أخبار مصر

أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي لـ«الشروق»: أستبعد إقرار مجلس الأمن وقف الملء الثاني للسد الإثيوبى

أديس أبابا لن تنصاع للتوقيع على اتفاق دون إجراءات اقتصادية ودبلوماسية دولية رادعة
مزاعم إثيوبيا بملكية النيل الأزرق أباطيل لا يعترف بها القانون الدولى
مشاورات وزير الخارجية الحالية شاقة جدا.. وأتوقع خروج مجلس الأمن بتوصية للعودة للتفاوض وفق إطار زمنى 6 أشهر
مقترح الاتفاق المرحلى سابقة خطيرة فى إدارة المشروعات الضخمة على الأنهار الدولية

قال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى العام، إن إثيوبيا لن تنصاع للتوقيع على اتفاق قانونى عادل وملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة من دون وجود إجراءات رادعة اقتصادية أو تجارية أو استثمارية أو دبلوماسية من قِبل الدول والمنظمات الدولية.

وأضاف سلامة، فى حوار لـ«الشروق»، أن الأقرب لجلسة مجلس الأمن، غدا الخميس، الخروج بتوصية للعودة إلى التفاوض وفق إطار زمنى محدد، مدته 6 أشهر، للوصول إلى اتفاق، وهى خطوة تحتاج إلى موافقة 9 من أصل 15 عضوا بالمجلس.

واستبعد سلامة، اصدار قرار من مجلس الأمن بوقف الملء الثانى؛ الذى بدأ رسميا أول أمس، بالنظر إلى ضرورة موافقة الدول الخمس دائمة العضوية ومواقفها السابقة من أهمية العودة إلى المفاوضات.

وإلى نص الحوار:

ــ ما هو المتوقع من جلسة مجلس الأمن لبحث أزمة سد النهضة؟
* وفقا للمادة 37 من ميثاق الأمم المتحدة، تلتزم الدول التى أخفقت فى تسوية النزاع فيما بينها بالوسيلة التى اقترحها مجلس الأمن (وهى فى هذه الحالة التفاوض تحت رعاية الاتحاد الإفريقى) باللجوء ثانية إلى المجلس.
وعلى مجلس الأمن أن يقرر ما يراه مناسبًا إما بـ«توصيات» لتسوية النزاع وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة أو بـ«قرارات إنفاذية» تأسيسا على الفصل السابع؛ كأن يأمر أو يطلب من إثيوبيا التوقف المؤقت عن استكمال البناء أو الملء الثانى، وهو أمر غير متيسر خلال جلسة الخميس؛ فمن الضرورى إجماع الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، وقد سبق لممثلين عن هذه الدول التصريح بضرورة العودة إلى المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقى.
ووفقًا لما صرح به رئيس مكتب جامعة الدول العربية فى نيويورك، فإن مشروع القرار المصرى السودانى يدعو مجلس الأمن لأن يضطلع بـ«حث أو دعوة» الأطراف الثلاثة المتنازعة للعودة إلى المفاوضات ثانية، ولكن هذه المرة وفق إطار زمنى محدد مدته 6 أشهر للتوصل فى النهاية لإبرام اتفاق أو بروتوكول فنى تنفيذى ينطبق مباشرةً على تشغيل وإدارة سد النهضة الإثيوبى، ويترجم المبادئ العامة العشرة الواردة فى اتفاق إعلان مبادئ سد النهضة إلى قواعد تطبيقية تنفيذية.
إذن من الوارد أن يصدر مجلس الأمن توصيةً فى هذا النزاع تأسيسا على الفصل السادس من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وليس الفصل السابع.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن توصيات مجلس الأمن تخاطب الدول الثلاث فقط، أما القرارات الإنفاذية تخاطب كل الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة وغير الدول الأعضاء.

ــ ما تعليقك على تصريحات مندوب فرنسا رئيس الدورة الحالية بأن مجلس الأمن سيدعو الدول الثلاث للعودة إلى طاولة المفاوضات؟
* تصريح استباقى غير دبلوماسى، وغير موفق، وهو يحتكر إرادة الدول الخمسة عشر الأعضاء، بل ويوجه بعضها توجيها معينا قبل المشاورات التى يجريها وزير الخارجية المصرى، سامح شكرى، ونظيرته السودانية، مريم الصادق، مع مندوب الدول الأعضاء، وهى مرحلة شاقة جدا تشهد مشاورات وتبادل لوجهات النظر، وتتطلب جهدا دبلوماسيا من أجل إقناع تسع دول من بين الدول الأعضاء الخمسة عشر (وليس بالضرورة يكون بينهم دولة من الخمس الكبار) فقط لإصدار توصية، وهذا ليس بالأمر اليسير.

ــ لماذ برأيك تتملص إثيوبيا من إبرام اتفاق قانونى بشأن سد النهضة؟
* لأنها تدرك أن الاتفاق سيحتذى أو يتبنى ذات الاتفاقيات السابقة الدولية فى صدد تشغيل وإدارة المشروعات المائية على الأنهار الدولية، أو الاتفاقيات الدولية الخاصة بالانتفاع المنصف المشترك لمياه الأنهار الدولية.
ومثال على ذلك، اتفاقية نهر أوروجواى عام 1975 بين الأوروجواى والأرجنتين، واتفاقية نهر الأدندوس، بين الهند وباكستان، للانتفاع المنصف المشترك بنهر السند، وهنا تجدر الإشارة إلى أن كلا البلدين تحاربتا بعد هذه الاتفاقية الدولية فى عامى 1965 و1971 ورغم ذلك لم تمس أى منهما بندا واحدا من بنود الاتفاقية؛ احتراما لمبدأ قدسية المعاهدات الدولية.
وهناك مثال آخر بين الأردن وإسرائيل، حيث كانتا دولتين متحاربتين، وبدأت الدولتان فى مفاوضات ثنائية مباشرة للاتفاق على كيفية الانتفاع وإدارة نهر الأردن، وتم تضمين هذه التفاهمات والمفاوضات فى اتفاقية السلام بين البلدين عام 1994.
فإثيوبيا اختارت أن تشذ عن الدول جميع والمنظمات الدولية بصدد تسوية النزاعات الدولية المتعلقة بالانتفاع المنصف المشترك بمياه الأنهار الدولية.

ــ ما تعليقك على مقترح التوقيع على اتفاق مرحلى بشأن سد النهضة؟
* هو سابقة خطيرة لم نسمع بها من قبل، فلا يوجد ما يسمى باتفاق مرحلى لملء المشروعات المائية الصخمة على الأنهار.
ومن يملك حسن النية لإبرام اتفاق نهائى بعد التوقيع على الاتفاق المرحلى بنحو 6 أشهر فلماذا لم يفعل ذلك طيلة 10 سنوات؟!

ــ فى رأيك.. لماذا ترفض إثيوبيا مقترح الوساطة الدولية فى هذا النزاع؟
* الوساطة لا تمارس إلا بموافقة أطراف النزاع جميع، وإن مورست ورفض أحد الأطراف دور الوسيط فى منتصف الطريق؛ ينتهى دوره.
وإثيوبيا جربت من قبل وساطة البنك الدولى ووزارة الخزانة الأمريكية حين أعدا فى 2020 مسودة الاتفاق الفنى لتشغيل وإدارة سد النهضة، وكانت تعلم أن هذه المسودة «ما تخرش المياه»، فتخلفت عن التوقيع فى سابقة شاذة؛ ثم «حاربت» داخل مجلس الأمن لإلقاء الكرة فى ملعب الاتحاد الإفريقى، المحال أن يمس بمصالح إثيوبيا، التى لا ترغب فى حل النزاع.
وإذا كانت إثيوبيا دولة حسنة النية فى تنفيذ المعاهدات الدولية، وتحترم قدسية المعاهدات الدولية؛ لقبلت بوساطة طرفها البنك الدولى، وجميع الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة ملتزمة بتوجيهات المنظمة بالحيدة والاستقلالية حين يضطلعون بأى عمل من أعمال الوساطة أو الرقابة أو تيسير المفاوضات.

ــ كيف يرد القانون الدولى على مزاعم إثيوبيا بأن النيل الأزرق ملكية خاصة؟
ــ المزاعم الإثيوبية بأن نهر النيل الأزرق ملك لها أباطيل أسدلت عليها ستائر النسيان منذ ما يزيد على قرن من الزمان. ولا لوجود لها فى القانون الدولى العام أو القانون الدولى للانتفاع بالمجارى المائية الدولية فى غير استخدامات الملاحة.
وعلى إثيوبيا أن تعلم أن حقها فى التنمية لا يتخطى ولا يتعدى حق الشعوب الأخرى فى الحياة.

ــ بناءً على ما سبق.. كيف يمكن الوصول لاتفاق قانونى عادل وملزم بشأن سد النهضة؟
* إثيوبيا لن تنصاع إلا بتدابير ردعية مضادة، سواء كانت تجارية أو اقتصادية أو استثمارية أو دبلوماسية، من جانب المنظمات والدول.

ــ ماذا تقصد بالإجراءات الرادعة؟
* من هذه الإجراءات تعليق المصادقة على الاتفاقات الدولية التى تكون إثيوبيا طرفا فيها، وتعليق الاستثمارات الضخمة فى إثيوبيا، وتخفيض العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وحظر التعامل مع الخطوط الجوية الإثيوبية، الناقل الرسمى للاتحاد الإفريقى ودول القارة من الشرق إلى الغرب.
ويمكن أيضًا إلغاء اعتبار الأفضيلة لإثيوبيا فى معاهدات واتفاقات تجارية من جانب المنظمات الدولية والدول، وحظر استقبال العمالة الإثيوبية.
كل هذه تسمى فى القانون الدولى تدابير مضادة وهى إجراءات تتخذها الدول والمنظمات الدولية تجاه الدول التى انتهكت قواعد ومبادئ القانون الدولى وألحقت الضرر الجسيم بالدول الأخرى.
وعلى مصر والسودان أن يبذلا جهدا دبلوماسيا ماراثونيا مع المنظمات والدول لاتخاذ التدابير الردعية ضد إثيوبيا، وهو أمر صعب دون إغفال ضيق الوقت.
كما أن هناك نماذج طبق فيها المجتمع الدولى جزاءات وعقوبات ضد سوريا وليبيا وبوروندى والعراق والبرتغال وجنوب أفريقيا (وقت العنصرية) وزيمبابوى.

قال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى العام، إن إثيوبيا لن تنصاع للتوقيع على اتفاق قانونى عادل وملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة من دون وجود إجراءات رادعة اقتصادية أو تجارية أو استثمارية أو دبلوماسية من قِبل الدول والمنظمات الدولية.

أيمن سلامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *