في 23 يوليو 1952 أطاح تنظيم الضباط الأحرار بالنظام الملكي ودفعوا بمصر إلى مسار سياسي جديد، أسس الجمهورية على أنقاض الملكية المدعومة من بريطانيا، لتظل ذكرى هذا اليوم محفورة في أذهان المصريين شعباً وقيادة.
امتدت آثار ثورة 23 يوليو لتغطى كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وخارج مصر أعطت الثورة إشارة بداية صناعة دور إقليمى لمصر عربيا وإفريقيا، فامتد دورها بشكل كبير فى إفريقيا والمنطقة العربية، حيث لاقت جميع حركات التحرر التى انطلقت فى أعقابها الدعم المادى والمعنوى القاهرة.
توحيد العرب.. أبرز أهداف الثورة
كانت أحد أبرز أهداف الثورة المصرية تكمن في توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات لصالح حركات التحرر العربية، فأكدت مصر للأمة العربية من الخليج الى المحيط أن قوة العرب في توحدهم، إذ تحكمها أسس أولها تاريخي وثانيها اللغة المشتركة لعقلية جماعية وثالثها نفسي واجتماعي لوجدان واحد مشترك، وفق تقرير الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية.
مصر.. قطب القوة في العالم العربي
وبرزت الثورة بدورها في توحيد جهود الدول العربية، فظهرت الوحدة بين مصر وسوريا، بمرور أربع خمس سنوات على نجاحها، وبعدها قامت الثورة بعقد اتفاق ثلاثي بين مصر والسعودية وسوريا ثم انضمام اليمن للدفاع عن حق الصومال في تقرير مصيره، وأيضا ساهمت الثورة في استقلال الكويت، ودعمت الثورة العراقية، فأصبحت مصر قطب القوة في العالم العربي، مما فرض عليها مسئولية الحماية والدفاع لنفسها ولمن حولها.
ساعدت مصر أيضا اليمن الشمالي والجنوبي في ثورته ضد المحتل حتى النصر وإعلان الجمهورية، وساندت الثورة الشعب الليبي في ثورته ضد الاحتلال، كما دعمت الثورة حركة التحرر في تونس والمغرب حتى الاستقلال.
السودان.. والإصرار على الاستقلال
بمجرد قيام الثورة وحصولها على استقلالها التام، راحت ﻣﺼﺮ تكثف جهودها ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ، فوﻗﻔﺖ ﺑﺈﺻﺮﺍﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻨﺎﻭﺭﺍﺕ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻟﺘﺴﻮﻳﻒ ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﻣﻤﺎ ﻋﺠﻞ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ 1953 ﺑﻴﻦ ﻣﺼﺮ ﻭﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ، فأصبحت بذلك ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺃﻭﻝ ﺩﻭﻟﺔ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ، ﻓﻰ ﻳﻨﺎﻳﺮ 1956، ﻭﻛﺎﻧﺖ مصر ﺃﻭﻝ ﺩﻭﻟﺔ ﺗﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ، وتقدم ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ سفيرا لها ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ.
القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير
وفي القضية الفلسطينية، التي كانت شرارة لاندلاع الثورة بالأساس، ﻛﺎﻥ ﻟﻤﺼﺮ ﺩﻭﺭ ﺑﺎﺭﺯ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮ ﻓﻰ ﻋﺮﺽ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﻭطالبت دوما بحقوق ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻰ ﻭﺣﺚ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻓﻰ ﺣﻞ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ.
وﻛﺎﻥ ﻟﻤﺼﺮ ﺍﻟﺴﺒﻖ ﻓﻰ المطالبة بﺿﺮﻭﺭﺓ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﻫﻴﺌﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻰ، الأمر الذي ساهم ﻓﻰ القرﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻰ ﺍﺗﺨﺬﺗﻬﺎ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، في ﻋﺎﻡ 1974، ﺑﺄﻏﻠﺒﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻨﻴﻴﻦ، ﻭالتي تضمنت ﺩﻋﻮﺓ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﺑاﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻣﻤﺜﻼً ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻰ، ﻭإﻋﻄﺎﺀ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻰ ﺣﻀﻮﺭ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮﺍﺕ، ما أكسبها ﻗﺪﺭﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ.
الجزائر.. والاستقلال عن فرنسا
ولصالح الجزائر، دعمت مصر ﺍﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻳﻴﻦ، وكانت ﺇﺫﺍﻋﺔ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺗﻤﺜﻞ ﺩﻋﻤﺎ ﺇﻋﻼﻣﻴﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻳﺔ، وبحلول ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ عام 1955، دشنت مصر إﺫﺍﻋﺔ ﺳﺮﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﺠﺰﺍﺋﺮ ﺗﺬﻳﻊ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ، بل وﻛﺎﻧﺖ للصحافة ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ مساعد قوي في توصيل صوت الثورة ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻳﺔ ﺑﻨﺸﺮ ﺃﺧﺒﺎﺭﻫﺎ ﻭﺍﻟﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍﺗﻬﺎ.
واستمرت مصر فى ﻣﺴﺎﻧﺪﺓ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ ﺣﺘﻰ ﺍﻧﺘﺼﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻰ ﻭﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﺳﻨﺔ 1962، بعدما ﺃﻧﺸﺌﺖ ﺃﻭﻝ ﺣﻜﻮﻣﺔ لها في ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻇﻠﺖ ﻣﺼﺮ ﺗﺪﻋﻢ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎً ﻭﻋﺴﻜﺮﻳﺎً ﻭﻣﺎﺩﻳﺎً ﻭﻓﻨﻴﺎً ﺑﻌﺪ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻷﻋﺒﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﺣﺘﻰ ﺗﻌﻴﺪ ﻟﻠﺠﺰﺍﺋﺮ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.
اليمن الشمالي والجنوبي.. وقيام الجمهورية
وفي ثورة اليمن الشمالي، كانت مصر من أوائل المساندين للثورة، التي اندلعت في عام 1962، فاستجابت لنداء ﻗﺎﺩﺓ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ وقدمت المساعدات ﺍﻟﻌﺴﻜﺮية ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮة، ﺑﺈﺭﺳﺎﻝ آﻻﻑ الجنود ﻟﻠﻮﻗﻮﻑ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪﺓ ﺿﺪ ﺃﻋﺪﺍﺋﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺃﺳﺮﺓ ﺣﻤﻴﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻌﺰﻭﻟﺔ، ﻭﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺮﺟﻌﻴﺔ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﺴﺎﻧﺪﻫﺎ.
وكان الدعم المصري للثورة في اليمن الشمالي ﺣﺎﻓﺰﺍً ﻟﺠﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻓﻰ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻰ، التي صعدت ﻛﻔﺎﺣﻬﺎ ﺿﺪ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻫﻨﺎﻙ، ﻭﻣﻊ ﺗﺰﺍﻳﺪ ﻣﺴﺎﻋﺪﺍﺕ ﻣﺼﺮ للشقين اليمنيين، ﺣﻘﻘﺖ الثورة ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍﺕ ﺳﺮﻳﻌﺔ، ﻣﻜﻨﺘﻬﺎ ﻓﻰ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪﻓﻬﺎ، ﺑﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ في ﻋﺎﻡ 1967.
العراق.. العدوان عليها عدوان على مصر
وفي العراق، وقفت القاهرة بجانب ﺟﻴﺶ البلد العربي، عندما ﺃﻃﺎﺡ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﻠﻜﻰ ﻭﺃﻋﻠﻦ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ، ﻓﻰ 14 ﻳﻮﻟﻴﻮ 1958، فكانت مصر ﻓﻰ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺴﺎﻧﺪﺓ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭﻯ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻭالداعمة ﻣﺎﺩﻳﺎ ﻭﻣﻌﻨﻮﻳﺎ، وساعدت مصر في نجاح الثورة ودرء تهديدات ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭﻯ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻰ من ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﻭﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ، فأعلن ﻋﺒﺪﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﺃﻥ ﺃﻯ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻳﻌﺪ ﻋﺪﻭﺍﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ، ووقعت ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺗﻌﺎﻭﻥ ﻛﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﻦ، في ﻋﺎﻡ 1958.
الشعوب العربية.. بين التحرر والاستقلال
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ مصر ﺑﺘﺪﻋﻴﻢ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻓﻰ ﺗﻮﻧﺲ ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻤﺎ ﻋﺎﻡ 1956، ﻭﻗﺎﻣﺖ ﻣﺼﺮ ﺑﺎﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺣﻖ ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﻓﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ، ﻛﻤﺎ ﺳﺎﻫﻤﺖ ﻣﺼﺮ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻰ الحفاظ على استقلال الكويت، ودعمت الشعب العربي في دولة الأهواز المحتلة في نضاله من أجل الحرية والاستقلال.
مصر.. انجازات عالمية وكسر الاحتكار
ولعبت قيادة الثورة دورا رائدا مع يوغسلافيا بقيادة الزعيم تيتو ومع الهند بقيادة نهرو في تشكيل حركة عدم الانحياز مما جعل لها وزن ودور ملموس ومؤثر على المستوى العالمي، ووقعت صفقة الأسلحة الشرقية، في عام 1955، والتي اعتبرت نقطة تحول كسرت احتكار السلاح العالمي، ودعت إلى عقد أول مؤتمر لتضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية في القاهرة عام 1958.