اللواء محمد عبدالواحد خبير الأمن القومي: قدرتنا تفوق إثيوبيا لكننا نراهن على حل أزمة السد سلميا -حوار
الحرب على غزة أظهرت قدرة الدولة المصرية على التكيف مع المتغيرات الإقليمية
قال اللواء محمد عبدالواحد، خبير الأمن القومى والشئون الإفريقية، إن مصر تعمل حاليا على إعادة رسم سياستها الإقليمية والخارجية على أساس استعادة مكانتها كقوة إقليمية كبرى، وبقدرة كبيرة على الالتزام بالمرونة العالية والتكيف مع المتغيرات العالمية، والارتباط بالتفاعلات الإقليمية والدولية.
وتابع عبدالواحد فى حوار مع «الشروق»، إن السياسة المصرية عملت أخيرا فى عديد من الملفات، لتتجاوز العديد من التحديات الخارجية ومحاولات بعض القوى الإقليمية للقفز على الدور المصرى فى الإقليم، لتثبت أن الدور المصرى قوى، ومؤثر بحكم التاريخ والجغرافيا والأثر الفاعل، مشيرا إلى أن القوة العسكرية المصرية تفوق بشكل كبير قدرات إثيوبيا، لكن القاهرة تراهن دائما على امكانية ايجاد حلول سلمية لأزمة سد النهضة وغير من الأزمات فى الإقليم.
وإلى نص الحوار:
< كيف تقرأ ملامح السياسة الخارجية المصرية فى الفترة الماضية؟
ــ بشكل إجمالى، اتسمت السياسة الخارجية المصرية، بالمرونة العالية، والقدرة على التكيف مع المتغيرات العالمية، والارتباط بشكل مباشر بالتفاعلات الإقليمية والدولية.
ملامح السياسية الخارجية المصرية الجديدة بدأت تتشكل بعد 30 يونيو 2013، وحدد توجهاتها القيادة السياسية، باعتبارها صانع السياسة الخارجية المصرية بمعنى أنها تضع المحددات العامة لوزارة الخارجية فى سياساتها واتصالاتها الخارجية، وكانت هناك تحديات كبيرة فى تلك الفترة، لكن القيادة السياسية تجاوزتها بانضمام مصر إلى المجتمع الدولى مرة أخرى، وهو نجاح كبير ومهم.
< ما أبرز التحديات التى واجهت السياسة الخارجية المصرية خلال الفترة الماضية؟
ــ مصر وجدت نفسها خلال الفترة الماضية، محاطة بصراعات إقليمية كبيرة جدا، تؤثر على الداخل المصرى، أبرزها، التوترات فى ليبيا من جهة الغرب، وهى حدود مفتوحة لأكثر من ألف كم يصعب تأمينها، والمشكلات الأمنية من الناحية الغربية، لها بعدان الأول أمنى معنى بتأمين الحدود، والثانى تأثير الفوضى فى الداخل الليبى على الداخل المصرى، وهو ما ظهر فى عدد من الحوادث الإرهابية التى ضربت مصر، وتعاملت مصر مع هذه التحديات بحكمة شديدة طبقا للمتغيرات الإقليمية.
أضف إلى ذلك أن مصر اعتمدت فى سياستها الخارجية الفترة الماضية، منهج التسوية السياسية والحفاظ على الاستقرار فى الإقليم كله، كثوابت للسياسة الخارجية المصرية، وصولا إلى إعلان القاهرة الذى مثل نقلة كبيرة فى طريق التسوية السياسية الليبية.
تحدٍّ آخر واجه السياسة الخارجية المصرية، هو الإرهاب، وتواجد جماعات إرهابية على الحدود، ونجحنا فى تجفيف منابع الإرهاب فى مصر كلها، وهو ما تم توظيفه لصالح الدور المصرى فى المنطقة، والترويج لقدرة مصر على السيطرة على الجماعات الإرهابية.
فى الأزمة الأخيرة «الحرب على غزة»، أظهرت السياسة الخارجية المصرية قدرة الدولة المصرية ومرونتها العالية فى التكيف طبقا للمتغيرات الإقليمية.. فمصر وبرغم كل الرواسب مع حركة حماس، كانت موجودة منذ اليوم الأول للأزمة، وفتحت قنوات اتصال مباشرة مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وهناك الكثير من الكواليس تمت فى الغرف المغلقة، والعالم كله أشاد بالدور المصرى وقدرته على تحقيق اختراق سريع جدا للطرفين، لأن مصر من أكثر الدول قدرة على التعامل مع الملف والقضية الفلسطينية.
< مرونة السياسة الخارجية المصرية فى الفترة الماضية، هل يمكن تسميتها بتحولات، أم إعادة تموضع؟
ــ أحد تعريفات السياسة، هى إدارة التحالفات لتحقيق المصالح القومية، فعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة فى حربها على الإرهاب فى المنطقة، تحالفت مع الأكراد، ثم تراجعت وتركتهم بشكل كامل للأتراك.. فالتحالفات تتغير طبقا للمصالح، والسياسة الخارجية المصرية لديها مرونة عالية جدا تستنبط أشكال التحالفات وتغيراتها.
< كيف وظفت مصر، تناقضات وصراعات الدول الكبرى، للعب دور إقليمى كبير؟
ــ هذا سؤال ذكى جدا، منطقة الشرق الأوسط شهدت العديد من التناقضات، ومصر استوعبت هذه التناقضات ووظفتها لصالح دورها الإقليمى واستفادت منها، ولم يكن هذه التناقض عرقلة لتحقيق المصالح القومية المصرية.
< هل يمكن القول أن مصر أعادت صياغة نظرية الأمن القومى فى السياسة الخارجية؟
ــ مصر أعادت تطوير نظرية الأمن القومى.. فالأمن القومى نسبى وليس مطلقا، ويتغير مفهومه بتغير الظروف والتهديدات والأزمات، وبالتالى تغير النظرية أمر وارد ومقبول سياسيا، والسؤال من الذى يكتب الأمن القومى؟ من يكتبه هى الجغرافيا السياسية، والتراكمات التاريخية والخبراء المتخصصون فى رصد التغيرات السياسية والجغرافية، لكن من يصيغ النظرية هم النخب، السياسية والعسكرية، وفقا للتاريخ وللجغرافيا السياسية.
الأمن القومى كان يضم دوائر محددة، لكن بعد ثورة الاتصالات لم يعد هناك حدود، لأن جماعات الجريمة المنظمة، المنظمات الارهابية والجماعات السياسية وجماعات المصالح والشركات متعددة الجنسيات كلها تعمل فى إطار أنها عابرة للحدود، وهو ما يستلزم تغيير نظريات الأمن القومى، ولم يعد مفهوم الأمن القومى مرتبط بالحدود فقط، وانما مرتبط أيضا بالتهديدات.
< ما هى أبرز التهديدات التى تواجه الأمن القومى المصرى؟
ــ هناك تحديات فى الغرب إلى أن تشهد ليبيا الاستقرار الدائم ويتم التخلص من الميليشيات المسلحة والجماعات الارهابية، كذلك هناك مشاكل فى غرب إفريقيا، مثل وجود تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب، وهو عنيف جدا.
تحدى الشمال، ونعنى به شمال البحر المتوسط، حيث تحاول مصر الحفاظ على حقوقها من خلال توقيع اتفاقيات مع الدول المشاركة كى تتحول بلادنا إلى مصدر للطاقة وتعظيم دورها خلال الفترة القادمة.
تحدى مواجهة نفوذ وحصار نفوذ وتمدد دول ليست عربية ولكنها من دول الجوار العربى، هناك أربع دول تركيا، ايران، اثيوبيا، وإسرائيل، تحاول السيطرة الكاملة على مياه العرب.
< بمناسبة إثيوبيا.. ما سر تعنتها فى أزمة سد النهضة؟
ــ مشروع السد الاثيوبى مرتب له منذ فترة طويلة جدا، والدولة الإثيوبية على مر التاريخ وتحديدا كل 50 عاما، تهدد حاكم مصر عن طريق نهر النيل بدون أى سبب. وبالنسبة لأزمة سد النهضة، حتى الآن مصر لم تستخدم القوة العسكرية ضد إثيوبيا، مع إن ميزان القوة لصالح مصر، والسبب فى ذلك أن مصر تفضل دائما اللجوء إلى ايجاد حلول للازمات والمشكلات بالطرق السلمية، سواء فى ليبيا أو سوريا أو اليمن أو باقى دول الجوار.
< كيف نحلل زيارة الرئيس السيسى لجيبوتى أخيرا؟
ــ زيارة الرئيس لجيبوتى، مهمة للغاية وفى توقيت مناسب جدا، فى اطار حشد الدولة المصرية لجهودها فى سد النهضة، خصوصا فى الجوار الحغرافى لاثيوبيا، والعلاقات المصرية الجيبوتية متميزة جدا، وهناك تنسيق فى عدد من القضايا وتواصل مستمر، لأن جيبوتى تمثل ركيزة للامن القومى المصرى لأنها تطل على باب المندب، وأهمية جيبوتى لاثيوبيا أنها الرئة التى تتنفس منها عن طريق الصادرات والواردات من ميناء جيبوتى.
< هل تجاوزت مصر المماحكات الإقليمية لانتزاع الريادة منها؟
ــ كان هناك صراع فى الاقليم على يلعب البعض دور مصر، والقاهرة تركتهم، وراقبت من بعيد، لكن عند اشتعال الأحداث تدخلت فجأة وبقوة وبحسم، مثل ما حدث فى أزمة العدوان على قطاع غزة، واستطاعت التوصل إلى وقف إطلاق النار وتحقيق هدنة، وبالتالى أيقن العالم أنه لا يستطيع التخلى عن دور مصر.. ومصر نفسها لا تفرط فى هذا الدور لأنه بوابة نفوذها فى المجال الإقليمى والدولى كله.. الدور المصرى قوى، والعالم كله لا يستغنى عنه، ولا يمكن إضعافه.
< اتصال الرئيس الأمريكى بالرئيسى السيسى هل يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين؟
ــ ثوابت العلاقات الامريكية المصرية قائمة على 5 اشياء، الحفاظ على اتفاقية السلام، والدور المصرى فى القضية الفلسطينية، ومكافحة الارهاب، وتأمين قناة السويس، والدور المصرى فى الاقليم، ولأن السياسة تحكمها المصالح ولا مجال فيها للعواطف فإن بايدن اتصل بالرئيس السيسى لأن الدور المصرى فى المنطقة فرض ذلك، وطبقا للمصالح فسوف تتطور العلاقات الأمريكية المصرية خلال المرحلة المقبلة.
وإلى نص الحوار: