاليتين لمدة 8 سنوات بدءًا من عام 1995 وحتى عام 2003، فكانت الدورة الأولى من 1995 – 1999، وخلال هذه الدورة تميز الميرغني بإسهامه الفكري والقانوني فى التصدي لقانون اغتيال حرية الصحافة “93” لسنة 1995.
وامتدت مسيرة الميرغني مع النقابة، ليشغل منصب وكيل أول مجلس النقابة خلال الدورة من عام 1999 وحتى 2000 واختير وكيلاً أول للنقابة ورئيساً للجنة القيد.
ومن إسهاماته التي لا تنسى، عمله ضمن لجنة صحفية قانونية ضمت أحمد نبيل الهلالى والمستشار سعيد الجمل والدكتور نور فرحات وحسين عبدالرازق ومجدى مهنا فى صياغة إعداد “مشروع قانون الصحافة” فى مواجهة مشروع القانون الحكومى إبان أزمة القانون “93”، وإسهامه فى أعمال اللجنة المكلفة بإعداد مشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، كما شارك فى صياغة مشروع ميثاق الشرف الصحفى الذى أقرته الجمعية العمومية فى يونيو 1996.
حاز الميرغني على العديد من التكريمات، منها تكريمه من الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ضمن 34 شخصية عامة أسهمت في تعزيز جهود التحول الديمقراطى خلال العقد الأول من الألفية الثالثة (2010)، كما نال العديد من الأوسمة والدروع وشهادات التقدير من مؤسسات وهيئات مدنية وصحفية لدوره البارز فى أنشطة المجتمع المدنى المتصلة بقضايا حرية التعبير والصحافة وتطوير الإعلام، وتكريما لمشواره النقابى والصحفى المتميز وانحيازه لحرية الصحافة والدفاع عن حق التعبير والنشر.
كان الميرغني مزيجاً لا مثيل له، فإلى جانب مشواره المهني الحافل، تميز نبوغه بإبداعات فى مجال الشعر “الرباعيات” وكتابة القصة “أكتوبر”وممارسة النقد الأدبى وله العديد من المقالات فى هذا المجال، والعديد من اللوحات في الفن التشكيلي والرسم الجرافيتى داوم على إبداعها رغم انشغالاته وهمومه السياسية والمهنية الكبيرة.
من هنا صار الميرغني الصغير على دين أبيه، عرف النضال والدفاع عن الوطن منذ نعومة أظفاره، فكرّس حياته لاستكمال ما بدأه الميرغني الكبير، فكانت الصحافة والإعلام أول الطريق، فمن خلال دراسته للصحافة أسهم فى الحركة الوطنية للطلاب منذ تفجرها فى فبراير 1968 قبل أن يتخرج من قسم الصحافة عام 1970 ويبدأ مشواره المهني والنضالي.