سفير موسكو بالقاهرة جيورجي بوريسينكو يكتب: روسيا ومصر في النضال المشترك ضد النازية
تحافظ روسيا بعناية على تاريخها وتخلد أبرز الأحداث التذكارية التى تشهد على بطولة وشجاعة شعبها وكذلك صفحات التاريخ المأساوية التى مرت بها روسيا. فنحن نولى اهتماما خاصا لجميع الذكريات المرتبطة بالحرب العالمية الثانية والتى تسمى فى دول الاتحاد السوفيتى السابق بالحرب الوطنية العظمى. وفى يوم التاسع من شهر مايو من كل عام يتم فى روسيا اجراء العروض العسكرية الضخمة والاحتفالات المختلفة الاخرى بمناسبة النصر فى الحرب الوطنية العظمى الذى تم الاعلان عنه بعد توقيع وثيقة الاستسلام الكامل وغير المشروط للجيش الألمانى النازى فى عام 1945.
ولكنه فى هذا العام يذكر جميع سكان دول الاتحاد السوفيتى السابق، خاصة الأجيال الأكبر سنًا، ذكريات حزينة لأهوال وبشائع من حرمان وتعذيب خلال هذه الحرب حيث انه فى يوم 22 يونيو عام 1941 ــ قبل 80 عامًا بالضبط ــ شنت القوات النازية هجومًا غادرًا على الاتحاد السوفيتى بدون الإعلان للحرب. وسار الشعب السوفيتى طوال 1418 يومًا وليلة نحو النهاية المنتصرة لأشد صراعات القرن العشرين شراسة ودموية. حيث فقد شعبنا 26.6 مليون شخص وذلك يساوى نصف الخسائر البشرية التى نتجت عن المواجهات الدامية مع قوات هتلر التى اجتاحت الكوكب بأسره.
والجدير بالذكر انه قد خسرت قوات التحالف النازى ثلاث أربع من قدرتها البشرية خلال مواجهاتها فى المعارك مع الجيش الاحمر وتكبدت منه أشد الخسائر التى غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية. فالدور البطولى الذى قام به الشعب السوفيتى تحت شعار «لا تراجع ولو خطوة للخلف» حافظ على العالم على الصورة التى نعرفها الآن.
شهدت الاراضى الروسية خلال الحرب الوطنية العظمى العديد من المعارك الدامية بما فى ذلك المعركة الشهيرة التى دامت ستة أشهر فى ستالينجراد وأكبر معركة للدبابات فى تاريخ البشرية فى كورسك. كما جرت ايضا العمليات العسكرية فى أفريقيا فى الفترة من 13 سبتمبر عام 1940 إلى 13 مايو عام 1943 حيث شهدت مصر عدوانا ألمانيًا وحشيا الذى اسفر عن نشوب أكبر مواجهة عسكرية فى القارة فى العلمين.
ويعتبر النصر فى المعركتين اللتين دارتا فى الفترة من 1 إلى 27 يوليو ومن 23 أكتوبر إلى 5 نوفمبر عام 1942 بالقرب من الإسكندرية حدثا تاريخيا ذو أهمية كبيرة وإحدى النقاط التى غيرت مجريات الحرب.
وقد كتب العديد من مواطنينا الذين كانوا يعيشون خلال تلك الفترة فى مصر ويبلغ عددهم أكثر من 1100 شخص على الأراضى المصرية فى مذكراتهم عن الأحداث التى وقعت فى مصر آنذاك. حيث قصفت الطائرات الإيطالية والألمانية بلا رحمة ميناء الإسكندرية الاحياء السكنية للمدينة وكذلك المناطق السكنية ذات الكثافة السكانية العالية بالقاهرة وبورسعيد والاسماعيلية ودمنهور. كما تعرضت السفن المارة عبر قناة السويس للقصف الجوى والى محاولات مستمرة لزرع الالغام بالقناة بواسطة سفن دول الكتلة الفاشية. وفى موازاة ذلك شنت «الجبهة الأفريقية» لهتلر هجومًا بريًا تم إيقافه على بعد مائة كيلومتر فقط من مدينة الإسكندرية.
وكما تشهد الأسماء المحفورة على أعمدة النصب التذكارى فى مقبرة الحلفاء فى العلمين وعلى شواهد القبور فى المقبرة العسكرية فى مدينة القنطرة على مشاركة العديد من مواطنينا فى المعارك ضد الجيش الألمانى النازى فى أفريقيا. فعلى سبيل المثال كان المقدم ديمترى أميلاكفارى المولود فى الامبراطورية الروسية والذى حارب على جانب الفيلق الأجنبى الفرنسى وتوفى فى أكتوبر 1942 يتمتع بشعبية كبيرة فى المقاومة الفرنسية. وقد تلقى ديمترى أميلاكفارى قبل وفاته أعلى جائزة رسمية فرنسية على يد الرئيس الفرنسى الأسبق شارل ديغول.
وخلال الهجوم الذى أعقب معركة العلمين تم إطلاق سراح العديد من أسرى الحرب وبينهم السوفييت الذين أعيدوا إلى وطنهم بعد ذلك. حيث جنود الجيش الأحمر الأسرى إلى ديارهم عبر إيطاليا ومصر، حيث تم إنشاء معسكر عبور لهم فى منطقة الاسماعيلية. بهذا الشكل تم اجلاء نحو 6 آلاف شخص إلى الاتحاد السوفيتى. وقد ساعدت بعثة إعادة التوطين السوفيتية فى القاهرة على عودة مواطنى الاتحاد السوفيتى إلى وطنهم.
وقد تركت إقامة مواطنينا فى شمال أفريقيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية أثرا ملحوظا فى تاريخ الروابط الإنسانية السوفيتية العربية والتى نشعر بها شكل خاص هنا فى مصر. حيث أتيحت الفرصة للعائدين للتواصل مع أبناء الشعب المصرى. وكما ورد من مذكرات السوفييت أن المصريون كانوا يرون جنود الجيش الأحمر كممثلى القوة المنتصرة فى المواجهة الكبيرة على النازية على النطاق الكوكبى.
اُقيمت العلاقات الدبلوماسية بين مصر والاتحاد السوفيتى فى سنوات الحرب العالمية الثانية (فى 26 أغسطس من عام 1943). ووصل دبلوماسيونا إلى القاهرة فى نوفمبر لعام 1943. ويُعتبر عرض الفيلم الوثائقى «ستالينجراد» فى 15 مايو لعام 1944 فى سينما «أوبرا» القاهرة حدثا تاريخيا كان بمثابة اطلاق حملة لجمع التبرعات المالية لمساعدة السكان المدنيين فى الاتحاد السوفيتى.
واليوم تستمر روسيا ومصر بالحفاظ على الذكريات المشتركة عن تلك الدروس البشعة للحرب العالمية الثانية. وليس من قبيل الصدفة أن تكون مدينة فولجوجراد الروسية (ستالينجراد سابقًا) ومدينة بورسعيد المصرية مدينتين متآخيتين وتسمى الساحة المركزية فى المدينة المصرية باسم «ستالينجراد».
تدعو روسيا على الصعيد الدولى بشكل مستمر إلى عدم جواز تحريف وتشويه الحقائق والثوابت للتاريخ. فى هذا السياق، نشكر الأصدقاء المصريين على دعمهم فى 16 ديسمبر لعام 2020 للقرار الذى طرحناه فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التصدى لتمجيد النازية والنازية الجديدة وغيرها. ونأمل فى أن نواصل بذل الجهود المشتركة للحفاظ على العدالة التاريخية والسلام والاستقرار العالميين من أجل منع تكرار إراقة الدماء المروعة التى تعرضت لها بلادنا منذ 80 عاما.
ولكنه فى هذا العام يذكر جميع سكان دول الاتحاد السوفيتى السابق، خاصة الأجيال الأكبر سنًا، ذكريات حزينة لأهوال وبشائع من حرمان وتعذيب خلال هذه الحرب حيث انه فى يوم 22 يونيو عام 1941 ــ قبل 80 عامًا بالضبط ــ شنت القوات النازية هجومًا غادرًا على الاتحاد السوفيتى بدون الإعلان للحرب. وسار الشعب السوفيتى طوال 1418 يومًا وليلة نحو النهاية المنتصرة لأشد صراعات القرن العشرين شراسة ودموية. حيث فقد شعبنا 26.6 مليون شخص وذلك يساوى نصف الخسائر البشرية التى نتجت عن المواجهات الدامية مع قوات هتلر التى اجتاحت الكوكب بأسره.