أخبار مصر

في ذكرى حرب أكتوبر.. هل أظهرت الصحافة استعداد السادات للحرب قبلها بشهر واحد؟

ملحمة سيبقى أثرها لمئات السنوات، قادها الجيش المصري والرئيس الأسبق محمد أنور السادات، ووقف بجانبها الشعب المصري لدعمها، حتى حققت مصر النصر على عدوتها إسرائيل واستردت كل شبر من أراضيها، وأثبتت في 6 ساعات فقط عبرت خلالها القناة، أن “ما أُخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة”.

تكمن عظمة حرب أكتوبر المجيدة في أنها نجحت من جميع الجوانب، حيث وضع الرئيس الأسبق السادات خطة للحرب متكاملة الأركان، ليس فقط عسكريا وسياسيا، لكن أيضا فنيا وصحيا واجتماعيا، متمثلة في خطة أسماها بـ”خطة الخداع الاستراتيجي”، التي بدأت في شهر يوليو لعام 1972، واستمرت حتى يوم الحرب في 6 أكتوبر لعام 1973م.

وفي هذا الملف، نرصد الأخبار التي نشرت في جريدة “الأخبار” لشهر سبتمبر لعام 1973م، التي تبين الآن بشكل واضح خطة السادات الاستراتيجية الناجحة التي كانت سببا رئيسيا للانتصار.

• الأوضاع السياسية في الجريدة قبل الحرب

كان واضحا في الأخبار السياسية التي نشرتها جريدة “الأخبار” في سبتمبر لعام 1973م، تحرك الرئيس الأسبق السادات في جميع الجبهات السياسية سواء العربية أو الدولية بنشاط مكثف خلال هذا الشهر، ضمن خطته الاستراتيجية السياسية، لكن لم يستطع أحد أن يربط بين هذا النشاط المكثف والأخبار المستمرة عن لقاؤه بزعماء العرب، وبين استخدام سلاح البترول من جهة أخرى، حيث لم يستدل أحد من خلال هذه الأخبار المتعاقبة، على أن هناك حربا ستحدث خلال أيام فقط، ستحقق الانتصار على إسرائيل.

 

وفيما يلي، نرصد الأخبار التي أوضحت الخطة السياسية للسادات استعدادا لحرب أكتوبر المجيدة.

في الصفحة الأولى لعدد جريدة “الأخبار” الصادر في 2 سبتمبر لعام 1973م، تصدر خبر لقاء الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بكورت فالدهايم، السكرتير العام للأمم المتحدة؛ وذلك لبحث أزمة الشرق الأوسط.

وقال فالدهايم، خلال هذه الزيارة، إنه ممتن للرئيس السادات لأنه شرح له موقف مصر كاملا من الأزمة، وقد أعلنت مصر احتجاجها على احتلال إسرائيل لبعض المناطق في الدولة العربية، وأوضح أنه تفهم مطلب مصر وأن زيارته للقدس الأخيرة لا تعني اعتراف الأمم المتحدة بدولة إسرائيل، وأشار إلى أن موقف الأمم المتحدة كما هو لم يتغير ولم تعترف بها كدولة.

وفي نفس العدد، تصدرت صورة الرئيس السادات مع أمير الكويت، صباح السالم الصباح؛ وذلك لمناقشة الموقف العربي من إسرائيل، كما استقبل الرئيس السادات سفير الصين الشعبية، والرئيس الصومالي محمد سياد بري.

نشرت الجريدة أيضا في صفحتها الأولى أن تنزانيا تؤيد موقف مصر وتندد بالاحتلال الإسرائيلي، وأن اللجنة التحضيرية لمؤتمر عدم الانحياز تهدد بفرض عقوبات على إسرائيل إذا لم تنسحب انسحابا فوريا وغير مشروط من الأراضي العربية المحتلة.

اهتمت الصفحة الأولى أيضا بتغطية أخبار ليبيا الشقيقة، وأعلنت قرار ليبيا بتأميم 51% من شركات البترول.

اهتمت الأخبار بتغطية رحلة الوفد المصري إلى رومانيا، مؤكدة أن رومانيا تدعم موقف مصر، وتطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل، وترفض اللعب بالكلمات، وقد نشرت الجريدة صورة لستيفان فويتيك، رئيس البرلمان الروماني -آنذاك- وهو يصافح حافظ بدوي رئيس مجلس الشعب المصري -آنذاك- خلال مباحثاتهما.

في عدد الأخبار الصادر بتاريخ 3 سبتمبر لعام 1973م، تصدرت صورة الرئيس السادات مع أمير الكويت صباح السالم الصباح، وأكد عنوان الخبر أن هناك اتفاق تام بين البلدين على ضرورة استخدام الإمكانيات العربية لصالح المعركة، ضد التحديات الصهيونية التي يواجهها الوطن العربي، وأعلنت الكويت -في هذا الاجتماع- تأييدها لمصر تأييدا مطلقا في موقفها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأكدت أنها تؤيد كل خطوة تخطوها تجاه حل أزمة الشرق الأوسط.

تصدر الصفحة الأولى أيضا عنوان بالخط العريض، لتصريح رئيس وزراء ليبيا، عبدالسلام جلود، الذي أكد أنه لابد من استخدام سلاح البترول، وأن موقف أمريكا المعادي للشعب الفلسطيني والعالم العربي، سيتسبب في زيادة السخط عليها، وإذا استمرت أمريكا في نفس سياساتها، فستجبر الدول العربية على استخدام سلاح النفط ضدها.

وأكدت الأخبار في عنوان عريض، أن الرئيس السادات أكد لكورت فالدهايم، السكرتير العام للأمم المتحدة، أن الأمم المتحدة يجب أن تضاعف جهودها لحل أزمة الشرق الأوسط، وأن الرئيس شرح للسكرتير العام موقف مصر كاملا، وإصرارها على انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة في مصر وسوريا والأردن.

في الصفحة الثالثة من هذا العدد، نشرت الأخبار استعدادات مصر لمؤتمر دول عدم الانحياز، وشرحت أن مصر قدمت 4 مذكرات تم توزيعها على الأعضاء، ما أسمته الجريدة بـ”مشروع القرار المصري عن الشرق الأوسط”، وأكدت أن المشروع الذي قدمته مصر جعلها محور حديث مؤتمر عدم الانحياز منذ بدء لحظته الأولى.

بينما تصدرت الصفحة الرابعة صور الرئيس السادات مع محمد سياد بري رئيس المجلس الأعلى للثورة الصومالية، وأيضا مع جيتو بلاجا سفير إيطاليا في القاهرة، وذلك بمناسبة نقله ممثلا دائما لبلاده لدى الأمم المتحدة.

نشرت الأخبار في نفس الصفحة مقالا يوضح أن قرار تأميم ليبيا لـ51% من شركات البترول يؤكد عدم شعور الدول العربية بالتخويف، وأن ليبيا تستطيع استخدام سلاح البترول ضد أمريكا الآن، وأن هذا القرار يوضح أن العرب يستطيعون السيطرة على ثرواتهم الوطنية وانتزاع حقوقهم، ووضع بترولهم في خدمة أهدافهم.

تصدر عنوان عريض في صدر الصفحة الأولى لجريدة الأخبار في عدد 4 سبتمبر لعام 1973م، الذي أعلن فيه الملك فيصل، عاهل السعودية، أنه سيستخدم البترول للتأثير في السياسة الأمريكية، حيث صرّح الملك فيصل لمجلة “نيوزويك” أن السعودية ستخفض إنتاج البترول إذا لم توقف أمريكا دعمها لإسرائيل.

تصدرت الصفحة أيضا صورة الرئيس السادات مع نظيره اليمني، سالم ربيع؛ وذلك لبحث مشكلة القضية العربية وأزمة الشرق الأوسط، والاتفاق بين البلدين على موقف مصر في مؤتمر عدم الانحياز.

أكدت الجريدة أن الرئيس السادات سيكون أول المتحدثين في مؤتمر عدم الانحياز، بعد إلقاء الرئيس الجزائري بومدين، الكلمة الافتتاحية بوصفه رئيسا للمؤتمر، حيث إنه يعقد في الجزائر، وأشارت الجريدة إلى أن هناك اتفاق عام بين الدول العربية باتخاذ مواقف سياسية واقتصادية تجاه إسرائيل، وليس الاكتفاء فقط بإصدار بيان لإدانتها.

في ظل تحرك الدولة، متمثلة في اجتماعات الرئيس السادات التي لا تنقطع مع زعماء الدول العربية، تكاتفت الصحافة معه، وأجرت جريدة “الأخبار” حوارا مطوّلا مع الرئيس التونسي، حبيب بورقيبة، لبحث سياسة الوفاق، واستخدام العرب لسلاح البترول لمواجهة السياسة الأمريكية الداعمة للاحتلال الصهيوني، وأكد الرئيس بورقيبة -خلال الحوار- أنه لا يجب تحقيق حلم صهيون بالحصول على الدول العربية من النيل إلى الفرات، لأن عدم انسحابها من المناطق العربية، يهدد الوجود العربي ككل.

بدأ مؤتمر عدم الانحياز الذي شارك فيه 47 رئيسا وملكا في 5 سبتمبر لعام 1973م، وأكدت الأخبار أن مصر تقدم مشروعها للمؤتمر الذي ينص على اعتبار إسرائيل دولة خارجة عن القانون، ومقاطعتها في جميع المجالات، حتى تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة في الدول العربية، وإلى أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه.

في حين نشرت الجريدة تصريحات رئيس الجزائر، هواري بومدين، بتحذير أمريكا من التدخل العسكري في المنطقة العربية، بحجة احتياجها للبترول، مؤكدا أن العواقب ستكون وخيمة.

“السادات يطالب باتخاذ موقف لردع العدوان”، هكذا استهلت جريدة “الأخبار” عددها الصادر بتاريخ 7 سبتمبر لعام 1973م، مع صورة للرئيس السادات من خطابه بمؤتمر عدم الانحياز، وهو يؤكد لأعضاء المؤتمر أنه “لن يقوم سلام إلا بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة”، موضحا أن أمريكا التي تدعم إسرائيل تقصد بحرب الصحراء، اغتصاب دول ساعية للتقدم.

في حين، وفي نفس الصفحة، أعلنت أمريكا أنها تهدد الوطن العربي بشراء البترول من أسواق أخرى، إذا ما كانت الدول العربية جادة في استخدام سلاح البترول ضدها، لتوقف دعمها لإسرائيل، وقد أكد الرئيس الأمريكي نيكسون أن أمريكا لن تغير موقفها تجاه إسرائيل تحت أي ضغط.

“لا تنازل ولا تفاوض ولا مساومة”، عنوان تصدر الصفحة الأولى في عدد 9 سبتمبر لعام 1973م، وهو كان جزءا من خطاب الرئيس السادات في كلمته بمؤتمر عدم الانحياز، حيث أكد السادات لـ”فالدهايم” سكرتير عام الأمم المتحدة -خلال زيارته لمصر- أن مصر لن تتنازل عن شبر من أراضيها، وأنها لن تفاوض، كما أعلن السادات أنه تم إيجاد خط عربي موحد تجاه المعركة، وأن الدول العربية قد حشدت قدرا كبيرا من الإمكانيات المادية والعسكرية استعدادا للمعركة.

ونشرت الجريدة مجموعة صور للرئيس السادات مع زعماء الدول العربية خلال حديثه معهم، مثل صورته مع الملك فيصل عاهل السعودية، وصورته مع الشيخ زايد بن سلطان رئيس الإمارات، بالإضافة إلى صورته مع الوفد اللبناني ورئيس جمهورية تنزانيا.

في عدد 10 سبتمبر لعام 1973م، عرضت جريدة “الأخبار” نتائج ما انتهى إليه مؤتمر عدم الانحياز، وهي أن دول عدم الانحياز تعهدت بمساعدة مصر وسوريا والأردن في تحرير أراضيها بكل الوسائل الممكنة، كما طالبت الدول، إسرائيل، بالانسحاب الفوري غير المشروط، ودعت أمريكا لوقف تأييدها للعدوان، وأن الدول العربية تريد “بتر الصهيونية والعنصرية”.

وفي نفس العدد، أكدت الأخبار أنه في نفس اليوم الذي وصل فيه السادات إلى مصر، عائدا من الجزائر بعد مشاركته في مؤتمر عدم الانحياز، وصل إلى مصر أيضا الرئيس السوري حافظ الأسد، والملك حسين عاهل الأردن، وذلك لانعقاد قمة رئاسية بين زعماء الدول الثلاث، للتنسيق بين جهودهم لمواجهة الاحتلال الصهيوني.

“بدأت اجتماعات القمة لدول المواجهة”، هكذا أعلنت جريدة “الأخبار” في عددها الصادر يوم 11 سبتمبر لعام 1973م، قاصدة بدول المواجهة (مصر، وسوريا، والأردن)، مع وضع صورة تتصدر قلب الصفحة للزعماء الثلاث وهم يناقشون خطوتهم القادمة، وقد أكدت الجريدة أن اجتماع دول المواجهة بالقاهرة جاء مفاجأة لكل التوقعات، وأن هدفه هو التنسيق العسكري بين الدول الثلاث.

وفي سياق آخر، أكدت الجريدة أن هناك اهتمام عالمي بمؤتمر الجزائر لدول عدم الانحياز، وقرارات الـ76 دولة المعادية للموقف الإسرائيلي، كما أوضحت أن موشى ديان قد صرّح باستياؤه لأن العرب حشدوا العالم كله ضد إسرائيل.

في 13 سبتمبر لعام 1973م، بدأ الاجتماع الثاني لرؤساء دول المواجهة، وأكدت أن الاجتماعات بين زعماء الدول الثلاث (مصر، وسوريا، والأردن)، مستمرة.

هدأت الأخبار في منتصف سبتمبر، حيث ركز السادات في هذه الفترة على الوضع المحلي والاجتماعي، بعد انتهاؤه من جولته مع زعماء العرب والعالم، حتى تلاشت الأخبار السياسية في بداية شهر أكتوبر، كنوع من الصمت التام من القيادة السياسية، وتم التركيز فقط على أخبار رمضان، إلى أن حدثت المفاجأة.

وفي 6 أكتوبر لعام 1973م، استطاعت مصر عبور القناة، وتنوعت عناوين الصحف بين “قواتنا عبرت القناة”، و”إسرائيل في ذهول”، و”يوم القوات المنتصرة”.

 

تكمن عظمة حرب أكتوبر المجيدة في أنها نجحت من جميع الجوانب، حيث وضع الرئيس الأسبق السادات خطة للحرب متكاملة الأركان، ليس فقط عسكريا وسياسيا، لكن أيضا فنيا وصحيا واجتماعيا، متمثلة في خطة أسماها بـ”خطة الخداع الاستراتيجي”، التي بدأت في شهر يوليو لعام 1972، واستمرت حتى يوم الحرب في 6 أكتوبر لعام 1973م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *