أخبار مصر

في ذكراها الـ69.. هل أكلت ثورة 23 يوليو أبناءها؟

تمر اليوم الذكرى الـ69 على ثورة 23 يوليو 1952، ونستعرض في ذلك التاريخ أحد الكتب السياسية التحليلية المهمة التي تعرضت لهذه الفترة، وحاولت النظر إليها بصورة أكثر موضوعية، “ثورة 23 يوليو 1952” للدكتور مجدي حماد، من إصدار مركز دراسات الوحدة العربية عام 1993.

يقول حماد في مقدمة كتابه: “هذه الدراسة عن ثورة يوليو ليست نوعا من السلفية التاريخية ولا هي نظرة بالحنين والشجن بل هي محاولة لفهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل لأن حقبة بالغة الأهمية والخطور قد مرت من المهم مراجعتها بصورة نقدية أصيلة تلتزم بالمبادي لكنها تعطي نفسها أوسع مجالات الحرية في مناقشة التطبيق، وتنطلق هذه الدراسة من أن ثورة 23 يوليو ما زالت تمثل تياراً فاعلاً في الحياة السياسية والفكرية في مصر والبلدان العربية الأخرى، أنها الثورة الأم في التاريخ العربي المعاصر وأن التوجهات التي تبنتها والأحداث والمباديء التي حركتها وتحركت بها مازالت تسهم في الجدال السياسي والفكري الدائر”.

كيف نرى ثورة 23 يوليو في سياق صحيح
يقول حماد إن عُرف التاريخ ثورات تأكل أبناءها وعرف التاريخ أيضاً ثورات يأكلها أبناؤها كان هناك الذين أساءوا إلى الثورة من داخلها حتى في حياة جمال عبدالناصر وإلا فكيف يمكن أن نفسر ما حدث في 1961 وعام 1967 وكان هناك الذي تولوا تصفية الثورة من داخلها أيضا وبعد رحيل جمال عبدالناصر.

وعلق حماد أن كل المشاكل التي واجهت الثورة لا تقتص من قدرها أو إسهامها التاريخي، أو تنهزم مبادئها لمدة أو تنتكس بعض اتجاهاتها لفترة فالثورة الفرنسية الكبرى أدت أحداثه إلى تنصيب نابليون إمبراطورا على فرنسا عام 1804، بل وعادت الأسرة المالكة إلى الحكم مرة أخرى في عام 1815، ولكن الثورة استأنفت مسيرتها، فالحركات التاريخية الكبرى تتقدم وتنتكس ولكنها لا تموت.

يشير حماد إلى أن الانتكاسة السياسية لا تعني نهاية الثورة، ذلك أن مبادئ أي ثورة تنتشر في النفوس والعقول وتصبح جزء من المناخ العام، ومن خلال معيار المقارنة مع ثورات أخرى، يمكن حسم إشكالية السلبيات والإيجابيات.

من أهم إيجابيات الثورة، كما ذكر حماد أنها انحازت لصالح الشعب والقوى العاملة، واتجهت إلى إقامة قاعدة صناعية حقيقية تفتح آفاق التنمية والإنتاج وتحقق الأهداث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذلك يمكن القول بمعيار الأرقام والإحصاءات المؤكدة أن عملية التنمية التي قامت بها الصورة في المجالات جميعها حققت نمواً لم تشده البلاد في تاريخها الحديث.

وبعد أن كانت نسبة الانتاج الصناعي إلى الإنتاج القومي أقل من 10% أصبحت مصر دولة صناعية زراعية تحتل فيها الصناعة المكانة الأولى في الانتاج.

أما على مستوى المسألة الاجتماعية، فقد نص دستور سنة 1956 أي بعد قيام الثورة بأقل من أربع سنوات على مساواة المراة بالرجل في الحقوق السياسية، ومنها حق التصويت والترشيح للانتخابات العامة وشغل الوظائف على المستويات كلها في جهاز الدولة، بالإضافة إلى تأميم قناة السويس في عام 1956، وطرح مفهوم الحياد الإيجابي وعدم الانحياز.

وبالنظر إلى الثورة من معيار تحديد موقعها التاريخي في سياق التاريخ المصري الحديث، وعلاقتها بما سبقها من أحداث وتطورات، فإن هذه الثورة هي حلقة من حلقات الحركة الوطنية المصرية، وترتبط بما سبقها من ثورات تعرض للإنتكاس، وهي استكمال لما بدأته وبهذا تكتسب ثورة يوليو أصالتها وامتدادها من عمق الحركة الوطنية المصرية، فهي محصلة إيجابيات الحركة ككل، وضرورتها جاءت كنتيجة لعدم استكمال مهمات التحرر في ثورة 1919.

يقول حماد في هذا السياق إن تجريبية المحاولة والخطأ لثورة يوليو لم تكن تجريبية بين الاشتراكية والرأسمالة أو الحرية والاستعباد او بين الوحدة والتجزئة وإنما كانت ثورة من أجل الاستقلال الوطني والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والوحدة العربية.

ويفسر جانباً من الهجوم الذي وجه للثورة، أنها قدمت منظومة من الأفكار والممارسات مغايرة جذريا لما سبقها من مظومات ونافية جذريا للنظام العربي الموروث، ومن هنا قدمت الثورة شكلاً جديداً من أشكال نفي ما هو قائم لهذا السبب أثارت عداء الوطني العربي الرسمي وخشيته ولقيت ترحيب داوي من جماهير الأمة العربية.

عبدالناصر الفرد والثورة
كان ما ذكرناه سابقا جانبا من تفاصيل الفصل الأول الذي تحدث عن مقارنة الثورة بالثورات الأخرى، وفي الفصل الثاني توجه الكاتب للحديث عن الزعيم الذي تألق بعد نجاح هذه الثورة، وهو جمال عبدالناصر.

حيث قال إن عبدالناصر شغل في التاريخ العربي الحديث لأمته العربية مكانة مميزة وفريدة وكانت قيادته لثورو الشعب المصري علامة تحول بارزة أمكن فيها عن طريق الفعل الجسور المستند إلى تأصيل فكري عميق إلى طموحات واسعة، تحريك هائل للقدرات والاتصال والتجارب، وتمكن من تنبيه الشعب المصري إلى مكانته ودوره في وسط أمته.

يمكن فهم عقليته السياسية في نقاط واضحة، فالاستقلال أمل فوار ومتحفز، والتنمية والعدل الاجتماعي هما الجوهر الحقيقي للاستقلال، والوحدة العربية هي حقيقة التاريخ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وعدم الانحياز كانت له ضرورته من موقع المنطقة التي تقع في بطن الاتحاد السوفيتي وفي جوار حلف شمال الأطلسي مباشرة، وكانت ملكية الأرض الزراعية قضية مهمة لديه، أما صفقات الأسلحة شغلته كثيرا، رأينا صفقات أسلحة تشيكية ورأينا محاولات للوحدة العربية.

وإن كان عبدالناصر قد اتهم بالقصور الفكري، يدافع عنه حماد بأحد مقولات ناصر نفسه، وذكر أنه أقر بذلك القصور وأشار إلى جانب هام من أسبابه في خطابه عام 1961، عندما قال: “ناس كتير بيقولو ما عندناش نظرية أنا بأقول إني مكنش مطلوب مني أبدا في 23 يوليو 1952 إن أطلع معايا كتاب مطبوع وأقول إن هذا الكتاب هو النظرية مستحيل لو كنا قعدنا نعمل الكتاب ده مكناش عملنا 23 يوليو، لأن مكناش نقدر نعمل العمليتين مع بعض”.

يقول حماد إن قراءة وثائق ثورة 23 يوليو تؤكد أن جمال عبدالناصر الذي لم يكن يحمل نظرية ثورية تنير له الطريق أو ممثلاً حزبيا ينفذ إيدولويجية التنظيم كان راداراً وطنية يتصرف بحساسية وشفافية ترتبط أولاً وأخيراً بمصلحة مصر وأمتها، كما يراها في هذه اللحظة دون أن يدري ماذا يمكن أن يستجد من لحظات، متخبطاً بين الصواب والخطأ ولكنه أنجز ما لم يستطع غيره إنجازه.

قد مرت الثورة بأزمتين كبيرتين في حياة جمال عبدالناصر، الأولى بينه وبين رفاقه في مجلس قيادة الثورة، في مارس 1954، وكانت حول أسلوب الحكم، والثانية بعد عشر سنوات عام 1964 وكانت حول مضمون الحكم، وفي ما يتصل بالأزمة الأخيرة كان من الملاحظ أن الثغرة الفكرية بين ناصر من جهة وعدد من زملائه من جهة أخرى تعبر عن عبور الثورة مفترق طرق حاسم وتناقضات في مركز القيادة، انتقلت من تناقضات شخصية محدودة تمس أسلوب الحكم إلى تناقضات اجتماعية تعبر عن خلافات في الانتهاء الطبقي ووجهات نظر منتنافرة في بناء المجتمع.

ويمكن القول إن الانقسام انتهى بعد الهزيمة، وتوجه ناصر لحشد الجهود والقوى عسكرية واقتصادية وفكرية على خط واحد ضد العدو.

يقول حماد في مقدمة كتابه: “هذه الدراسة عن ثورة يوليو ليست نوعا من السلفية التاريخية ولا هي نظرة بالحنين والشجن بل هي محاولة لفهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل لأن حقبة بالغة الأهمية والخطور قد مرت من المهم مراجعتها بصورة نقدية أصيلة تلتزم بالمبادي لكنها تعطي نفسها أوسع مجالات الحرية في مناقشة التطبيق، وتنطلق هذه الدراسة من أن ثورة 23 يوليو ما زالت تمثل تياراً فاعلاً في الحياة السياسية والفكرية في مصر والبلدان العربية الأخرى، أنها الثورة الأم في التاريخ العربي المعاصر وأن التوجهات التي تبنتها والأحداث والمباديء التي حركتها وتحركت بها مازالت تسهم في الجدال السياسي والفكري الدائر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *