محكمة النقض تُسدل الستار على أشهر قضايا التعويضات والمعروفة بقضية” القرن في التحكيم”
كتب : ماهر بدر
قضت محكمة النقض المصرية بنقض حكم محكمة استئناف القاهرة السابق صدوره ببطلان حكم التحكيم في صراع قانوني دام لقرابة العشر سنوات في أروقه المحاكم المصرية، والخاصة بدعوى بطلان حكم التحكيم” الصادر لصالح شركة الخرافي الكويتية ضد دولة ليبيا.
ويرجع النزاع الى امتناع دولة ليبيا عن تنفيذ عقد أبرم عام ٢٠٠٦ مع شركة الخرافي الكويتية لإقامة مشروع سياحي عملاق يتضمن فنادق و اماكن ترفيه و رياضات مائية بموجب عقد ايجار من عقود الBOT build , operate and transfer لمدة تسعون عاما ، في مقابل ايجار سنوي كبير و ايضا تمليك المشروع بالكامل لدولة ليبيا بعد انتهاء مدة العقد.
وامتنعت ليبيا عن تسليم الارض وتم الاعتداء على العمال و المهندسين وموظفي شركة الخرافي و تعمدت مخالفة ضمان عدم التعرض المادي والقانوني على نحو غير مسبوق، ومن ذلك تاجير الارض لنادي رياضات بحرية ولمشروع تجاري وغيرها ، بل وتم تحطيم الاسوار التي حاولت الشركة اقامتها وتم تشوين معدات و مواسير ومخلفات في الأرض وتعمد عدم تمكين الشركة من استكمال أية اجراءات أو تراخيص، و أخيراً قامت دولة ليبيا بالغاء قرار الاستثمار في عام ٢٠١٠ .
تكبدت شركة الخرافي اموالا طائلة في دراسات الجدوى ثم المفاوضات ثم اعداد الدراسات و الرسومات و الخرائط الهندسية و التعاقد مع شركات ادارة الفنادق العالمية و شركات المقاولات ، و في اجراءات التعاقد و توفير المقار للشركة و العمال و الموظفين و المهندسين وسداد رواتبهم و التامينات و الانتقالات و السفر و اتعاب المحاسبين و الادارات المختلفة التي كان مطلوبا منها انجاز و تشغيل المشروع العملاق.
كما انذرت الشركة دولة ليبيا بانها ستطالب بالتعويض عن كافة الأضرار الأدبية و المادية وهي اضرار محققة و ايضا عن الكسب الفائت.
لذلك و بالرغم من المخاطبات للحل الودي ثم الإنذارات ، فقد لجأت شركة الخرافي إلى التحكيم وفقا لشروط العقد و للاتفاقية الموحدة لضمان استثمار رؤوس الأموال العربية .
انتهت تقارير خمسة مكاتب محاسبية عالمية احدها ليبي الجنسية إلى ان التعويضات تصل في حدها الادني إلى2.5 مليار دولار أمريكى.
و بالرغم من ذلك فقد استجابت هيئة التحكيم و بغير سند من القانون لالتماس الدولة الليبية من خلال هيئة دفاعها تخفيض التعويضات لمساندتها في النهضة التي تسعى اليها بعد الثورة و لكون شركة الخرافي شركة عملاقة عالمية وان تعاملاتها الدولية تسمح باستيعاب هذا التخفيض وزعمت ان هذا التسامح سيتيح تعاملات مستقبلية كثيرة للشركة في ليبيا و الدول الاخرى.
خفضت هيئة التحكيم قيمة التعويضات المستحقة لشركة الخرافي باكثر من ٦٠% وقضت لها فقط باقل من 40% من قيمة الحد الادنى للتعويضات التي انتهت اليها تقارير مكاتب المحاسبة العالمية جميعها.
و بالرغم من ذلك تعنتت الدولة الليبية و أقامت “دعوى تطلب فيها بطلان حكم التحكيم” الصادر لصالح شركة الخرافي الكويتية ضدها” استمر الصراع القانوني لقرابة العشر سنوات في أروقه المحاكم المصرية.
اولا : من خلال دعويين اقامتهما بعض الجهات التي زعمت انها صاحبة مصلحة وطلبت فيهما عدم الاعتداد بحكم التحكيم.
و قد قضي برفض الدعويين لصالح شركة الخرافي الذى تولى الدفاع عنها منفردا الأستاذ الدكتور حسن عبد الباسط جميعي ، أستاذ القانون و رئيس القسم و الوكيل الاسبق لكلية الحقوق جامعة القاهرة، و مدير مركز جامعة القاهرة للتحكيم ، عن شركة الخرافي في مواجهة دعوى بطلان حكم التحكيم و التي تم تداولها على مدار ما يقرب من ثمانية اعوام امام خمس دوائر لمحكمة استئناف القاهرة و تم تداولها امام ثلاثة دوائر في محكمة النقض و اعيدت اكثر من مرة بسبب دفوع عدم القبول لعدم جواز الطعن بالبطلان ثم لعدم الاختصاص الدولي.
و في العام الماضى في ٣ يونيو ٢٠٢٠ اصدرت محكمة استئناف القاهرة حكما ببطلان حكم التحكيم بالمخالفة لقانون التحكيم و في غير الحالات المحددة حصرا بموجب المادة ٥٣ ، بل و بالاستناد الى مفهوم خاص للعدالة بالمخالفة لنص المادة ٣٩ من قانون التحكيم التي تحظر على هيئات التحكيم إهمال نصوص القانون تحت مسميات العدالة ما لم يوافق الاطراف على ذلك جميعا و في وثيقة مكتوبة .
لذلك فقد اقام الأستاذ الدكتور.حسن جميعي وكيلا عن شركة الخرافي طعنا بالنقض على ذلك الحكم، و استجابت محكمة النقض اولا وفي سابقة تاريخية لطلب ايقاف تنفيذ حكم محكمة استئناف القاهرة : و قضت بإيقاف تنفيذه .
و اخيرا و بشان طلب نقض الحكم و ايضا طلب التصدي برفض دعوى بطلان حكم التحكيم :
حددت محكمة النقض عدة جلسات للمرافعة في الموضوع ، تمت فيها مرافعات متميزة وسجال قانوني رائع و تم تقديم مذكرات عديدة و مستندات حاسمة من جانب دفاع شركة الخرافي .. وهو ما انتهى الى أن اصدرت محكمة النقض حكمها التاريخي حيث قضت: بنقض حكم محكمة استئناف القاهرة الذي سبق و صدر ببطلان حكم التحكيم ( بالمخالفة للقانون ).
ثم وفي موضوع دعوى البطلان قضت محكمة النقض وعلى نحو التصدي لصلاحية الدعوى للفصل فيها و دون الإعادة مرة اخرى لمحكمة الاستئناف ، برفض دعوى بطلان حكم التحكيم ،وهو قضاء نهائي بات انغلقت به كل ابواب الطعن على حكم التحكيم الصادر لمصلحة شركة الخرافي…و تحصن به حقها وهكذا و بهذا الحكم التاريخي اسدلت محكمة النقض الستار على هذا الصراع القانوني الشرس لصالح شركة الخرافي.
ومحكمة النقض المصرية هى أعلى محكمة في جمهورية مصر العربية، وتمثل قمة الهرم القضائي فيها، ومهمتها العمل على توحيد تطبيق القانون في المحاكم المصرية.