افتتاحية العشق
د. هيفاء الأمين
متى برقَ البرقُ وأورَقَ العودُ ردَّدَ البلبلُ صوتاً فقالتْ له واحدةٌ من العنادلِ :
واه لكَ فكمْ أنتَ حسنُ الصوتِ !
تُبْكي مَنْ يسمعُكَ وتُشْجي مَنْ يسألُك وتحبُّ أنْ ترقبَ الناسَ وهُمْ يبكونَ فلمَ ذلك ؟!
فأجابَ البلبلُ :
وردَةٌ أحَبَّتْني وذبلَتْ فكيفَ أنسَاها وهيَ تحبني، فإنْ بكيتُ أفرَحْتُكُمْ وإنْ شكوتُ أطرَبْتُكُمْ وإنْ سكتُّ أحزَنْتُكُمْ ، إنْ كتمتُ فإني أكتمُ حسرَةً وشوقًا وإنْ بُحْتُ فإني أبوحُ بالوجْدِ والحرْقِ فهلْ أبكيتكُمْ أمْ أطربتكُمْ ؟
متى تحمِلُني الريحُ إليكم فأنكَبُّ على أقدامِكُمْ
أقبِّلُها فأحرقُ القَدَمَ بغربتي وأبكي وأبيِّنُ شكوَتي، وكَمْ أحْبَبْتُ وردَّدتُّ لحناً فيه العفَّةُ والبراءةُ وفيه الشقاءُ والجفاءُ ، فلا تسألوني مَنْ أنا واسألوا وردَةً ذبلَتْ فهي تخبرُكُمْ عنِّي وتُعْلمُكُمْ بما جرى لي ، والوردُ لا يكذبُ فهو أنبلُ مِنْ كلِّ ما رأيتُ ومِنْ كلِّ ما شاهدتُّ ، تُمْسِكُ به فيستحي منكَ وتقطفُهُ فيدعو لكَ فهلْ بعدَ هذا نُبْلٌ ؟
تمدُّ له يداً فيمسِكُ بيدكَ ويقبِّلُها ، فاحذرْ مِنَ الوردِ فإنه مُحبٌّ متى كدَّرْتَه ماتَ فلا تقربْ مِنْ وردةٍ متفتحَةٍ فإنها تُجِلُّكَ بريحها وتُحيطُكَ بعبيرها ، وإنْ ملأتَ منها أنفاسَكَ فلا تذكرْ
أنكَ أحْبَبْتَ ، فسوفَ تموتُ فاكتمْ وأنصحُكَ بأنْ تجري إلى نهرٍ قريبٍ وتغرفُ غرفةً تسقي بها تلكَ الوردَةَ فإنْ برقَ البرقُ فإنها كلَّمَتْكَ بكلامٍ لمْ تفهمْهُ فلا تعتبْ وانسَ أنكَ تكلَّمْتَ معها ، فهيَ أنا وأنا حرْتُ بحبِّكَ فهلْ أحبُّكَ وأحبُّ فيكَ كلَّ محاسِنَكَ ، أمْ أحني رأسي وأنسى وأنتَ حَلَلْتَ في قلبي لا تبرَحْ فأنتَ رسَمْتَ بكلِّ شقٍّ فيه قصَّةَ حُبٍّ فبرَبِّكَ هلْ شكَوْتُ لك ؟
وهلْ كتبْتُ لكَ وإنْ كلَّمْتُكَ بكلماتٍ فيها أحلى حُبٍّ فهلْ تصدقني ؟ تسكنُ الفؤادَ وتُرْديهِ وتقرُّ فيه وتُدْميهِ فأنتَ روحٌ في الجسدِ فلا
تبرَحْ إلا بهِ ولا تقرُّ إلا به ، وبي منكَ مابي من الوجدِ كلما حرتُ فيكَ أنشدُ عنكَ مَنْ لا أعرفُ ، فأنا مَدٌّ في بحركَ وجزرٌ في برِّكَ ، تكادُ تُشجيني بحبٍّ لمْ أرَهُ فأنتَ منِّي صبابَةٌ ومرارَةٌ وأحلفُ بالله إني لمْ أحبَّ فكيفَ أحبُّكَ واحتجْتُ إلى سؤالِكَ عنْ كلماتٍ حشرتها حشراً فكانتْ كاللحنِ النشازِ في السيمفونيةِ الرائعةِ تشدُّكَ إليها ، فلا تستطيعُ فِكاكًا وتسمعُها فكأنكَ تسمعُ شعرًا أو كلماتٍ أرقى منْ كلِّ ما سمعْتَ ، فلا تذكرِ الحبَّ فإني أمسيتُ بلا حُبٍّ …